القتل للملل.. تقليعة هولندية جديدة
باحث وصحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هولندا- يبدو أن هولندا قد اختارت )الموت) مجالا للمنافسة والسبق على المستوى العالمي؛ إذ لم يكد مجلس النواب بالبرلمان الهولندي ينتهي من الموافقة على قانون القتل الرحيم Euthanasia الذي يجعل هولندا أول بلد في العالم تجيز قانونيًا إجراء عمليات قتل للمرضى أصحاب الأمراض الميئوس من شفائها؟ حتى فاجأت العالم مرة أخرى باقتراح لقانون يجيز قتل كبار السن الذين يشعرون بالملل وعدم جدوى الحياة!.
وصاحبة فكرة هذا القانون الذي أطلق عليه Pilvav Drion أو "إبرة دريون" هي وزيرة الصحة Borst Eilers التي سبق، وقدمت مشروع قانون القتل الرحيم، وقد أثارت الفكرة في حوار لها أجرته معها جريدة NRC-Handelsblad، وهي جريدة يومية تصدر من مدينة روتردام Rotterdom، وتعد من أهم الصحف اليومية في هولندا، وكان الحوار يدور معها حول قانون القتل الرحيم، لكنها فاجأت الجميع باقتراح تدعو فيه لإقرار قانون آخر يجيز قتل كبار السن الذين يرغبون بالتخلص من حياتهم بمجرد السأم والملل أو الإحساس بعدم جدوى الحياة؛ حتى ولم لم يكونوا يعانون من أي مرض عضوي!!.
واقترحت "بورست إليرز" أن يقدم لهؤلاء المسنين إبرة قاتلة (أطلق عليها إبرة دريون) يمكنهم استخدامها بأنفسهم للتخلص من حياتهم إذا ما شعروا بالرغبة في الموت!.
والاقتراح الذي أطلقته الوزيرة أثار ضجة واسعة في الشارع الهولندي، فاقت ما أحدثته الموافقة على القتل الرحيم؛ إذ إن القتل هنا لا يشترط وجود مرض عضوي غير قابل للشفاء كما هو الحال في المبررات التي ساقها المؤيدون للقتل الرحيم؛ فشرط الموافقة على القتل هو أن يشعر المسن بالإحساس بالملل والسأم والرغبة في الموت، وهو ما يمكن أن يشعر به أي إنسان إذا ما واجهته بعض متاعب الحياة!.
وطوال الأيام القليلة الماضية كان حديث الشارع الهولندي كله هو القتل بإبرة دريون؛ حتى إن بعض الصحف قالت: إن هذه الفكرة أثارت حتى القلوب الجامدة.
واهتمت وسائل الإعلام الهولندية المختلفة باقتراح وزيرة الصحة، وأفردت البرامج التلفزيونية والإذاعية إضافة إلى الصحف مساحات واسعة لمناقشة الاقتراح، واستبيان آراء المؤسسات والأفراد حوله، وانتقل الأمر إلى البرلمان الهولندي، وتبنى إثارة القضية الحزب الديمقراطي المسيحي الذي سبق وتولى معارضة قانون القتل الرحيم؛ فصوت أعضاؤه الثلاثون ضد القانون في مقابل موافقة بقية أعضاء البرلمان الذي يتشكل من 150 (مائة وخمسين) عضوًا، وتقدم عضو بالحزب الديمقراطي المسيحي بطلب عقد جلسة عاجلة لمناقشة الوزيرة، وشهدت الجلسة الطارئة التي عقدها البرلمان الهولندي في نهاية إبريل الماضي مناقشات حادة وهجومًا ساخنًا على الوزيرة وصل إلى حد التقدم من قبل عدد من أعضاء المعارضة بطلب بحجب الثقة عنها.
وردت الوزيرة فيما يشبه التراجع بأن الأمر ما زال اقتراحًا للبحث والمناقشة ولم يصل بعد إلى أن يتحول إلى مشروع قانون، وأشارت إلى إمكانية دراسة الاقتراح، ووضع الضوابط الخاصة به، واقترحت على سبيل المثال أن يتم تشكيل لجنة طبية تدرس حالة المسن وتقرر إذا ما كان قد وصل إلى حالة من اليأس تستدعي أن يترك له الخيار في تحديد رغبته في الاستمرار بالحياة أو تسلم له "إبرة دريون" ليقرر مصيره بنفسه!.
ورغم قوة المعارضة التي قوبل بها اقتراح الوزيرة فإنها لم تتراجع كليًا عن فكرتها، وإن أكدت أنها ما زالت قابلة للنقاش، كما لم تنجح المعارضة في حجب الثقة عنها بعد رفض أغلبية أعضاء البرلمان طلب حجب الثقة.
وكان المشروع الذي تقدمت به وزارة الصحة بإصدار قانون القتل الرحيم قد وافق عليه مجلس النواب بالبرلمان الهولندي بأغلبية مائة وعشرين صوتًا في مقابل ثلاثين صوتًا فقط، ينتمي أصحابها إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، في حين صوتت الأحزاب الأخرى لمصلحة القانون، وكانت المفاجأة أن كل الأعضاء المسلمين بالبرلمان الهولندي صوتوا لمصلحة قانون القتل الرحيم، كما سبق وصوتوا لمصلحة أول قانون يبيح الزواج بين الشواذ، على الرغم من موقف معظم المؤسسات الإسلامية المعارض لهذين القانونيين.
إذ فضل "أسام الشاربي" من الحزب الليبرالي اليميني، وينحدر من أصول مغربية ومحمد الرباغ من حزب اليسار الأخضر وينحدر من أصول مغربية و"خديجة عارب" من حزب العمل اليساري وهي من أصول مغربية، و"منهات بيرك" من حزب العمل اليساري وتنحدر من أصول تركية، إضافة إلى عضوتين أخريين "فاطمة" تركية الأصل و"فرح" إيرانية الأصل ـ التصويت لمصلحة قانون القتل الرحيم وقانون زواج الشواذ التزامًا بمواقف أحزابهم المؤيدة للقانونيين على تبني موقف أبناء الجالية المسلمة التي ينتمون إليها.
وعلى الرغم من أن اقتراح "بورست اليرز" لم يلق التأييد اللازم في البرلمان الهولندي، وقوبل باعتراض شديد داخل البرلمان وخارجه؛ فإنه فتح الباب لمناقشة لم تنته بين أبناء الشعب الهولندي عما إذا كانت هولندا قد اختارت الموت مجالا لتسجيل السبق عالميًا، وابتكار أنواع جديدة منه كل يوم؟!.