الإعجاز العلمي خطيئة المنهج وخطايا التطبيق : حوار مع الدكتور زغلول النجار
صحفي وباحث مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
حين انتهيت من تحرير هذا الحوار ومراجعته أكثر من مرة كنت قد فقدت ما تبقي لدي من شك – وكان قليلا جدا – في أن قضية الإعجاز العلمي ليست سوي أكذوبة أو علي الأقل فضيحة معرفية تعبر عما انتهت إليه الحال في عالمنا الإسلامي بكل أسف، كانت كل الشواهد والقراءات النقدية تؤكد لي أن هناك خللا منهجيا فادحا في البناء المعرفي للإعجاز العلمي؛ من فتنة بالعلم حد الإيمان به كمطلق ونهائي ويقين لا يجوز بحقه الشك ولا حق في انتقاده ومراجعته، ومن ولع وتأثر مستتر بالحداثة الغربية المادية حتي لو انتقدها دعاة الإعجاز وتبرأوا منها، ومن خلط بين كلام الله المقدس المطلق الثبوتي وبين أفهام واجتهادات وعلم البشر فيما يشبه فتنة خلق القرآن الكريم.
كان ذلك واضحا لدي من زمن لكن منعني من الكتابة عنه فتنة الناس التي لاذت بالإعجاز فرارا من إحساس رهيب بالفشل والتراجع الحضاري، وبعض من شك في أن لدي القوم – دعاة الإعجاز – من المبررات مالم يرزقني الله فهمه بعد.
وكان الأشد وطأة علي نفسي من خطيئة المنهج – وفيها الكفاية – خطايا التطبيق الذي وقع أصحابه – كثيرا – في التدليس حد الكذب!
وحين التقيت مصادفة بالدكتور زغلول النجار- الذي صار علما علي قضية الإعجاز العلمي- كانت فرصة لأقطع الشك باليقين واختبر كل مالدي من مؤاخذات وانتقادات علي قضية الإعجاز العلمي منهجا وتطبيقا، وأشهد أن الرجل كان كريما بأكثر ما كنت أتوقع! فمنحني يقينا لا يتطرق إليه شك بأنني أمام فتنة لا تقل خطرا عن فتنة خلق القرآن، وأشهد للرجل أنه لم يترك لي شكا في صواب منهجه إلا حوله يقينا في أنه علي خطأ مع سبق الإصرار!
وما يلي هو نص الحوار الذي دار بيننا، وقد آثرت أن أنقله بدقة ومن دون أي تحسينات ولن أعقب عليه إلا فيما يخص دقة المعلومات ، وسأكتفي فقط بوضع خطوط تحت ما يستحق النقاش في فتنة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:
** كثر الجدل في قضية العلاقة بين العلم والدين، وأنتم تفرقون بين "الاعجاز العلمى" وبين " التفسير العلمى"؟ فما الفارق وما فلسفتك في هذا التمييز؟
* التفسير العلمى للقرآن الكريم هو محاولة بشرية لفهم دلالة الآيات الكونية فى كتاب الله وهى ايات تمثل ثلث القرآن الكريم فى أكثر من ألف آية قرآنية كريمة ، وقلت أن هذه الايات لا يمكن أن تفهم فهما صحيحا فى إطار اللغة وحدها.. نعم القرآن الكريم نزل بلغة عربية ولكن اللغة وحدها لا يمكن أن تعطى للانسان القدرة على أن يفهم دلالات الآيات الكونية لأن الآيات الكونية تتحدث عن أشياء وظواهر كونية لا يمكن أن تفهم إلا فى إطار ما حققه العلم من انجازات فى فهم هذه الظواهر .
إذن فالتفسير العلمى محاولة بشرية لحسن فهم دلالة الآية الكونية، ونحن نحرص فى التفسير العلمي على أن نوظف كل الحقائق العلمية المتاحة، لكن بما أن العلم لم يصل لكل الحقيقة في كل أمر من الأمور تبقى قضايا كثيرة عند حدود الظن ويقف فيها العلم عند حدود النظرية أو الفرض، فإذا لم يصل العلم إلي الحقيقة في قضية من القضايا التي تتعرض لها الآيات فأنا لا أرى ضيرا أبدا فى توظيف النظرية السائدة أو الفرضية السائدة حتى أفهم دلالة الآية، وإذا ثبت بعد ذلك أن النظرية كانت خاطئة فلا يمس هذا من جلال القرآن الكريم أو ينال منه فى شئ، لأن التفسير عمل بشرى يصيب فيه الفرد وقد يخطئ.
اما الإعجاز العلمى فهو موقف تحد نتحدي به الناس كافة؛ مسلمين وغير مسلمين ، بأن كتابا نزل قبل أربعة عشر قرنا على نبى أمى- صلى الله عليه وسلم- فى أمة كانت غالبيتها أميين، وهذا الكتاب يحوى حقيقة كونية لم يصل اليها علم الانسان إلا منذ سنين قليلة، ولم يكن لعقل أن يتخيل مصدرا لهذه الحقيقة الكونية فى هذا الزمن السحيق إلا الله الخالق سبحانه وتعالى.
لذلك أقول أنه لا يجوز لنا الإعجاز العلمى أن نوظف النظريات والفرضيات بل لابد من توظيف الحقائق العلمية الثابتة القاطعة التي لا رجعة فيها، إلا فى حالة واحدة وهى حالة الايات التى تتحدث عن الخلق بابعاده الثلاثة ( الكون، الانسان ، الحياة ) لأن الخلق عملية غيبية غيبة مطلقة لم يشهدها أحد من الإنس أو الجن، ولأنها لا تقع تحت إدراك الانسان فلا يمكن أن يصل فيها بالعلم الكسبي إلى حقيقة أبدا، وهذه الأبعاد الثلاثة يدور فيها الانسان فى مدار النظرية والفرض، وتختلف هذه الفروض والنظريات باختلاف مفسرها وواضعها؛ هل هو مؤمن أم كافر، موحد أم مشرك ، جاد أم هازل ، سعيد أم شقى، وكل هذا يظهر فى صياغة النظرية والفرضية.
