الجالية المسلمة في هولندا ... بدايات متواضعة ومستقبل واعد
باحث مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تعد هولندا - أو الأراضي الوطيئة- التي تقع في أفصي الشمال الأوربي من المناطق الحضارية التي لا يعرف على وجه التحديد تاريخ الوجود الإسلامي بها والذي يرجع أن تكون بدايته المحتملة مع سقوط دولة الإسلام في الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي (1492م) واحتمال وصول مسلمين هاربين من محاكم التفتيش النصرانية التي نصبها الكاثوليك للمسلمين بعد سقوط دولتهم، ويذكر كتاب ( ناصر الدين علي القوم الكافرين وهو السيف الأشهر علي من كفر) والذي يعد أقدم مصدر تاريخي أرخ للعلاقات الإسلامية الهولندية ما يؤكد ذلك حيث يشير مؤلفه أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي ( كتبه سنة 1637) وهو من الموريسكيين الذين فروا من الأندلس وكان يلقب بأفوكاي تسترا علي أصله العربي المسلم ، يشير إلي سفارته لدي ملك هولندا نيابة عن السلطان زيدان سلطان المغرب لنقل عدد من المسلمين الأندلسيين الذين خلصهم الهولنديون من القراصنة الأسبان، ويذكر وجود بعض المسلمين الأتراك ، وبعض الكتب العربية وجدها حين وصل هولندا وهو ما يؤكد الوجود الإسلامي فيها في هذه الفترة.
ولكن الاهتمام الهولندي بالإسلام يعود إلى بداية القرن السابع عشر الميلادي مع تزايد الأهتمام بالشرق عموما والعالم الإسلامي بصفه خاصة حيث كانت مدينة ( لايدن ) العاصمة العلمية للبلاد أهم معقل للدراسات الاستشراقية في أوربا وكان ينظر إليها باعتبارها أهم خزينة للمخطوطات العربية الإسلامية ، وتأسس فيها أول جمعيات الدراسات الاستشراقية في أوربا وهي " الجمعية البتافية للفنون والعلوم " سنة 1778 م في حين يرجع تاريخ أول ترجمة المعاني لمقر أن الكريم إلى الهولندية لعام 1641م وقبلها وقبيل نهاية القرن السادس عشر بسنوات قليلة أنشأت في هولندا أول مطبعة عربية .
وقد زاد الأهتمام الهولندي بالإسلام بعد احتلالها لأندونيسيا -التي تعد أكبر دولة مسلمة من حيث تعداد السكان- سنة 1799م والتي أطلق عليها الهولنديون أسم ( الهند الهولندية ). وربما مثل المسلمون الأندونيسيون الذين هاجروا في هذا التوقيت إلى هولندا النواة الأولي للوجود الإسلامي فيها .
البداية الحقيقية
ولكن يؤرخ بنهاية الحرب العالمية الثانية وبداية حركة إعمار أوربا بعد الحرب بالبداية الحقيقية للجالية المسلمة في هولندا حيث فتحت عملية تعمير البلاد وإعادة بنائها بعد الدمار الواسع الذي خلفته الحرب الأبواب أمام هجرة واسعة للعمال والمزارعين المسلمين من تركيا ودول الشمال الأفريقي وخاصة المغرب التي تؤكد المصادر التاريخية التي أرخت للحرب العالمية الثانية وجود قوات مغربية شاركت في الحرب ضد جيش النازي الألماني وقد أقيم نصب تذكاري في العاصمة الثقافية لهولندا ( أمستردام) لعدد من الجنود المغاربة الذين قتلوا أثناء التصدي لقوات النازي .
تركيبة الجالية
وبسبب الهجرة الكثيفة ومعدلات النمو الكبيرة نسبياً بالمقارنة بمثيلتها الهولندية تضاعف تعدادالجالية المسلمة في نصف القرن الماضي عدة مرات فبلغ في نهاية الثمانيات (1989) 408 ألف نسمة ثم تضاعف العدد في عشر سنوات فقط حتي بلغ وفقا لاحصاءات الرسمية بنحو 800 ألف نسمة ترتفع بها التقديرات غير الرسمية إلى ما يقارب المليون.
