إعدام صّدام .. بين جزم الوقائع ورفض النبوءات!
كاتب وصحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
حين كانت وقائع الإعدام تسدل الستار علي آخر مشهد من حياة صدّام كنت أنتظر أن تطوي معها صفحات مشروع "فكري" ظل صاحبه يشيد فيه خمسة عشر عاما أو يزيد علي شخص صدام ..ولكن يبدو أن صدّام سيظل يملأ الدنيا ويشغل الناس حتى بعد وفاته المزعومة كما تقول النبوءات!.
قبل ما يزيد عن خمس عشرة سنة حين كانت أنظار العالم تتعلق بوقائع الغزو العراقي للكويت ثم حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق ورئيسه صدّام حسين كانت وقائع ميلاد مشروع فكري " فريد " تكاد تكتمل في القاهرة في موسوعة من عدة أجزاء تحمل عنوان " أشراط الساعة "!.
الموسوعة الضخمة صدرت علي مدار العقد ونصف العقد الأخير في سبعة أجزاء ويعد صاحبها بثلاثة أخرى.. ومن خلال حشد هائل من المعلومات انتهت الموسوعة، التي استوعبت تقريبا كل نبوءات نهاية العالم في الكتب السماوية " التوراة والإنجيل والقرآن والسنة " وغير السماوية أحيانا، انتهت إلى أن حرب الخليج الثانية " أو الجولة الأولى من الحرب العالمية الثالثة كما يقول المؤلف " هي مقدمة القيامة الصغرى التي هي على الأبواب وأن الرئيس العراقي صدام حسين هو السفياني الذي بشرت به كل النبوءات السماوية، والذي سيقضي على دولة إسرائيل ويحرر المسجد الأقصى تمهيدا لظهور المهدي المنتظر ونزول المسيح عليه السلام لتتحقق أهم أشراط وعلامات الساعة الكبرى وتقوم القيامة الصغرى على الأبواب "..وقد صدر من الموسوعة حتى وقتنا هذا سبعة أجزاء كاملة بعضها تجاوز عدد صفحاته الثلاثمائة.
قد يبدو للوهلة الأولي أن هذه الموسوعة تعيد إنتاج سيناريوهات نهاية العالم التي نجدها في كتب " صفراء " من تلك التي تمتلئ بها أرصفة عالمنا العربي، ولم تكن لتثير الاهتمام لولا طبيعة صاحبها؛ فهو أكاديمي يحمل الدكتوراه في الفلسفة ودرّس الفلسفة في الجماعات العربية، بل وحصل علي أعلي جائزة علمية في العالم بعد نوبل! وهو ما يفرض علينا أن نتوقف عندها قليلا.
صاحب موسوعة "أشراط الساعة " هو الدكتور فاروق الدسوقي أستاذ العقيدة السابق بجامعتي الملك سعود وأم القرى، وهو مصري حصل على الدكتوراه من قسم الفلسفة بكلية دار العلوم وفاز بجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية 1985 عن كتابه " القضاء والقدر في الإسلام " وسبق أن صدرت له عدة مؤلفات تعبر في موضوعاتها وأفكارها عن اجتهاد علمي وتحمل قيمة كبيرة وخاصة كتابه " الإسلام ومنهج العلم التجريبي " وهو ما يثير الاستغراب والدهشة بخاصة أن عمله في هذه الموسوعة " النبوءاتية " استغرق منه خمسة عشر سنة كاملة كما يؤكد هو بدأها منذ وقوع كارثة غزو العراق للكويت ومازال مستمرا في انجازها إلى الآن ويشجعه على المضي فيها أنه كما يقول كلما قطع فيها شوطا أثبتت له الأحداث والأيام صدق ما توصل إليه.
قرأت قسطا لا بأس به من الموسوعة، ووجدت في بعضها فائدة خاصة ما يتصل بتاريخ النبوءات ومنهجية التعامل معها في تراثنا الإسلامي، كما تصفحت ما تبقي منها علي عجل، وإذا أردت أن ألخص أهم ما فيها- أو المقولة المركزية فيها؛ فأستطيع القول أن الدكتور فاروق الدسوقي بني موسوعته- مشروعه علي أساس أن حرب الخليج الثانية ( التي عرفت بحرب تحرير الكويت ) كانت الجولة الأولى من الحرب العالمية الثالثة، والتي يمكن اعتبارها أم المعارك واللفظ خاض به وأولى الملاحم التي ستعقبها كل إمارات الساعة الصغرى تمهيدا لقيام القيامة، وأن الجولة الثانية ستكون قريبا ( كان هذا قبل غزو العراق عام 2003 ) وستنتهي بانتصار الجيش البابلي المعاصر " جيش العراق" وذلك " بقيادة السفياني " ( ويقصد به الرئيس العراقي صدام حسين ) الذي بشرت به كل النبوءات في العهد القديم وفي القرآن والسنة، حيث سيدخل المسجد الأقصى ويحرره بعد أن يقض على دولة إسرائيل، وهو ما سيتبعه ظهور المهدي المنتظر تمهيدا لنزول المسيح عليه السلام إلى الأرض ثم وقوع القيامة.