ويبقى للمسلمين نور من الله سبحانه وتعالى فى آية قرآنية أو فى حديث شريف ما يعيننا علي أن نرجح نظرية ونرتقى بها إلى مقام الحقيقة ، لا لأن العلم الكسبي قد أثبت علميا أنها حقيقة ولكن لظهورها فى كتاب الله او سنة رسوله؛ لأن الله هو خالق الكون وأدري بصنعته من كل من سواه.
** هل يمكن أن تقدم لنا نماذج أو أمثلة توضح هذا التمييز؟
* مثلا يقول الله عزوجل "والارض ذات الصدع"، وفي تفسيرها قال الأقدمون هو انصداعها عن النبات وهذا صحيح حيث نضع البذرة في الأرض ونرويها فتنتفش التربة – بإذن الله وما أودعها من خصائص-وتزيد في الحجم وترتفع لأعلي وترق حتي تنشق تفسح الطريق للنبتة الجديدة الطرية المنبثقة من البذرة، ولكن بعد الحرب العالمية نزل العلماء الي قيعان البحار والمحيطات فوجدوا أن قيعان الأرض متصدعة بشبكة كبيرة من الصدوع تترواح أعماقها من 64 إلي 150 كيلو متر وتحيط إحاطة كاملة بالأرض...وهذا بعد جديد للتفسير لم يكن معروفا زمن الوحي والتفسير قابل للتغير مع الزمن.
أما الإعجاز العلمي فنجده مثلا في قوله تعالي " والبحر المسجور " ، والمسجور هو المتقد نارا، ثم يأتي العلم الآن ليثبت أن كل قيعان البحار والمحيطات مسجرة تسجيرا خفيا بالنيران.
ومن ناحية الارتقاء بنظرية من النظريات وجعلها حقيقة علمية نجد قوله تعالي " أولم يروا أن السموات والأرض كانت رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي" وهو ما نجده في نظرية تفسير نشأة الكون بالانفجار العظيم، وهو ما يرتفع بهذه النظرية إلي مصاف الحقيقة.
** ما طرحته يثير إشكالية يجب التوقف أمامها؛ فما هي "الحقيقة العلمية" وما تعريفك لها؟ وكيف يمكنك وضعها بإزاء " الحقيقة القرآنية"؟ وكيف تفرق بين "الحقيقة العلمية" و"الحقيقة القرآنية"؟
* كثيرا ما يخلط الناس بين قضايا كثيرة.. القرآن الكريم ليس كتاب علم أو هندسة أو طب أو فلك، ولكنه كتاب هداية من الله للانسان في القضايا التى لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها أى ضوابط؛ مثل قضايا العقيدة وكلها غيب، وقضايا العبادة وكلها أوامر، وقضايا الاخلاق والمعاملات وكلها سلوكيات ، وهذه هى رسالة القرآن الأساسية.
أما ما جاء فى القرآن غير ذلك؛ من إشارات كونية أو ذكر للأمم السابقة .. ، كل هذه نماذج تاتى لتأكيد الفكرة الأساسية وهى أن هذا الكلام كلام رب العالمين ، واقول أن الايات الكونية فى القرآن الكريم لم ترد للانسان من قبيل الإخبار العلمي المباشر، لأن الله تبارك وتعالى يعلم أن العلم من المجالات التى يستطيع الانسان أن يصل اليها بعقله وبجهده منفردا، فالقرآن الكريم هو بيان من الله تعالى للانسان فى القضايا التى لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه أية ضوابط.
الحقيقة القرآنية هي غيب لا يمكن أن أصل إليه أو أمر إلهي لا يمكن أن أحاكيه أو ضابط أخلاقي سلوكي لا أخالفه ، ما عدا ذلك من حقائق لابد أن أرجع فيه إلي العلم الكسبي.
** لكن هناك مشكلة أساسية في تعريفك تتجاهل أن العلم في أبس تعريف له هو "القابلية للخطأ" أو هو "الفرض الذي أثبتت التجربة صحته" وهذا مختلف تماما عن "الحقيقة القرآنية" التي هي " إطلاقية " "نهائية " لا تقبل البرهنة عليها أساسا حتي يمكن أن نصفها بالصحة أو الخطأ؟ فكيف يمكن أن تطابق بين حقيقتين لا علاقة بينهما أصلا ؟
* هذا كلام يقوله غير العلميين لأنهم يتخيلون أن العلم كله فروض ونظريات، صحيح أن العلم يبدأ فروضا لكن الفروض قد ترتقي لتصبح نظرية وترتقى النظرية لتصبح حقيقة ،ثم تصبح الحقيقة قانونا، واذا وصل العلم لمستوي الحقيقة فلا رجعة فيه ولا جدال.
** أحد سمات العلم أنه تاريخى وله مراحل أو طبقات فما كان حقيقة يوما ما صار غير ذلك وما هو فرض الآن ربما يتحول لحقيقة علمية يوما ما، وهناك ما يعرف بتاريخ العلم ، بينما الحقيقة القرآنية مطلقة بمجرد نزولها من عند الله وفي لحظتها فهي متجاوزة للتاريخ، هي في كل لحظة حقيقة غير قابلة للاختبار أو المراجعة أو إعادة النظر، فما العلاقة بين الحقيقتين وكيف أمكنك المطابقة بينهما ؟
* أقول هنا أنه إذا وصل العلم التجريبى أو الكشفى إلى مصاف الحقيقة أو القانون أصبح حقيقة يقوم عليها الدليل.
** هل تصل الحقيقة العلمية إلى حقيقة يجب الإيمان بها ؟ هل نؤمن بالحقيقة العلمية مثلا؟
* طبعا طبعا..وهل تشك فى كروية الارض الآن؟.
** وإذا قلت لك – فرضا – أنني لا أؤمن بحقيقة أن الأرض كروية فما رأيك؟ وما حكمي؟
* لا شئ!
** طبعا ستصفني بالجهل ..لكن ماذا إذا قلت أن الله ليس واحدا ( تعالي سبحانه علوا كبيرا )؟
* هذا كفر طبعا!
** إذن أنت تتفق معي أن هناك مستوين للحقيقة، وأنه لا يصح أن نتكلم عن تطابق بين الحقيقة العلمية والحقيقة القرآنية ؟
* ولكن يا أخي تبقى الحقيقة حقيقة، الحقيقة هى كل أمر يقوم عليه الدليل ويدعمه البرهان وتؤكده الحجة ويقبله العقل السليم.
