عولمة الشذوذ وتمكين "الشواذ"!
كاتب وصحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قبل فترة ألقت الشرطة المصرية القبض على شبكة لتجارة الجنس تضم اثنا عشر ذكرا من الشواذ جنسيا، وبمجرد تحويلهم للتحقيق أمر قاضي التحقيقات بالكشف الطبي عليهم (وفق ما يسمح به القانون المصري من جواز التفتيش الوقائي للمتهم) فأثبتت الفحوص الطبية إصابة أربعة منهم بفيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز!..
على الفور أمرت النيابة بالتحفظ الطبي على الشواذ الأربعة (ربما لأن فهمها لمرض الإيدز مرتبط بالحجر الطبي)، فتم إيداعهم في مستشفي حميات العباسية (وهي الجهة التي تتعامل تقليديا مع حالات الإصابة بالإيدز)، ولكن لما لم تكن هذه المستشفي ولا غيرها مؤهلة للتحفظ على متهمين قيد التحقيق فقد أقدمت أجهزة الشرطة (في خطأ قانوني لا يغتفر) على تقييد المتهمين الشواذ بالقيود الحديدية منعا لإقدامهم على الهرب ولحين انتهاء التحقيق.
الدفاع عن شذوذ الإنسان!
كان يمكن أن يمر الحادث بشكل طبيعي لولا أن المنظمات الحقوقية الدولية قامت قيامتها ولم تقعد ضد مصر وخاصة وزارتي الداخلية والصحة، وتزعمت الحملة ضد مصر منظمة العفو الدولية إضافة إلى مئات المنظمات التي يغلب عليها أنها تعمل في "حرفة" الدفاع عن حقوق الإنسان، ووقعت 117 منظمة منها بيانا ضد ما اعتبرته حملة قمع على الأشخاص المصابين بالإيدز!.
كتب سكوت لونج في موقع منظمة (هيومان رايتس ووتش) يصرخ: لا تجرموا مرضى الإيدز، واتهم مصر بأنها تسجن هؤلاء المرضى! وبدأت حملة التضامن والتوقيعات من أنحاء العالم المتحضر والتي وصلت –كما علمت– إلى حد التهديد بقطع كل الدعم الدولي المقدم لمصر في مجال التصدي لمرض الإيدز!.
ودخل عدد من الصحفيين والحقوقيين المصريين على الخط، فتعاطفوا مع ما جرى وشاركوا في الحملة ضد وزارة الداخلية ووزارة الصحة دفاعا عن مرضى الإيدز الذين يسجنون ويقيدون بالقيود الحديدية في المستشفيات لا لشيء إلا أنهم مرضى!، لم يكلف هؤلاء أنفسهم عناء البحث في الواقعة، وإذا كان النظام يعتقل الإخوان المسلمين وأعضاء حركة كفاية، فليس مستبعدا أن يعتقل مرضي الإيدز خصوصا إذا كانوا شواذا!.
أجندة شاذة
أهمية ما جرى تكمن في أنه يكشف عن الطريقة التي يشتغل بها اللوبي الدولي للشواذ، لتنزيل أفكاره ودعم أجندته في بلد كمصر يقف في صدارة الدول التي تكافح محاولة عولمة منظومة القيم والأخلاق الغربية، وفرضها قسرا وعبر المنظمات والاتفاقيات الدولية على دول الجنوب وخاصة الشرق والعالم الإسلامي.
لست بصدد الدفاع عن الموقف الرسمي المصري، ولم يسبق لي يوما أن كتبت كلمة واحدة دفاعا عن مسئول، غير أن خطورة ما جرى من لوبي الشواذ المدعوم دوليا، وتواطؤ البعض خاصة وكلاء "سبوبة" حقوق الإنسان، ثم التباس الأمر على البعض الآخر يحتم القول إن الحملة لا صلة لها لا بتجاوزات الداخلية والهيئات الرسمية (وهي أكثر من أن تعد وتحصى) ولا حتى بقضية مرضى الإيدز وطريقة التعامل معهم، (وهي تدعو للأسف والرثاء)، وأن الأمر كله كان اقتناصا للحظة مواتية لفرض أجندة الشواذ ومنطقهم، استغلالا لأخطاء وإجراءات الجهات الإدارية في قضية (مرضى الإيدز) تحظى منا تقليديا بسوء فهم وعالميا بتعاطف واسع.
يقابل مرض الإيدز ومرضاه بالتباس وسوء فهم يدعوان للأسى بل والخجل، فمريض الإيدز في ثقافتنا مدان في كل الأحوال ولو لم يكن له ذنب في إصابته بالمرض، وهو يحمل وصمة عار أبدية لا يمكنه التخلص منها إلا بالكتمان أو الموت. وقد انعكس ذلك فعلا ليس على جمهور الناس فحسب، بل وعلى جهاز الدولة الذي كان تعامله مع مرضى الإيدز في هذه القضية وليد هذه الثقافة.
لكن رغم ذلك فلم يكن لتعامل المنظمات "الحقوقية" الدولية مع الأمر صلة مطلقا بالإيدز ومرضاه، وما يمكن أن يكونوا قد تعرضوا له من اعتداء أو انتهاك بقدر ما هو استغلال لأخطاء الجهاز الإداري للدولة في التعامل مع قضية ملتبسة كما قلنا، بحيث كانت الحملة كلها للشواذ وليس لمرضى الإيدز!.