ويحتل الإسلام الترتيب الثالث من حيث عدد أتباعه بنسبة 8% من تعداد السكان بعد الكاثوليكية (34%) والبروتستانتية (25%) ولكنه يقف وحده في المرتبة الأولي من حيث معدل الانتشار بين الهولنديين ويتوقع تقرير صدر عن المركز القومي للاحصاء في هولندا أنه وبحلول سنة 2020 سيصبح 80% من سكان المدن الكبري في هولندا تحت سن الثامنة عشرة من أصل مسلم كما رصد تقرير سابق عن المركز نفسه تحولا ديموغرافيا هائلاً في المدن الكبري الرئيسية مثل أمستردام ( العاصمة الثقافية ) وروتردام ( أكبر ميناء في العالم ) ولاهاى (العاصمة السياسية )؛ أصبح فيه المسلمون من أصول مغاربية وتركية يشكلون نسبة 80% من تعداد لااجانب المقيمين فيها .
ويمثل المسلمون أصل تركي أكبر تجمع في الجالية المسلمة ( نحو 350ألف ) ويليهم المغاربة ( 300 ألف) ثم المنحدرون من جنسيات أخري ( كإندونيسيا وسورينام والصومال والعراق وباكستان والهند..) ويعد المسلمون السورينام والاندونيسيين الأقرب والأكثر ارتباطا بالسكان الأصليين على المستوي الاجتماعي والثقافي نظرا للعلاقات التاريخية القديمة بين بلادهم والمملكة الهولندية .
المساجد والدورالمركزي
والظاهرة الإيجابية التي تلفت نظر المهتم بالشأن الإسلامي في هولندا هو عدد المساجد الكبير نسبياً إذا ماقورن بتعداد الجالية المسلمة وبحداثة عمرها الذي لا يتجاوز نصف القرن تقريبا ففي هولندا أكثر من 450 مسجدا، في العاصمة الثقافية أمستردام وحدها أكثر من أربعين مسجدا معظمها كبير في حجمه ومتعدد الأنشطة حيث يتجاوز المسجد هناك دوره كدار للعبادة ليتحول إلى مؤسسة اجتماعية وثقافية وسياسية بل واقتصادية أيضا ويلعب دورا في التنشئة الاجتماعية والتواصل بين الأجيال في تعليم اللغات الأصلية لأبناء الجالية وأحيانا في التعبئة السياسية إضافة إلى تلبية احتياجات الجالية الدينية .
وقد بدأت حركة بناء المساجد في هولندا متأخرة نسبيا عن بدء استقرار المسلمين بها نظرا لارتفاع أسعار المساكن وافتقاد الجالية لمؤسسات تعبأ جهودها وتحشد إمكاناتها ، وكان المسجد الكبير في مدينة أمستردام والذي تأسس سنة 1971 أول مسجد في هولندا وقام بتأسيسة عدد من المهاجرين على رأسهم الشيخ محمد الشروطي الرئيس الحالي لمجلس اتحاد المساجد المغاربية، ومنه انطلقت حركة بناء المساجد وامتدت إلى بقية المدن الأخري، ومن أشهر هذه المساجد آيا صوفيا والرحمة والتوحيد ( في أمستردام ) ، والنصر ومولانا ( في روتردام) والأخير هو أضخم وأكبر المساجد التي تأسست في السنوات الأخيرة ويتبع الجالية التركية التي صممته على الطراز العثماني وتحول إلى معلم وتحفة معمارية في ضاحية دلفس هافن التي تعد أكبر ضاحية في هولندا يسكنها المسلمون؛ حيث يزيد تعدادهم فيها عن 50% من تعداد السكان ومعظمهم من المغاربة والأتراك،وكان أول مسجد يفتح بعد أحداث 11 سبتمبر من 2001 وحضر الافتتاح عمدة المدينة .