** هذا فيما يخص الحقيقة العلمية يا سيدي ، ولابد أن نفرق دائما بين العلم وبين النص الديني ، العلم نسبي وتاريخي وطريق الوصول اليه التجربة والحكم علي حقائقه بالخطأ والصواب، أما القرآن فهو مطلق لا تاريخي طريق الوصول إليه الوحي فقط، كما أن الحكم علي حقائقه بالإيمان والكفر فهو لا يقبل البرهنة عليها أو تجريبها!
* أريد أن أقول أن القرآن نزل لنا لنفهمه، فالقرآن ليس طلاسم فهو بيان من الله ونزل في حدود طاقة القدرة الإنسانية وهو غير متجاوز لقدرة الانسان.
** عفوا ..القرآن يمكن أن يتجاوز قدرة الإنسان؛ على الأقل فى فترة معينة، فهو- مثلا- نزل على أهل الصحراء والبدو ومن المنطقي أن يصعب عليهم فهم بعض الأشياء التي يفهمها أهل عصرنا مثلا، علي الأقل وفق منهج الإعجاز العلمي الذي تتبناه! فما تدعو له الآن لم يكن واردا أن يفهمه أهل البدو والصحراء! والله يفتح علي الناس في كل زمن بفهم جديد والقرآن لا تنقطع عجائبه ولا يخلق علي كثرة الرد.
* رسالة القرآن المحددة هى الدين، وركائز الدين أربع أساسيات أربعة؛ هى العقيدة، العبادة ، الاخلاق، المعاملات ، هذه القضايا صاغها الله سبحانه وتعالى فى محكم كتابه صياغة محكمة منضبطة لا تقبل التاويل فمثلا "اقم الصلاة" تعنى إقامة الصلاة وليس لها معنين ، "كتب عليكم الصيام" تعنى كتب عليكم الصيام وهكذا" وآتوا الزكاة" و " لله على الناس حج البيت"..فهذا يفهمه البدوى ويفهمه أستاذ التفسير..هذا ما أريد قوله .. لب القرآن الكريم قضايا محكمة واضحة الدلالة لا تحتاج إلى جهد بشرى حتى يفهمها الانسان، ولكن الذى يحتاج الى جهد هو الإشارات الكونية و ذكر الأمم السابقة والقضايا النفسية والقضايا التربوية.
** كيف يمكن أن تتحول الإشارات الكونية التي كنا نفهمها في إطار الدعوة الإلهية للتفكر والتدبر في خلق الله، لتصبح إعجازا علينا الإيمان به كحقيقة منتهية رغم أننا عرفناها وفق ما قرره علماء هذا العصر أو غيره؟ هل يمكن أن تتحول الاكتشافات العلمية إلي مطلق لابد أن أؤمن به؟ أتفهم مثلا أنه إذا ثبتت حقيقة علمية يمكن أن نجد إشارة قرآنية لها أن تكون مما يزيدنا إيمانا بالله وما جاء به الوحي، لكن كيف يمكن أن تتحول إلي مطلق مثلها مثل النص لا حيلة لنا أمامه سوي الإيمان به؟ ألا يؤدي ذلك إلي تطابق النسبي والمطلق؟ وكيف يمكن لنا أن نزعم تطابقا بين نص طريقه الوحي وآخر طريقه أفهام واجتهادات البشر قابلة للتغير؟
* يحدث جدا وبمنتهي السهولة..وما المشكلة؟ ..القرآن حمال أوجه بنص كلام رسول الله صلي الله عليه وسلم بمعني أن الآية القرآنية ترد بألفاظ محددة يفهم منها أبناء كل جيل معني من المعاني وتظل هذه المعاني تتسع مع اتساع المعرفة الإنسانية في تكمل لا يعرف التضاد ..والقرآن يدعونا إلي تدبر النص القرآنى " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" و " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان عند من غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" ..نحن مطالبون بنص القرآن أن نفهم هذه الآيات ونتدبرها وألا نحفظها دون فهم، لنفهم الحقائق الكونية التى ورائها، لكن فهمها أو عدم فهمها لا علاقة له بإيمانك. ( القرآن حمال أوجه قول منسوب للإمام علي رضي الله عنه وليس حديثا نبويا )
** ما تفعلونه أنتم يعطي للحقيقة العلمية إطلاقية ليست لها وإنما للآية التي طابقتم الحقيقة عليها، فأنا أؤمن بأن عسل النحل فيه شفاء للناس لأن القرآن يقول : "يخرج من بطونها شرابا مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" وليس لأن العلماء اكتشفوا بتجاربهم أن العسل فيه شفاء..الإطلاق والتسليم يجب أن يكون للنص وليس للحقيقة العلمية كما أفهمه من كلامكم.
* ولو أثبت العلم هذا الشفاء فهل يضر هذا بالقرآن أم يدعمه؟
** لا يهمني أن يثبته العلم أو ينفيه!
* مقاطعا: لماذا تتهرب من إجابة السؤال: ماذا لو أثبت العلم هذا؟
** ولو أثبته فسأقول : إن ثبت فهذا ما قال ربي وصدق الله، ولكن هذا حين يكون من نص قطعي الدلالة كما في هذه الآية .
* وهل يدعم القرآن أم يضره؟
** هذا لا يدعم القرآن ولا يضره!
* محتجا : لا لا ..هذا عندك أنت!
** في كل حديثك يبدو وكأنك تؤمن وتؤكد علي فكرة أن الحقيقة العلمية يمكن أن تكون ثابتا ومطلق ألا يتنافي ذلك مع كون العلم متغير ؟
* العلم يمكن أن يتغير فى مرحلة الفروض والنظريات، لكن إذا وصل العلم لمرحلة القانون فلن يتغير مثل : 1+1=2 .
** وهل هذا علم؟
* نعم هذا علم..علم الرياضة..وهذه حقيقة مطلقة ..وكذلك وصول العلم إلي كروية الأرض وقياسه لأقطارها..هذه حقيقة علمية لن تتغير أبدا!
