الخط العربي يزين ترام هولندا
باحث وصحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
روتردام- الهولنديون الآن أكثر اعتدالاً من بقية الأوروبيين وأكثر قابلية ورغبة في إعادة فهم الإسلام بصورة أفضل، ومن المؤكد أن المجتمع الهولندي سرعان ما تقبل التجربة؛ "فبعد أن كان من الصعب والنادر أن يقبل المقتني الهولندي على شراء لوحة تشكيلية من الخط العربي؛ خوفًا من أن تكون تشكيلاً فنيا لآيات قرآنية، تغير الأمر وأصبح هناك من يُقبلون على شراء هذه اللوحات، أو على الأقل يتعاملون معها بنوع من التقدير والإعجاب".
يقول الفنان سعدي رحال وهو عراقي الأصل ويحمل الجنسية الهولندية: "في البداية كان معظم المتعاملين معي من أبناء الجالية المسلمة، خاصة العرب، كما كانت المدارس الإسلامية، وهي وحدها التي تطلب مني تدريس فنون الخط العربي لطلابها، خاصة المدارس التابعة للجاليات المغربية والتركية والإندونيسية، لكن الأمر تطور مؤخرًا، وصار الهولنديون يقبلون على تعلم هذه الفنون، ويسعون لفهم فلسفتها والاطلاع على كنوزها"، ويضرب مثالاً بالمحاضرة الأولى التي نظمتها الدار (أرابيسك) التي أسسها ويشرف عليها في بداية موسمها الثقافي، والتي حاضر فيها د. هاشم الطويل أستاذ تاريخ الفن الإسلامي بجامعة ميتشجان بالولايات المتحدة، وكان موضوعها عن "المفردات التشكيلية في الفن الإسلامي بين التحريم والتحليل"؛ فقد شهدت المحاضرة – كما يقول – اهتمامًا غير عادي من الهولنديين؛ إذ تبرعت إدارة متحف الشعوب باستضافة الندوة في مقر المتحف، كما حضرها عدد من كبار الفنانين والباحثين الهولنديين في مجال الفنون، إضافة إلى الجمهور الهولندي الذي أبدى إعجابه وانبهاره بلوحة الفن التشكيلي المعتمدة على جماليات الخط العربي.
ويضيف: "لقد كانت المفاجأة الأولى بعد المحاضرة أن إدارة إحدى المدارس الهولندية في مدينة أمستردام، التي لا صلة لها بالإسلام طلبت مني تدريس فنون الخط العربي لطلابها الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة والثانية عشرة! وهو ما أعتبره نجاحًا للخط العربي يبشر بمستقبل طيب له في هولندا، كما طلب مني عدد من الصحف الهولندية الكتابة عن الفنون الإسلامية والخط العربي وعن المشروعات المستقبلية".
تواؤم الخط مع الحركة
ويضيف سعدي أنه بصدد الانتهاء من أول مشروع من نوعه في هولندا، وربما في أوروبا، وهو مشروع تزيين أحد خطوط ترام مدينة روتردام بالخط العربي، في إطار احتفال المدينة باختيارها عاصمة ثقافية لأوروبا.
ويقول: "الفكرة جاءت من التشابه الذي لاحظته بين شكل الخط العربي وإيقاعه وبين حركة الترام، وهو يخترق المدينة.. وقد أعددت مشروعًا لتزيين هذا الترام بتشكيلات من الخط العرب، وقدمت الطلب لإدارة البلدية التي كانت قد أعلنت عن عزمها قبول كل المشروعات الثقافية والفنية التي يمكن أن تجسد التبادل والتجاوز الثقافي والحضاري داخل هولندا، وتحملها لنفقات تنفيذ هذه المشروعات للمشاركة في دمج كل الثقافات داخل الوطن الهولندي الواحد؛ فتقدمت بمشروعي ذلك باعتباره يجسد فنًّا من فنون الحضارة الإسلامية، وقد تلقيت ردودًا مبدئية مطمئنة ومشجعة، وفي انتظار الموافقة النهائية لبدء تجميل المدينة بفنون الخط العربي، وهو ما من شأنه – إن حدث – أن يُقدّم أكبر دعاية مجانية ومباشرة للفنون الإسلامية.
ولدار أرابيسك التي يديرها ويملكها سعدي رحال مشاريع ثقافية عديدة وطموحة جدًا؛ منها تنظيم دورات تعليم الخط العربي، وتأسيس المشغل الحر لأبناء الجالية المسلمة؛ لتنفيذ أعمال فنية ذات طابع فلكوري إسلامي، وتنظيم ندوات لكبار الفنانين والأكاديميين المختصين في الخط العربي والفنون الإسلامية الأخرى من أوروبا والعالم الإسلامي، وتصميم الخيمة الإلكترونية المتنقلة كوسيلة لعرض اللوحات الإسلامية في كل البلدان الأوروبية باعتبارها بمثابة معرض إلكتروني متنقل.. لكن أهم الفعاليات التي بدأت الدار في الإعداد لها فعليًّا - رغم حداثة نشأتها - هي تنظيم أول مهرجان للفنون الإسلامية في هولندا.
والهدف الأساسي له - كما يقول سعدي الرحال- "يتجاوز مجرد تعريف هولندا بالفنون الإسلامية، إلى السعي لتكوين قاعدة أو ملتقى ثابت ودوري للفنانين المسلمين التشكيليين في هولندا والدول الأوروبية المجاورة، الذين ذاب معظمهم داخل تيارات الفن التشكيلي الأوروبية والغربية، بحيث يصبح الملتقى قنطرة للعودة مرة أخرى إلى فلسفة الفن الإسلامي الأصيلة".