الخلافات والفرقة
وتعاني المساجد في هولندا من مشكلة التقسيم على أسس عرقية ولغوية وأحيانا مذهبية فهناك مساجد مخصصة لكل مجموعة من أبناء الجالية المسلمة ، فيجد الزائر مساجد خاصة بالأتراك وأخري بالمغاربة وثالثة بالبنغال ورابعة بالسورينام .. وهكذا وكل مسجد أشبه بجزيرة منغرلة عن الأخرين ، وعلى الرغم من وجود اتحاد للمساجد المغربية وأخر للمساجد الأتراك إلا أنها تفتقد في علاقاتها الحد الأدنى من التنسيق والتواصل، ويصبح مشهدا مألوفا أن يتردد أنباء كل عرقية على مسجدهم حتي لو كان في أقصي المدينة دون الانفتاح على مساجد العرقيات الأخري القريبة منهم فيما يشبه ( الجيتو) المغلق على أصحابه، وربما كان ذلك مقبولاً في الجيل الأول من المهاجرين الذي ظل مرتبطا بوطنه الأصلي وحيث كانت العلاقات تقوم على أسس عرقية غالبا وكان تأسيس المساجد على هذا الأساس تفرضه ضرورة اللغة والخوف على الهوية، لكن المشكلة أنها امتدت لأنباء الجيل الثاني والثالث الذين ولدوا ونشأوا في هولندا وكان من المفترض أن يكون الدين العنصر الأول في علاقاتهم لكن ظل الأنتماء العرقي واللغوي الأصلي هو الفاعل الأول . وقدزادت المشكلة تعقيدا مع تقسيم المساجد وفق الأ نتماءات الفكرية والفقهية والمذهبية وهوما ساعد على إزكاء روح التشرذم بين أنباء بحالية التي تفتقد في مجملها إلى وحدة فكرية تجمعها .
الزحف الشيعي
وكان لافتا أن هذه الأجواء سمحت بتغلل تيارات فكرية ومذهبية في أوساط الجالية، خاصة بين الشباب بسبب حالة السيولة الفكرية التي تعانيها فكانت المفارقة انتشار ظاهرة " التشيع " في أوساط الشباب المسلم السني في هولندا وبلجيكا أيضا على الرغم من أن الغالبية العظمي منهم ينحدر من أصول مغربية غالبا أو تركية أحيانا وكل من المغرب وتركيا يدين كل أهلها تقريبا بالذهب السني ولم يكن للشيعة أي وجود فيهما باستثناء الدولة الفاطمية في المغرب والتي انتهت تماما منذ عدة قرون؛ في حين كانت تركيا معقل الخلافة الإسلامية أكثر الدول الإسلامية عداءا مع الشيعة منذ الصراع بين العثمانيين والدولة الصفوية الشيعية في فارس، ويرجع مراقبون نمو ظاهرة التشيع بين شباب الجالية المسلمة في هولندا وبلجيكا على وجه الخصوص بقوة الدعم المالي والديني الذي تقدمة إيران لمجموعات شيعية فاعلة في شمال أوربا إلى حد إرسال شيوخ الحوزات العلمية للعيش والاستقرار بهذه البلاد لنشر الدعوة الشيعية بين الجاليات المسلمة فيها، وللشيعة ثلاثة مساجد في هولندا أهمها مسجد " فاطمة الزهراء " ولهم عدة مكتبات ودور نشر تباع الكتب والمراجع الشيعية وتوزع مجلة ( آل البيت ) على التجمعات الطلابية والشبابية للجالية المسلمة .
التقسيمات السياسية
ويعمق الخلافات الفكرية والفقهية والمذهبية في الجالية سعي المؤسسات والتنظيمات الإسلامية الرسمية وغير الرسمية في البلاد الأصلية التي ينحدر منها أنباء الجالية ( مثل تركيا والمغرب ) إلى مد فروع لها في البلاد المهجر والاحتفاظ بتأثيرها الفكري والديني والسياسي أيضا بين أنبائها المهاجرين لذلك أسست رئاسة الشئون الدينية التركية التابعة للحكومة التركية فرعا لها باسم ( الاتحاد الثقافي الإسلامي التركي ) يشرف على عدد من المساجد الهامة في هولندا، وكذلك الحال بالنسبة للتنظيمات الإسلامية مثل ( مللى جورش ) التي تمثل الجناح للأوربي لحزب الرفاه التركي وجماعة ( النور ) أتباع بديع الزمان سعيد النورسي وجماعة ( السليمانية ) ، والشيء نفسه بالنسبة لوزارة الأوقاف المغربية وغيرها مت المؤسسات الدينية الأخرى حيث تحاول كل تنظيم أو مؤسسة مد فروعه بين أبناء الجالية بما يحول دون اندماج الجالية وتوحدها حيث تخضع لتقسيمات هذه التنظيمات والمؤسسات وتوزع وفق انتماءاتها الفكرية والمذهبية والسياسية ايضا .