** ألا يمكن أو يحق إعادة النظر فيما يسمى "حقائق" علمية؟
* لا..لا يعاد النظر فى الحقائق العلمية، لكن يعاد فى الفروض والنظريات أو عند الكشف عن حقائق جديدة.
** لكن هذا يوقف حركة العلم!
* بالعكس.. لا يوقفها.. إطلاقا.. بل يضبطها، فالعلم إذا وصل إلى مرحلة القانون انتهى لأنه يكون قد وصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه وممكن أن يصل إلى الحقيقة المطلقة .
** ما رايك في القول بأن الاتجاه الذي تمثله يمثل تأثر الاسلاميين بروح وفلسفة الحداثة الغربية، حيث الإيمان بالعلم وإطلاقيته وأنه – العلم - مدخل الدين، بحيث لابد للنص من علم يدعمه؟
* الآيات التى يحتاج الانسان فى فهمها إلى معارف علمية هى الآيات الكونية فقط اما الايات المتعلقة بالدين بركائزه الاساسية فلا يحتاج فيها الى فهم اللغة، أما الايات الكونية لا يمكن ان تفهم فهما صحيحا فى اطار اللغة فقط ، وليس معنى هذا اننا نفرض العلم على القرآن .
** هناك خطأ منهجي يقع فيه دعاة الإعجاز العلمي يتمثل في الخروج علي دلالات المعجم القرآني التي كثيرا ما تكون دلالات توقيفية، فالقول بالإعجاز العلمي في قوله تعالي " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" باعتبار أن القرآن سبق العلم في تقرير أن الذرة هي أصغر وحدة في المادة يتجاوز المعجم الدلالي لألفاظ القرآن الكريم والذي اعتمد عليه المفسرون في كل عصر من أن الذر هو التراب أو النمل، ونحن في النهاية محكومون بدلالات الألفاظ وقت نزول القرآن؟
* المفسرون فسروا هذه الآية فى حدود علمهم وقتها وبلغة عصرهم، ولم يعرفوا أن الذرة هى أصغر كيان للمادة حتى أنك لا تراه!
** ولكن ماذا لو جاء بعد زمن من العلماء من اكتشف أن هناك وحدة أقل وأصغر من الذرة؟
* لا..لا يوجد شئ كهذا!.
** أنت الآن تحكم وتصادر على العلم بمعايير هذه اللحظة رغم أنه يمكن أن يتغير ويتبدل بعد زمن طال أو قصر؟
* هناك قضايا اذا أثبتت ثبتت، فإذا وصل العلم إلى مرحلة الحقيقة أو القانون فلا تستطيع أن تضيف له شيئا ، ويمكنك البحث فى اتجاه آخر وستجد آلاف القضايا الأخرى تستحق أن تبحث، لكن القضايا التى وصلت إلى الحقيقة ليس لها أو فيها إضافة.
** لكن هذا تجاوز خطير للدلالة المعجمية لألفاظ القرآن يمكن أن يؤدي للعبث بها..نعم يمكن أن نتكلم عن فهم متجدد ومتغير للآيات معاني الألفاظ ثااليس نحن محكمون بالمعجم الدلالى لكلمة ذرة على أنها حبة رمل فالقرآن يفهم بلغة عصره ، فبهذا الاعجاز العلمى يكون مدخل لكسر المعجم اللغوى؟
* لا يكسره أبدا ..بالعكس، فأنا إذا لم أفهم اللغة فهما صحيحا فلن أستطيع فهم الإعجاز العلمى، فإذا لم أفهم من اللغة ما معنى نطفة او مضغة او علقة او عظام او كسوة العظام لحما فلن أفهم ماهى دلالات الآية، فاللغة شرط أساسى لفهم دلالات الآيات .. لكن أنا لا اقف عند حدود اللغة وحدها، لأننا اذا وقفنا عند حدود اللغة وحدها لن أصل إلى الفهم الصحيح للاية . فأنا لا أستطيع ان أقف عند فهم الأقدميين.
** أنا لا اقصد فهم الأقدمين، ما أقصده هو المعجم الدلالى للألفاظ وقتها؟
* لابد ان استخدم اللفظة بدلالتها فى المعاجم بدقة شديدة حتى أفهم الاعجاز العلمى ، لكن كل التفاسير القديمة خلطت بين النجم والكون وكذلك بين الضياء والنور..وقضايا كثيرة العلم يحسمها الآن، والقرآن الكريم فصل فصلا كاملا بين الضياء والنور فى مئات الايات .
** لكن هل يكون الفهم الجديد ذلك بالقفز على الدلالة اللغوية؟
* لا..هذا ليس قفزا علي الدلالة اللغوية.
** اسم الذرة التي تتحدث عنها هي ( الأتومي atomy ) اختير بالمواضعة بين الناس وكان يمكن أن يسميها العلماء أو المترجمون علي الأصح بأي اسم غير الذرة!
* لكن الذرة موجودة فى اللغة وفي القرآن.
** الذرة التي في اللغة وفي القرآن كانت تعني التراب أو النمل؟
* لا.. كان يقصد بها أصغر شئ ولكنهم ضربوا النمل والتراب كمثل، الله يقول " سنريهم آياتنا فى الافاق وفى انفسهم" فهل معنى هذا ان أظل متوقفا عند تفسير بن كثير طول عمري؟! ..هذا مستحيل،اذا فعلت ذلك سأنعزل عن زمانى وعصرى وهذا غير مطلوب، أنا لا أتجاوز اللغة أبدا ، فأنا أوظف اللغة قبل التفسير العلمى لأن اللغة أساس ، لكن فى القضايا الكونية يجب أن الجأ إلى العلم إيضا .
** أعود للسؤال ثانية ألا تتفق معي أن الإعجاز العلمى بهذه الصورة هو أحد تجليات التاثر الاسلامى بالحداثة الغربية،من حيث الإيمان بالعلم كمطلق واتخاذه أساسا لتفسير النص وربما دليلا له ؟
* لا يا أخي.. أنا أحد أقدم من تحدثوا بالاعجاز العلمى ولم أتاثر بالحداثة أبدا لأننى رجل مؤمن إيمان عميق بالله وبان القرآن هو كلام الله تعالى وبرسالة خاتم المرسلين ..ولا توجد حداثة أثرت فى على الاطلاق ،أين هي الحداثة؟ فهل لكونى أستخدم وأوظف حقائق علمية قائمة يفسر هذا على أننى تاثرت بالحداثة .
