إخوان سوريا..قيادة جديدة وأفق سياسي مغلق!
كاتب وباحث في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
تغييرات مهمة شهدتها جماعة الإخوان المسلمين السورية الأيام الماضية بانتخاب مجلس الشورى مراقباً عاماً جديداً يوصف بأنه من تيار الصقور، وهو المهندس محمد رياض شقفة (66 عاماً)، خلفاً للمراقب العام السابق المحامي علي صدر الدين البيانوني (72 عاماً)، الذي أعلن عن تقاعده بعد انتهاء ولايته الثالثة ( 1996-2010).
ويتوقع كثيرون أن الجماعة مقبلة على تغييرات مهمة في مسارها السياسي الذي خطه مراقبها البيانوني، بعد أن سيطر تيار ما يسمي بالمحاربين القدامي على مجلس الشورى الجديد، وهو التيار الذي خاض رموزه المواجهة العسكرية مع نظام البعث أوائل الثمانينيات، ونجح في في الهيمن على قيادة الجماعة فيما اعتبر انقلابا على المسار السياسي الذي رسخه البيانوني والذي سعي فيه لتجاوز المواجهة مع النظام وإنجاز مصالحة معه تفتح الباب لعودة الجماعة للبلاد.
المراقب الجديد الذي انتخب بأغلبية الثلثين، كان من قادة المواجهة العسكرية مع النظام، وسبق أن تعرض لمحاولة اغتيال في العراق عام 2003 اتهمت الجماعة النظام بالضلوع فيها، وقد اختار معه عددا من القيادات المعروفة بمعارضتها لمسار البيانوني، وكانت هذه القيادات وفي مقدمتها نائبه فاروق طيفور قد قادت معارضة واسعة لقرار تعليق الأنشطة المعارضة للنظام أبان حرب غزة مطلع العام الفائت 2009، وهو ما دفع بالحديث عن تغييرات في سياسة الجماعة في الفترة القادمة ..فهل يمكن فعلا أن يقود تيار المحاربين القدامي الذي يرفع شعار العودة إلى ثوابت الجماعة تغييرات ذا بال في المسار السياسي للجماعة؟
يبدو مسار الإخوان السوريين مختلفا عن كل التنظيمات الإخوانية الأخرى، ربما باستثناء حركة النهضة التونسية، فبعد مواجهة دموية مع النظام البعثي وصلت قمتها في مذبحة حماة فاتحة الثمانينيات من القرن الفائت، والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألفا، خرجت الجماعة بالكامل، تقريبا، إلى المنافي لتبدأ مأساة محنة كبيرة ما زالت تعيش فصولها، فثمة آلاف من المفقودين والمعتقلين والمهجرين، تتحمل الحركة مسئوليتهم وتحاول إيجاد مخرج لهم بأى وسيلة وتسوية لأوضاعهم، وثمة ملفات إنسانية كارثية انعكست وما زالت على مجمل قرارات الجماعة واختياراتها في العقود الثلاثة الأخيرة، ولا أظن أن بإمكان قيادة مهما كانت توجهاتها تجاهل هذا في خياراتها السياسية.
بدأ صدر الدين البيانوني ولايته الأولى (1996) بالسعي لإعادة البناء الداخلي للجماعة التي كانت قد انقسمت علي نفسها إثر المواجهات المسلحة التي خاضتها مع النظام، ثم جاءت وفاة الرئيس حافظ الأسد(2000) لتفتح الباب على أمل بعهد جديد حاولت الجماعة فيه اقتناص اللحظة، ورغم تحفظها على طريقة انتقال السلطة إلى بشار الأسد فقد برأته من مسئوليات عصر أبيه وأعلنت عن الرغبة في التعاون معه وقبلت معه بالتدرج في الإصلاح ولم تختلف عن بقية القوى السياسية الأخرى في هذا.
لكن وبداية من 2004 بدا للجماعة أن الوضع السياسي بشكل عام وفيما يتصل بها خصوصا لن يتغير كثيرا، وأن مسار بشار لن يختلف كثيرا ،أقله تجاهها، عن مسار أبيه، فاتجهت الجماعة للتصعيد الذي بلغ ذروته في أبريل 2004 حين شارك الإخوان في إطلاق (نداء الانقاذ) والدعوة لمؤتمر وطني لكل القوي المعارضة، ولم ينته العام إلا والإخوان شركاء في تحالف ( إعلان دمشق ) الذي قام على أساس أن النظام غير قابل للإصلاح وأن إصلاحه في تغييره، وانتقل الإخوان من شعار الإصلاح إلى شعار التغيير: تغيير النظام!