لقد قدم الدسوقي في موسوعته سردا تفصيليا لمجمل الأحداث التي ستبقى بعد حرب الخليج إلى قيام الساعة! بل وكان يشفعها دائما بترتيب دقيق لأحداث وشخصيات آخر الزمان حتى نزول المسيح وهو على يقين تام من صحة ما يقول بما جعله يستطيع رسم صورة حديثة مطابقة لكل ما ورد في هذه النبوءات وتصور سيناريو تفصيلي ودقيق لكل أحداث النبوءات وشخصياتها، حتى أن الصورة التي رسمها للسفياني الذي تقول النبوءات أنه سيحرر المسجد الأقصى ويسترد نصف إسرائيل بعد أن يحرق النصف الآخر ( والنصف الذي سيسترده هو أراضي ما قبل 1967) تكاد تنطبق هذه الصورة تماما على الرئيس العراقي صدام حسين! فالنبوءة تقول أن موطنه الأصلي آشور " وهي تكريت مسقط رأس صدام!" وأنه سيعيد بناء مدينة بابل " وهو ما فعله صدام سنة 1983" ويحول نهر الفرات عن مجراه لأول مرة في التاريخ " حدث تحويل المجرى عن منطقة الأغوار سنة 1993 " وأنه سيحارب الروم " أمريكا وحلفاءها " في عمق الجزيرة " السعودية والكويت " في معركة كبرى " أم المعارك " مدة أربعين سوما " وهي مدة القصف الجوي على العراق " ولا ينتصر في هذه المعركة أحد " ودليل على أن قوات التحالف لم تنتصر هو أن نظام صدام مازال مستمرا "! ثم تقسم بلاده بعد الحرب إلى أربعة أقسام دون أن تستقل " كما حدث إبان الحصار الدولي علي العراق "...
ويستمر الدسوقي في سرد كل الملامح والصفات التي تؤكد أن السفياني الذي تبشر به النبوءات هو صدام حسين فيذكر أنه سيخرج عليه رجل من أهل بيته اسمه كاسم أبيه ومكون من ثمانية أحرف ويهرب إلى الشام حسين كامل زوج ابنته الذي هرب بها إلى الأردن". أما صفاتها لجسدية فتكاد تطبق تماما على صدام وكذلك تصرفاته وصفاته الأخرى فالنبوءة تقول أن السفياني سيستولى على الحكم في ثورة يشارك فيها سبعة أفراد يفسرها الدسوقي بثورة البعثثين سنة 1986 التي جاء عن طريقها صدام للسلطة " وأنه سيدخل على أسمن البلاد وهي الكويت طبعا وأنه يكون عصا في يد الأعداء ثم يحولها الله عليهم ويضربهم بها وتفسيرها أن صدام كان ربيبا لأمريكا ثم انقلب عدوا لها.
وعلى هذا المنوال سارت صفحات الموسوعة الضخمة التي يحشد فيها الدسوقي كل الأمارات والدلائل التي تؤكد أن القيامة على الأبواب وهي أمارات قد تكون كل مظاهر الحياة التي نعيشها وكل المخترعات الحديثة مثل الكمبيوتر والأقمار الصناعية ووسائل الاتصال والصواريخ والأساطيل الحربية والتليفزيون والفيديو والمحمول والاستنساخ والهندسة الوراثية والولادة القيصرية.. كل المستحدثات بلا استثناء بما فيها أعمال الدراما والمسرح والسينما والتليفزيون خاصة أفلام الكرتون!.
قبل سنوات التقيت الدكتور فاروق الدسوقي وعرضت عليه مقالة نقدية لمنهجية تعامله – وكثيرين غيره- مع النبوءات، ثم انقطع تواصلنا. ولما سقطت بغداد اتصلت به- تحديدا يوم سقوطها 9 أبريل- لأسمع رأيه في تفسيره لما آلت إليه الحرب علي غير ما قالت نبوءات موسوعته فباغتني برد صارم جازم أن صدّام لم يمت وأنه سيبدأ وقادته الهاربون حرب المقاومة وهو ما تقوله النبوءة!.
انقطعت اتصالاتنا زمنا اندلعت فيه أعمال المقاومة وأثخنت في الأمريكيين ثم ما لبث أن اعتقل صدّام وجري ما رأيناه ورآه العالم من وقائع محاكمته ثم تنفيذ حكم الإعدام فيه. ثم تذكرت موسوعة فاروق الدسوقي من أيام فاتصلت به أسأله عما لديه بعدما سقطت نبوءة موسوعته الكبرى أو مقولتها المركزية..فإذا بالرجل يفاجئني بكل حزم وصرامة أن من أُعدم ليس صدّام حسن وإنما شبيهه وأن ما رآه العالم إنما هو جزء من لعبة القوي العالمية المهيمنة والتي تسيطر علي ما يبثه الإعلام..وأن لديه من النبوءات ما يصف ذلك!
أنهيت المكالمة وصادف أن نزلت أتفقد بعض المكتبات الكبرى في وسط القاهرة فإذا بي أجد دعاية لافتة لكتاب أصدرته مكتبة مدبولي الشهيرة لمؤلف يدعي أنيس الدغيدي يقول عنوانه أن صّدام حسين لم يعدم وأن ولديه لم يقتلا..ويعد داخل الكتاب بوثائق تدعم كلامه!.وحين سألت صديقي مدير النشر بالدار مستفسرا ردّ بأن هذا الكتاب هو الأكثر مبيعا ورواجا منذ إعدام صدّام حسين صبيحة عيد الأضحي!.
الغد الأردنية