** سؤال يبدو غريبا: ما اهمية الاعجاز العلمى؟
* أولا يفيد المسلم فى فهم دلالة الايات فهما عميقا، ويثبت له صدق القرآن الكريم بالاشارة إلى هذه الحقيقة ويزيد الايمان فى قلبه ويزيده يقينا بالقرآن الكريم ، ويدعو غير المسلمين لقراءة القرآن الكريم من مدخل الايات الكونية كما حدث مع عشرات العلماء، مثل موريس بوكاي وكيت مور وكثير من الذين أسلموا .
** وهل تؤمن بأن العلم يمكن أن يكون سببا للهداية ؟
* طبعا فالعلم والمعرفة سبب للهداية
** كيف؟
* لو ثبت لعالم غربى حقيقة كونية لم تكن معروفة قبل 100 سنة مثلا، وأن هناك كتابا قبل ألف وأربعمائة سنة يتحدث عنها سيقنعه هذا بجدية هذا الكتاب وسيدفعه لقرائته وقد يكون ذلك مدخله للإيمان.
** وما رأيك في القول بأنه لا علاقة شرطية أو طردية أو من أي نوع بين الإيمان والعلم وأن الثابت أن أكثر أهل العلم غير مسلمين بل وربما غير مؤمنين من الأصل؟
*لا لا ..عفوا ..أنت تخلط بين قضيتين مختلفتين..أولا: نحن فى العالم العربى نعانى من ازدواجية خطيرة في التعليم فنحن نخرج علماء لغويين وشرعيين على أعلى مستو لكن لا يعرفون شيئا عن معطيات العلوم الحديثة، ونخرج علماء مدنيين علي أعلي مستو لكنهم لا يعرفون دينهم ، هذا الفصل هو الذى أدى الى هذا الكم الكبير من المثقفين غير المتدينين.. فى نفس الوقت نرى فى الغرب أن الصراع الذى قام بين الكنيسة ورجال العلم واضطهاد العلماء وقتلهم وسجنهم وتعذيبهم ..جعل العالم ينطلق بعيدا عن العقيدة وجعل الناس هناك ترفض التعامل إلا مع المادى الملموس المدرك، فعزل الغربيين عن الدين وعزل المتعلمين عندنا عن الدين وعزل أهل الدين عن العلم..هذا هو سبب الأزمة التى نمر بها، وما كان للعلم أن يعادى الدين أبدا.
** ومن قال ذلك؟ أنا لم أقل معاداة العلم للدين؟ بل قلت أنهما مجالان منفصلان؛ أى من طبيعتين مختلفتين؟
* لا ..لا .. أبدا..هذا الخلط راجع لازدواجية التعليم.
** ليكن ..هل لي أن أتعامل مع النص الدينى كما أتعامل مع معطي علمى؛ أي من خلال المشاهدة والتجربة والبرهان..؟
* إذا كان النص آية كونية أتعامل معه بالتجربة والمشاهدة والبرهان، وهناك مثال فى الحديث النبوي الصحيح: "كل بنى آدم يبلى عظمه إلا عجب الذنب" هذا الحديث وضعه كل علماء الحديث فى غريب الحديث وشككوا فيه، ثم نفاجئ بأن عالما ألمانيا " هانز سبيمان " حاز جائزة نوبل 1935م حقق هذا الحديث تجريبيا علميا دون أن يعلم به؛ إذ لاحظ أن هذه العظمة يخلق منها فى الجنين كل أعضاء الجسم وأنها لا تبلى أبدا، فأعطوه جائزة نوبل، وكذلك ما جاء في قوله تعالي:" فيه شفاء للناس " فى سورة النحل حيث يثبت العلم صحة هذا القول..أليس هذا دعما للآية الكريمة؟!. ( بالعودة إلي حيثيات حصول هانز سبيمان علي الجائزة وجدنا أنه حصل على الجائزة " لدوره في اكتشاف التأثير المنظِّم في تطور الاجنة" ولم يرد بها مطلقا أي حديث عن عظمة الذنب هذه )
** إذا صحت هذه الحالة ألا يكون الإيمان هنا إيمان بالآية وما قاله الله تعالي وليس إيمانا بالعلم ؟
* طبعا ..طبعا ..لكن يوجد من هو غير مؤمن بهذا ولا يؤمن بالقرآن أصلا، وأنت مطالب بتبليغه ودعوته إلي الإسلام " بلغوا عنى ولو آية ".. ووسيلتى في الدعوة أن أحلل له العسل وأثبت له صحة الآية، وبالفعل فقد حللوا وأثبتوا صحة هذه الآية.
** فهل ترى اننا اذا جمعنا العلماء فى المجالات العلمية المختلفة وشرحنا لهم الآيات الكونية سيكون هذا سببا فى إسلامهم؟!
* طبعا..طبعا فأنا أشبه المعرفة الإنسانية بشكل هرمي قاعدته العلوم البحثية التطبيقية.. لا احتقارا لها ولا استهانة بشأنها ولكنها هي وسيلة الإنسان لإعمار الارض ، وفوقه تأتى رسالة العلوم بمعنى استنتاج الحكمة من الشواهد المادية فى الكون، فلا أستطيع أن اكتفي بالقول أن هذا الكون الشاسع دقيق البناء محكم الحركة، بل يلزم أن أشير إلي أن هذا الكون لم يوجد نفسه، بل لابد من موجد هد عظيم ..وهذا الموجد العظيم لابد أن يكون مغايرا لخلقه لا يحده المكان ولا يحده الزمان ولا تصنعه المادة ولا تشكله الطاقة، وفوق هذه العلوم الانسانية كلها لأن الانسان مخلوق مكرم والمتعلق بالمكرم مكرم، وفى قمة الهرم وحى السماء وهو بيان من الله للانسان فى القضايا التى لا يستطيع الانسان أن يصل فيها إلى الطريق الصحيح.. وكل مثقف عليه أن يتخصص فى شريحة من الشرائح، لكن لا يجوز له أن يعزل نفسه عن بقيتها .. ومأساة العالم هذا العزل.