مكر حقوقي
لم يكن ممكنا في ظل مجتمع متدين ومحافظ كالمجتمع المصري أن يتبني أحد قضية الشواذ مباشرة، وإن أقدم على ذلك كما فعل بعض "غلمان" الجيل الجديد لوكلاء حقوق الإنسان فلن يجد إلا مقاومة ورفضا من الناس؛ ومن ثم فلم يكن أفضل من التستر وراء الدفاع عن مرضى الإيدز، إذ ما كان ممكنا أن تخرج هذه المنظمات لتتكلم عن محاكمة هؤلاء بتهمة الشذوذ الجنسي والدعارة به، فكان أن اختارت مرض الإيدز ستارا للقصف!
أقول هذا لأننا لم نسمع لمنظمات حقوق الإنسان ووكلاء "دكاكين" حقوق الإنسان صوتا يوم أن انتهك حق مرضى الإيدز في العلاج والرعاية الطبية في أكثر من واقعة ومؤسسة طبية في مصر، رفض فيها الأطباء مجرد علاج هؤلاء المرضى حتى أن إحدى هذه المؤسسات ألقت بأحد مرضاها في الشارع –بسريره!- ورفضت علاجه لما اكتشفت مصادفة إصابته بالإيدز!.
كما أننا لم نسمع لهم صوتا يوم قيدت الشرطة المتهمين المصابين في إضراب 6 أبريل من أهالي المحلة بالقيود الحديدية في أسرة المستشفى، ونشرت الصحف صورهم مصابين ومجروحين ومقيدين بأصفاد الحديد.
ثم تأتي منظمات حقوق الإنسان هذه المرة فتقيم الدنيا ولا تقعدها بسبب تقييد هؤلاء المتهمين فتتكتم على كونهم "شواذا"، وترفع قميص مرضى الإيدز في حين أن هؤلاء المساكين هم أول ضحايا هذه الحملة وأكثر الخاسرين منها، إذ يتأكد الربط الذهني والثقافي بين المرض وبين الشذوذ الجنسي في حين أن أغلبهم مصاب في عمليات نقل دم!.
وسكوت لونج الذي قاد الحملة في منظمة هيومان رايتس ووتش هو وفق تعريفه (مسئول حماية المثليين ومتحولي الجنس وعابري الأجناس)!، ولم يكن في صلب اهتمامه قضية مرضى الإيدز!، وما تحرك لكونهم مرضى انتهكت حقوقهم وإنما لكونهم "شواذا".
والذي قاد الحملة محليا ممثل عن المنظمة الدولية هو مركز صغير أسسه شاب مصري لغرض الدفاع عن الشواذ باعتبار أن الشذوذ الجنسي هو جزء من "السمات الشخصية" للإنسان، ومن ضمن حقوقه التي يجب الدفاع عنها، وكان أول ظهور له في قضية شواذ مدينة البحيرة الذين تم ضبطهم في شبكة دعارة!.
كل هذا جرى التعتيم عليه لتبدو القضية قضية حقوق مرضى الإيدز وليس حقوق الشواذ، ليس في الشذوذ فقط بل في الدعارة وبيع الجسد (أو الجنس التجاري بالتعبير الحقوقي المراوغ والماكر!).
للشواذ حقوق خاصة..!
إن هذه الحملة مثال لفهم ميكانيزمات عمل المنظمات الدولية لفرض أجندتها وتصوراتها في مسائل الشذوذ والمرأة والطفل والأسرة على مجتمعات محافظة أو متدينة، ولديها ممانعة ومعارضة لهذه التوجهات الإباحية.
هناك لوبي "إباحي" دولي يتحرك لفرض فلسفته الإباحية على العالم عبر المنظمات الدولية التي نجح في أن يسيطر أفراده على عدد منها، حتى صار معروفا أن قيادات هذه المنظمات إما نسويات أو سود أو شواذ!، ومن خلالها صاروا يفرضون وبقوة مطالبهم ومنها الدفاع عن الحق في الشذوذ (يطلقون عليه المثلية الجنسية) وإباحة الدعارة (أو الجنس التجاري).
وقد نجح هذا اللوبي في فرض نفسه حتى على المناهج العلمية، فاضطرت بعض الجامعات لتغيير مناهج الطب النفسي بحيث لم يعد تعريف الشذوذ الجنسي باعتباره انحرافًا جنسيًّا مكتسبًا، بل صار ينظر إليه كسمة طبيعية في الفرد لا دخل له فيها، ومن ثم أصبح التعريف (مثلية جنسية) وليس (شذوذا جنسيا)، بل واستطاع لوبي "الشواذ" أن يطرح مطلب حماية حقوق ما يسمي بـ"الأقليات الجنسية" التي يتساوى فيها أصحاب الميول الجنسية الشاذة مع الأقليات الدينية والعرقية، كأقليات لها حقوق معترف بها دوليا من الأمم المتحدة، ويتوقع أن يصدر إعلان للأمم المتحدة عام 2010 يكون ملزما لكل الدول الأعضاء في قضايا العلاقات الجنسية والنوع الاجتماعي (الجندر).
إن رفضنا للشذوذ الجنسي من منطلق تحريم الدين له لا يؤسس للقول بتجريد "الشواذ" من حقوقهم الإنسانية الطبيعية التي يتساوون فيها مع بقية الناس، غير أن الخطر الذي ينبغي التصدي له وبكل حسم هو ما نراه من سعي حثيث لعولمة تصور غربي ما عن حقوق الإنسان، يتجاوز قاعدة المساواة في الحقوق الطبيعية إلى القول بتأسيس حقوق خاصة للشواذ ضد قيم المجتمعات غير الغربية وما استقر فيها من تعاليم وأخلاق.