صراعات جيلية
وتعاني المساجد أيضا من أزمة انفصال بين الأجيال تتمثل في عجز أبناء الجيلين الثاني والثالث المندمجين تماما في المجتمع الهولندي عن التواصل مع دروس ومحاضرات وكل فاعليات المسجد بما فيها خطبة الجمعة التي مازالت تؤدي – باستثناء مقدمة بسيطة بالعربية – باللغة الأصلية للجالية صاحبة المسجد وهو ما يصر عليه أبناء الجيل الأول الأقل اندماجا في المجتمع الجديد والأكثر ارتباطا بجذوره وأوطانه الأصلية وهو ما دفع بالبعض إلى دعوة المجامع الفقهية لبحث مشروعية أداء الخطبة كاملة باللغة الهولندية لضمان تواصل الأجيال الجديدة معها في ظل انقطاع هذه الأجيال عن لغاتها الأصلية بما فيه العربية.
وقد واجهت المساجد الهولندية حملة شرسة بعد انفجارات 11 سبتمبر وبدء الحرب على ما سمي بظاهرة الإرهاب التي ألصقت بالتنظيمات الإسلامية ففرضت الأجهزة الأمنية ولأول مرة رقابة على الخطب والدروس ومواقع الأنترنت الخاصة بهذه المساجد وحظرت كل ما اعتبرته تشجيعا على العنف أو إساءة اليهود والدولة العبرية كما شددت إجراءات الرقابة المالية والإدارية على كل مؤسسات المساجد في البلاد? خاصة بعد حملات إعلامية عنيفة قامت بها صحف وقنوات تلفزيونية قريبة الصلة بالدوائر الصهيونية ضد أئمة المساجد الذين اتهمت عددا منهم بنشر ثقافة العنف والإرهاب والمسئولية عن تأخر اندماج الجالية المسلمة في المجتمع الهولندي .
المدارس والجامعات
ونظرا للفصل الحاد بين الدين والدولة الذي أقره الدستور الهولندي سنة 1982 والذي يمنع بمقتضاه تقديم الإعانات أو المساعدات على أساس ديني فقد نشطت تجمعات الجالية المسلمة في المجال الاجتماعي وتأسست عدة مؤسسات إسلامية في هذا المجال خاصة وأن هولندا- على الأقل ما قبل أحداث 11 سبتمبر- كانت أكثر دول أوربا انفتاحا وتمتعت بروح من التسامح والقبول بالتعددية الدينية والثقافية والعرقية والتي كانت الجالية المسلمة الأكثر استفادة منها فتأسست في عقدي الثمانينيات والتسعينيات شبكة من المنظمات الاجتماعية والمؤسسات التعليمية والخدمية الموجهة أبناء الجالية، وكان من أهم ما حققته الجالية في هذا المجال تأسيس عدد من المدارس الإسلامية للحفاظ على هوية ابناء الجليتين الثاني والثالث وقد بلغ عدد المدارس الرسمية 36 مدرسة في أنحاء البلاد تدرس فيها مناهج التعليم الهولندية بجانب المناهج الأسلامية ،إضافة إلى عدد أخر من المدارس الأهلية أسستها منظمات إسلامية لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية ولكنها لا تخضع للإشراف الحكومي وغير معترف بها وتعد مدارس ( النور ) التابعة لجماعة النورسيين المدارس ( القرآنية ) التابعة للسليمانية نموذجا لهذه المدارس . وقد نجحت الجالية مؤخرا في تأسيس أول مدرستين ثانويتين رسميتين الأولي في أمستردام والثانية في روتردام ولكن جهود الجالية تعرضت لانتكاسة بعد 11 سبتمبر عقب صدور تقارير أمنية توصي بوضع هذه المدارس تحت الإشراف المباشر للدولة ووقف الترخيص للمدارس الإسلامية الرسمية والأهلية .