** ماذا لو رفضت – كمسلم- هذه الحقائق العلمية ولم أؤمن بها؟
* عزلت نفسك عن زمانك ودفنت رأسك في الرمل
** هل لهذا حكم شرعى؟ هل يمكن أن أكفر مثلا؟!
* لا..ولكن صرت جاهلا!
** لكن ماذا لو جئت فضيلتك وطابقت إحدي هذه الحقائق العلمية بحقيقة قرآنية لما تراه من "إعجاز علمي"، ثم جئت أنا ورفضت هذا الكلام!
* إذا كان تفسير علمي فلا مشكلة لأن التفسير يتعدد ويتغير .
** لا ..أنا أتحدث عن الإعجاز العلمي وليس التفسير ؟
* الإعجاز العلمي لا ينقض!
** علي سبيل المثال إذا أنا رفضت نظرية الانفجار العظيم لتفسير نشأة الكون التي تري أن القرآن سبقها ويؤيدها، ألا يضعني هذا في مأزق ديني؟ وما الحكم هنا؟
* ..وهل هذه النظرية الوحيدة القائمة فى تفسير الكون؟!!.. هناك مئات النظريات فى تفسير الكون، ولكننى اخترت هذه النظرية لأن لها رباط بالقرآن الكريم( !! ) .
** ألا يعني ذلك إلغاء وتجاهل لنظريات علمية أخرى بمبررت دينية ؟
* طبعا .. طبعا.. بناء على وضوح نص الآية.
** إذن فقد حدث التطابق وصرت أنا ملزما به طالما الآية واضحة وتؤيد هذه النظرية..كيف لي أن أعارضها؟!
* أنت لست ملزما بشيء .. لكن بالرجوع إلى الاية " أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حى" .نجد أن تفسير الآية فى كتب التفسير جاء بدائى وسطحى ولا يقدم أى شيء من الحقيقة، والتفسير الأقرب لها الآن هو نظرية الانفجار العظيم.. والنظرية هنا تبقى نظرية، وإذا وصل العلم إلى حقيقة فهذا تفسير..وأنا لم أقل أن هذا قطعى ويعد إعجازا علميا.. ولكن النظرية قائمة على شواهد صحيحة وهذه الشواهد تكلم القرآن عنها..والتوسع فى السماء حقيقة.. فحين نزل قول الله تعالى" والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون "، لم يفهمها البدو والعرب أيام الرسول علي أن الكون يتسع ، بل فهم أن الكون شاسع على الانسان ، لكن موسع اسم فاعل وموسعون صيغة مصدرية توحي بالاستمرارية وهو ما يؤكده العلم الحديث!
** لكن هذا التفسير الأخير تفسير لغوى! فهم قواعد اللغة يؤكد اتساع الكون أو يقبل القول به.
* وهو تفسير علمى أيضا! فلماذا لم تقل فى الماضى؟ ولماذا لم يقل أحد من المفسرين القدامى أن الكون يتسع؟.
** ربما غاب عن المفسرين ولم يكن الله قد فتح عليهم !
* لا لا...لقد قلنا هذا الكلام حين اكتشفنا أن اتساع السماء حقيقة كونية..ولم يقل أحد من المفسرين به من قبل.
** أليست مفارقة أن موجة الاعجاز العلمى في القرآن تلت موجة مشابهة لها شهدها الغرب قبل عقدين من الزمان، كانت تسعي إلي إثبات صحة النصوص المقدسة من خلال الدين؟
* لا توجد مقارنة بين نزاهة القرآن وبين هزاءة ورداءة مايسمى بالكتاب المقدس،.. فهو مثل الكشكول جمعه اليهود للنصارى وجمعوا فيه فترة زمينة تمتد اكثر من 3000 سنة .. لكن من الذى جمعه؟ ومن الذى كتبه؟.. غير معروف.. فهو كتاب ملئ بالاخطاء العلمية والاخطاء الدينية والاخطاء اللغوية.. فلا يقارن أبدا بالقرآن الكريم ..وهم أنفسهم لا يعتبرون أن هذا نص سماوي بل نصوص بشرية تعبر عن رسالات نبوية سابقة فهو مثل الكشكول جمعه اليهود للنصارى وجمعوا فيه فترة زمينة تمتد اكثر من 3000 سنة .. لكن من الذى جمعه؟ ومن الذى كتبه؟.. غير معروف.. فهو كتاب ملئ بالاخطاء العلمية والاخطاء الدينية والاخطاء اللغوية.. فلا يقارن أبدا بالقرآن الكريم ..وهم أنفسهم لا يعتبرون أن هذا نص سماوي بل نصوص بشرية تعبر عن رسالات نبوية سابقة.
** من قال هذا؟ هو نص مقدس عندهم مثلما القرآن مقدس بالنسبة لي، بصرف النظر عن إيماننا بصحة اعتقادهم من عدمه!
* لا لا ..هم لا يعترفون أنه نص سماوي مقدس ..مجلة النيوزويك نشرت منذ ستة أشهر مقالا يقول أن الكتاب المقدس ليس نصا سماويا فهو كتاب كتب بأقلام متعددة فى أماكن متفرقة فى أزمنة متباعدة.. لا تنظر لنصاري مصر فقط، فغالبية علمائهم ( المسيحيين ) لا يعترفون بأنه نص سماوي.. وكل الوحى السماوى الذى نزل قبل القرآن الكريم نزل على الواح مكتوبة من السماء ..فأين هذه الالواح؟ بل نزل بلغة غير المكتوب بها الآن.
ثم لا تحاسبني بأخطاء الغربيين ..نحن لا نقلد الغرب فى شئ؛ فعملية الاعجاز العلمى بدأت فى القرن الثانى إلى الان.. منذ الفخر الرازى والغزالى الذين تكلما عن الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم، لكن لعدم رعاية الموضوع فهو يظهر شكل موجة؛ يظهر لفترة ثم يختفى.. فمثلا طنطاوى الجوهرى ظهر فى العشرينات من القرن العشرين ومات فى أوائل الخمسينات وقد هوجم من الازهر وقبرت تجربته وكانت تجربة رائدة بالغ فيها احيانا لكن بشجاعته استطاع أن يوظف الاعجاز العلمى فى تفسير القرآن الكريم.
** أخشي أن الاستشهاد بتجربة طنطاوي جوهري وما فيها من أخطاء بل وكوارث، لن يكون لصالحك!
* ما قاله طنطاوي جوهري كان تفسيرا وليس إعجازا ..وهو قال ذلك كثيرا، فقد حاول ان يفسر الايات الكونية بالعلم، ولم يكن العلم قد وصل إلى ما وصل إليه الآن فأصاب وأخطأ، وهذا وارد ، لكن الذين اكتفوا في التفسير باللغة جاءت كتبهم مليئة بالأخطاء.
** هناك من يتحدث الآن عن الإعجاز العلمي في الطب النبوى أو الطب الإسلامى..وهذه إشكالية كبري أن العالم يتحدث عن خلافات وأخطاء في الطب نفسه ونحن نتحدث- مستندين علي الطب - عن الاعجاز العلمى في الطب النبوي..كيف يستقيم هذا؟
* الأمة تمر بفترة تخلف والمتخلف يتخلف فى كل مناحى الحياة، الامة متخلفة علميا وتقنيا وتعليميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا فماذا ننتظر منها؟ ما تنفقه أمريكا على العلم فى سنة يوازي جميع العالم الاسلامى مضروب فى مائة، نحن لا ننفق على العلم ، فإذا جئت أنا فى ظل هذا التخلف واستطعت أن أعز الاسلام بأن أبرز أن له السبق فى تحقيق نظرية مثل انفجار الكون حتى لو وصل إليها س او ص من الغربيين أو الشرقيين فهذا لا يضر الإسلام، بل العكس..هذا يعز الإسلام ويدعو هؤلاء الناس لاحترام القرآن والاطلاع عليه .
** يا سيدي الطب والدواء محل خلاف حتي بين من صنعوه ..فكيف لي أن أتحدث عن إعجاز علمي بناء عليه؟!
* أنا لا أتكلم عن الأدوية.. لكن خذ -على سبيل المثال- وصف مراحل الجنين فى القرآن الكريم وفي سنة الرسول صلي الله عليه وسلم، فهو من الاشياء التى هزت مئات الغربيين من الاعماق، فقد وقف رجل مثل كيث مور، وهو كندى أكبر عالم أجنة معاصر وله كتاب اسمه "تطور البشرية " يدرس فى أغلب كليات الطب فى العالم وترجم لأكثر من 25 لغة؛ وقف هذا العالم فى مؤتمر عالمى فى موسكو ليقول أن توصيف القرآن لمراحل الجنين تصل إلى الدقة والكمال بما لم يصل اليه العلم الحديث..فماذا نريد أكثر من ذلك؟! ..القرآن يقول نطفة وعلقة ..ثم يأتي العلم ليؤكد ذلك .. فتوصيف كلمة علقة وهى تشبه الدودة وتعيش على امتصاص الدم من الأم بسبب التصاقها بجدار رحم الأم ولا أجد لها توصيف افضل من ذلك، ثم مضغة كأنها قطعة لحم مضغة فى الفم فمن عرف هذا الكلام للرسول الكريم ، قارن هذا بتعريف المفسرين القدامي لكلمة علقة على أنها قطعة من الدم وتعريف مضغة على أنها قطعة لحم فى حجم ما يمضغ..ستراه تعريفا لن يعطيها حقها. خاصة إذا عرضناه علي ما يصفه المنظار الالكترونى الذي أنها= المضغة- كقطعة اللبان الممضوغة!. ( لا توجد في الطب كتب مقررة وإنما هناك كتب مدرسية تبسط وتشرح التخصصات الطبية للطلاب، وكتاب كيث مور " تطور البشرية كتاب مدرسي يدرس علم الأجنة لطلاب الفرق التمهيدية في كليات الطب )
** وهل تعتقد أن هذا الوصف العلمى نهائي ووصل لدرجة الحقيقة المطلقة؟
* طبعا..طبعا..لقد صورت الكترونيا!
** فماذا لو جاء عالم بتطور علمي جديد ليقول بعد سنوات مثلا أن هناك شكل مغاير للجنين؟
* كيف؟ لا يمكن.. هذا تم تصويره الكترونيا داخل رحم الام ..والصورة لن تتغير! .
** هل نحن أشد إيمانا بالعلم من أهله؟!! يا سيدي كل فلاسفة العلم يقرون أن كل شئ في العلم قابل للتطور والتغير؟
* لأن الفلسفة شيء مختلف تماما عن العلم ...هذا كلام فلاسفة وليس علماء .
** أنا أتحدث عن فلاسفة العلوم !
* ومن فلاسفة العلم؟ هم فلاسفة في الأصل وعندهم بعض العلم، لا يوجد عالم يقول هذا الكلام ، العالم التجريبى يؤمن بأن تجاربه إذا وصلت للحقيقة أو وصلت لمرحلة القانون فهى غير قابلة للرفض أو التراجع، أما الذين درسوا دراسات أدبية لا يدركون هذا لأنهم بعيدون عن هذا المجال.
** يكفي هذا في قضية المنهج ولننتقل للتطبيق ..وسنري ساعتها قدر هائل من الدرامية والمبالغة فيما يقوله العاملون فى مجال الاعجاز العلمى، فالصورة التي يرسمونها أن العالم التجريبي ما إن يسمع بأن ما يقوله موجود في القرآن حتي يسلم، ليس هذا فحسب بل تحدث حالة من الإسلام الجماعي التي يدخل فيها الجميع في دين الله بسبب الإعجاز العلمي..وهذا المشهد به إشكالات كبيرة؛ فلم يكن العلم – أبدا- سببا ضروريا للهداية بحيث من يناله يهتدي ، كما أن ظاهرة الإسلام الجماعي هذه غريبة جدا، وربما لا نجد لها نظيرا في التاريخ الاسلامى..ما تعليقك؟
* أنا أفرق تفريقا كبيرا بين العلم والهداية..فقد يكون الانسان أعلم أهل الارض ولا يريد الله أن يهديه.. فالهداية يمن الله سبحانه وتعالى بها على الانسان الجاد الذى يبحث عن الحقيقة بصدق.. هذه هى الهداية. وبعض الناس تعرضوا لحقائق علمية فى القرآن ولم تؤثر فيهم اطلاقا والبعض الاخر تأثر لأن الغرب ليس كله شياطين، لأنه يوجد بينهم أناس لديهم حس إنسانى كبير يبحثون عن الحقيقة بشمعة فى وضح النهار، ومثل هؤلاء يحتاجون لأن تضع أيديهم على الحقيقة ، فالذين أسلموا بالاعجاز عشرات من الناس والذين لم يسلموا مئات او الاف، فأنت عليك البلاغ وليس النتيجة، والقول بأن اغلب العلماء كفار هذا سببه أنهم لم يصلهم الدين وأننا لم نوصل هذا الدين .