ويوجد في هولندا جامعتان إسلاميتان عند عدد من المعاهد الإسلامية الخاصة مثل معهد الأئمة الهولندية وتأسست الجامعة الأولي ( روتردام الإسلامية ) سنة 1998 وتسيطر جماعة النورسيين التركية على إدارتها في حين أسس الثانية ( أوربا الإسلامية ) سنة 2001 مجموعة من الشخصيات الإسلامية من كل العرقيات الإسلامية، ولم تحصل الجامعتان على الاعتراف الرسمي من الحكومة الهولندية بعد ومازالتا تعتمدان على الدعم الأهلي فقط . وتعاني الجامعتان ضعفا على المستوى الأكاديمي والإداري سببه حداثة التجربة وضعف تمويلها وصعوبة استقدام أساتذة وعلماء مسلمين من الخارج خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر التي دفعت الحكومة للتشدد في شروط استقدام دعاة وأساتذة علوم إسلامية من بلاد بعينها اتهمت بأنها مصدر الفكر المتشدد والعنيف وعلى رأسها السعودية ومصر والمغرب، ولكن ما يميز الجامعتان مناهجها ومقرارتها التعليمية التي تتوافق مع مذهب اهل السنة والجماعة وتتشابه إلى حد كبير مع مثيلاتها في الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي وخاصة الأزهر الشريف في مصر، وتمثل الجامعتان رصيدا للجالية المسلمة في مواجهة مراكز الاستشراق وأقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الهولندية ( مثل لايدن وأمستردام ) التي تحولت إلى مراكز لنشر الأفكار والآراء الإسلامية المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة عبر استضافة رموز اليسار الإسلامي ومن يسمون بالمعتزلة الجدد مثل نصر حامد أبوزيد ومحمد أركون وجمال البنا وحسن حنفي .. إلخ
البث الإذاعي والتلفزيوني
و كان من مميزات القوانين الهولندية أنها تعطي حق البث الأذاعي لأي مجموعة وفق شروط مالية وادارية متساهلة وهو ما أتاح للجالية فرصة البث الإذاعي الحر عبر الإذاعة الإسلامية التي تأسست سنة 1980 ثم أصبح من حقها أن تبث بعض البرامج الإسلامية من خلال التلفزة الحكومية لمدة ساعتين أسبوعيا كما أسست بعض المجموعات المغربية إذاعات خاصة بها مثل أطلس ،والمهاجرين ، ... إضافة إلى إذاعات خاصة باللغة التركية موجهة لأبناء الجالية التركيةا
وقد تعرضت المؤسسات الإسلامية هجمة شديدة من أجهزة الأمن ووسائل الإعلام بعد 11 سبتمبر واتهم عدد من هذه المؤسسات العاملة في المجال الاجتماعي ومجال الإغاثة بدعمها جماعات وتنظيمات إسلامية متهمة – أمريكيا – بالإرهاب ومن أهم هذه المؤسسات مؤسسة الحرمين الخيرية، ومؤسسة الأقصى ، وفرع الندوة العالمية للشباب الإسلامي في هولندا . وتعرضت بعض هذه المؤسسات إلى تجميد أرصدتها المالية ولوحقت قانونيا وفرضت على أعضائها رقابة مشددة .
ورغم الثقل الديموغرافي الكبير الذي تمثله الجالية المسلمة الإ أن دورها وأداءها السياسي يعاني قصورا شديدا ولا يتناسب مع هذا الثقل خاصة إذا ما قورن بجاليات أخري أقل منها بكثير مثلما هو الحال مع الجالية الهودية التي لا يتجاوز تعدادها 25 ألف نسمة لكنها تتمتع بنفوذ وثقل كبيرين على المستوى السياسي والمستويات الأخري حتى أن منصب العمدة لمدينة كبري كأمستردام ظل حكرا على اليهود منذ نهاية الحرب العالمية الثامنية وإلى الأن وتمكن اللوبي الصهيوني القوي من فرض أفكاره وأرائه على السياسة الداخلية والخارجية لهولندا خاصة فيما يتصل بالصراع العربي الصهيوني في فلسطين الذي تنحاز فيها هولندا كاملة مع إسرائيل كما استطاع هذا اللوبي إسكات كل الأصوات المتعاطفة مع الحق الفلسطيني ومحاصرتها إعلاميا وقانونيا وكان آخرها زوجة رئيس بنك الأتحاد الأوربي التي عبرت عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني برفع العلم الفلسطيني في شرفة منزلها فشنت أجهزة الإعلام والداوائر القانونية المرتبطة باللوبي الصهيوني حملة عنيفة ضدها وزوجها انتهت بتراجعها عن موقفها في ظل عجز المؤسسات الإسلامية عن حمايتها وتعضيد موقفها .