** لكن يمكن أن أقرأ القرآن على شخص وأيصره بكل ما تقوله من أعجاز علمي فيه ولا يسلم..أعتقد أنه لا علاقة بين الهداية وبين العلم التجريبي؟
* العلم هو أحد الوسائل ..أنا أعرف سيدة أسلمت بسماع الاذان فى مسجد مجاور، ولكن هناك مئات سمعوا الاذان و لم يسلموا.. إذن القضية هداية من الله.
** اذن هنااك انفصال بين الاثنين: العلم والهداية؟
* لا يوجد انفصال فالعلم أحد وسائل توصيل الهداية إلى عقول الناس، وهناك من يهتدى ومن لا يهتدى، وأنت مطالب بالتبليغ، إحدى وسائل التبليغ الجيدة الان هو العلم..فمثلا العالم مورس بوكاي صاحب كتاب " التوراة والانجيل والقرآن والعلم " كان يعالج بعض المومياوات وكشف عن مومياء فرعون موسى فقال أنه مات غريقا فقالوا له إن القرآن أثبت ذلك، فقال أنا وجدت جوفه مليئا بملح البحر، وبحسه العلمى ركز بوكاي على الايات الكونية وأخرج هذا الكتاب.
وفى مقدمة كتابه أقر بأن الانجيل كتاب سماوى ولكنه تعرض للتحريف أما القرآن الكريم فهو ملئ بالحقائق، وبعد سنتين أسلم. فالعلم وسيلة للتبليغ الاسلام للناس بلغة العصر وأيسر وأبسط وسيلة للدعوة لله ولكن ليس هو الوسيلة الوحيدة؛ فلماذا أرفض العلم كمدخل وهو أثبت جدواه ونجاحه فى كثير من المؤتمرات، ومؤتمر دبى الأخير الذى عقد فى مارس 2004 كان من أفشل المؤتمرات، ولكن وقفت امرأة فى نهاية الجلسات لتعلن إسلامها!
** أنا عرفت تفاصيل هذا المؤتمر وكان هناك بعض الزميلات حضرنه، وأكدن لي من خلال معرفة ولقاء بهذه السيدة أنها كانت قد أسلمت قبله باسبوعين ولكن إدارة المؤتمر أجلت إعلان إسلامها للجلسات الختامية، إضافة إلي أن العلماء الذين حضروه أكدوا – وخاصة الأجانب منهم- أن معظم أبحاثه كانت مليئة بالمغالطات والأخطاء العلمية .
* لا لا ..لم تسلم قبلها ..نعم المؤتمر كان فاشلا لأنه لم يتم الاعداد الجيد له ولم تتم مراجعة هذه الابحاث وكانت الترجمة مليئة بالاخطاء، ولكن هذا المؤتمر كان محفزا لهذه السيدة علي إعلان إسلامها...هي كانت تسمع عن الإسلام من قبل ولكن جاء المؤتمر فهزها.
** قرات لك حوارا في مجلة نصف الدنيا القاهرية أجراه الزميل عبد الرحمن سعد ، وقد ذكرت فيه أنه بسبب دروس الاعجاز العلمى التي قدمتموها أثناء حرب الخليج الثانية ( سنة 1991 ) أسلم 10 الف جندى أمريكي؟
* نعم.. بل أسلم 20 ألف من جنود وضباط ؛ من جنود إلي ضباط ولواءات ومن رجال ونساء ومن بيض وسود، أثناء الحرب.. ولكن علي فترات. ( تعليق: قدر عدد الجنود الأمريكان المشاركين في حرب الخليج بنحو 50- 60 ألف جندي، قدرت إحصائية أجراها المرشد الديني للمسلمين في الجيش الأمريكي عددهم عشية غزو أفغانستان – أي بعد عشر سنوات من حرب الخليج – بنحو 13 ألف مسلم فقط ! )
** لكن ظاهرة الاسلام الجماعى لم تظهر بهذا الشكل في التاريخ الإسلامي .. في حين ينسب لك أكثر من مرة ظاهرة وحوادث الاسلام الجماعى؟
* لم يسلموا كلهم في جلسة واحدة ولكن علي مراحل ودفعات ..( تقدر كتب السيرة عدد من أسلموا علي يد الرسول صلي الله عليه وسلم - صاحب الدعوة - مباشرة ببضع وسبعين صحابيا ولم تسجل حادثة إسلام جماعي علي يديه! )
** هل تم الاسلام بشكل فردى ام جماعى؟ أنا سمعتك تتحدث عن إسلام جماعي حدث أيضا في محاضرة بروسيا في الثمانينيات ..أسلم فيها عشرات من كبار العلماء!
* لم يسلموا كلهم مرة واحدة ..فى مؤتمر موسكو أسلم عالم وأربعة مترجمين، لكن المكتب الروسي لهيئة الاعجاز قال إن التليفزيون الروسى أعاد بث المحاضرة على الناس عدة مرات مما أدى الى إسلام 150 روسى على فترات ( ربما كانت المرة الأولي التي نسمع فيها أن روسيا "الشيوعية" كانت تذيع محاضرات الإعجاز العلمي في التلفزيون الرسمي!!)
** وكيف ترى مستقبل الاعجاز العلمى ؟ هل قلتم فيه الكلمة الأخيرة أم بقي ما يقال؟
* لا...لا .. الإعجاز العلمي في القرآن لن ينتهي بنص حديث الرسول صلي الله عليه وسلم " ان هذا القرآن لاتنتهى عجائبه ولا يخلق علي كثرة الرد "