لعبة السياسة
وتفتقد الجالية المسلمة لتمثيل رسمي معترف به أمام الحكومة الهولندية كما هو الحال في الديانات الأخري بما يضعف من موقفها ويزيد من حالة التشرذم والانقسام .
ورغم وجود حزبين من المفترض أن يمثلا الجالية المسلمة( وهما الحزب الإسلامي والحزب العربي الديمقراطي) الإ أنهما بعانيان ضعفا شديدا بسبب الصراعات والمصالح الشخصية بما جعلهما من أضعف الأحزاب السياسية في البلاد حتى أنهما لم يحصلا على مقعد واحد في انتخابات البلديات الهولندية التي أجريت في مارس الماضي (2002) والتي فاز فيها ثلاثة عشر مسلما منهم ثلاث سيدات في مجالس بلديات مدينتي أمستردام وروتردام .
ورغم نجاح سبعة من المسلمين ( منهم خمس سيدات) في الفوز في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو الماضي 2002 والحصول على سبعة من مقاعد البرلمان التي يبلغ عددها 1590 مقعدا إلا أن هذا العدد – رغم ضعفه مقارنة بحجم الجالية – لا يعبر عن قوة حقيقية للجالية على مستوي التنظيم والأداء السياسي فالأعضاء السبعة موزعون على معظم الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد ( مثل اليسار الأخضر والحزب الاشتراكي وحزب النداء الديمقراطي المسيحي بل وحزب "هو لندا ملائمة للعيش" اليميني المعادي للأجانب وخاصة المسلمين والذي لقي زعميه المتطرف بيم فورتاون مصرعة قبل الانتخابات مباشرة وكانت المفارقة أن تفوز ( فيروز زوال) ذات الأصول المغربية على قوائم الحزب الذي يتبني سياسة معادية للعرب والمسلمين. ورغم أنه من المفترض أن يمثل النواب المسلمون في البرلمان رؤية الجالية المسلمة ومطالبها إلا أن الحاصل أن هناك انفصالا تاما بين هؤولاء النواب ومعظم أعضاء النخبة السياسية المسلمة وبين الجالية المسلمة التي لا ينظر أبناؤها إلى هؤلاء السياسيين كممثلين حقيقيين لهم في البرلمان، ? وقد ظهر ذلك جلياً في موقف هؤلاء النواب من قانوني زواج الشواذ والقتل الرحيم ( قتل الميئوس من شفائهم ) ? حيث صوت كل الأعضاء المسلمين في البرلمان السابق بالموافقة على هذين القانونين المخالفين صراحة للإسلام ولم يعترض سوي نائبين مسلمين التزاما بموقف حزبهما ( حزب النداء الديمقراطي المسيحي) الذي عارض القانونين !! وفي الجلسات التي عقدها البرلمان الهولندي لمناقشة موقف البلاد من أحداث 11 سبتمبر وقف نائب مسلم من الحزب الليبرالي الحر يهاجم الجالية المسلمة ويدعو إلى ترحيل المسلمين غير المندمجين في المجتمع الهولندي إلى الصحراء التي جاءوا منها!!
المستقبل قد يكون أفضل
ولكن رغم هذا التعثر وتزايد المأزق الذي تعيشه الجالية المسلمة في هولندا بعد أحداث 11 سبتمبر بشكل خاص إلا أن مؤهلات النهوض و مؤشراته تبدو قوية في ظل تنامي ديموغرافي مستمر يؤكد أن الخارطة الهولندية سيزحف عليها اللون الأخضر ،وفي ظل حالة من الوعي بالتحدي الذي تعيشه الجالية، والرغبة الأكيدة في التوحد ظهرت في الاجتماعات واللقاءات المستمرة طوال الشهور الماضية بين قيادات الجالية للاتفاق علي مجلس موحد لتمثيل المسلمين رسميا والتصدي لما يتعرض له أبناؤها.
نشرت هذه المقالة عام 2004؛ في ذكري مرور أربعة قرون علي أول دخول للإسلام في هولندا.