كان المناخ الدولي مواتيا، وكانت الضغوط الأمريكية على أنظمة المنطقة ونظام البعث السوري خاصة في قمتها خاصة بعد إسقاط نظام البعث العراقي 2003، وتصاعدت الضغوط مع هبوب رياح أخرى مواتية تمثلت في اغتيال الحريري 2005 واضطرار النظام السوري لسحب قواته من لبنان تحت ضغط دولي كبير، وانشق عبد الحليم خدام ولجأ إلى فرنسا ليؤسس جبهة الخلاص، ولم يجد الإخوان مانعا في التحالف مع خدام باعتباره من أطراف السلطة التي بدا أنها بدأت تأكل بعضها!
لكن الإخوان السوريون الذين قاموا بواحدة من أصعب اللعبات البهلوانية يمكن أن تقوم بها حركة إسلامية سرعان ما صدموا بتحول كبير كانوا هم أول ضحاياه، لقد تلاشت حمى التغيير وراحت إدارة بوش اليمينية المحافظة، وانتهت القوى الدولية إلى أن الاستقرار في سوريا أفضل من تكرار التجربة العراقية، وأن تحسين سلوك نظام البعث السوري أفضل من تغييره الذي يمكن أن يفجر ملف الأقليات الدينية والعرقية بالبلاد والمنطقة عموما، حتى إسرائيل لم تر ما يغريها بتكرار التجربة العراقية في سوريا.
لقد أجاد النظام السوري توظيف كل الأوراق ليعود أقوى داخليا وإقليميا مما كان عليه، عزز علاقته بإيران وزاد عليها انفتاح غير مسبوق على تركيا اللاعب الأهم في المنطقة، دون أن يخسر كثيرا علاقاته العربية باستثناء مصر التي صار يهدد استحواذها علي الملف الفلسطيني، حتى لبنان التي غادرها مضطرا سرعان ما عادت إليه بعد انقلاب أشد معارضي سوريا واستئنافهم للعلاقات مع النظام السوري وإقرارهم بدوره المركزي في لبنان! ودوليا فقد سلمت معظم القوى الدولية بما فيها أمريكا وفرنسا بالحاجة اللمحة للنظام في الحرب على الإرهاب!. بإزاء ذلك كانت حرب غزة التي شنتها إسرائيل ضد حماس التي تحتضن دمشق قيادتها اللحظة الأنسب للإخوان السوريين لانسحاب يحفظ ماء الوجه من جبهة الخلاص ومن أي معارضة تهدف لإسقاط النظام. فكان قرار تعليق الأنشطة بحجة التفرغ لمعركة المقاومة في غزة!
اعتبرت الجماعة أن هدفها من تعليق الأنشطة المعارضة للنظام كان التضامن مع إخوان فلسطين، الذين تحتضنهم دمشق، ضد العدوان الإسرائيلي، وإعطاء فرصة للنظام لمراجعة موقفه داخليا، والأهم إرسال رسالة للحركات الإسلامية الأخرى التي نعت عليهم ما اعتبرته تشددا يقطع عليهم الطريق لأي وساطة يمكن أن يقوموا بها لدي النظام.
في أبريل الماضي وأثناء رحلة طويلة في أوربا زرت السيد صدر الدين البيانوني في مقره بلندن والتقيت عددا من قادة تياره السياسي وأبرزهم زهير الشاويش، وتحدثنا طويلا حول الجماعة التي كانت مقبلة على انتخاباتها الداخلية، وعليه أتصور أن من التسرع كثيرا القول بأن وضع الإخوان السوريين يبدو من التعقيد بحيث يكون تسرعا الحديث عن تغيرات جذرية في المسار السياسي للجماعة مهما كانت طبيعة القيادة الجديدة.
وإذا كان النظام السياسي التسلطي قد استطاع حرث الأرض سياسيا بحيث قطع الطريق على الإخوان وبقية القوى السياسية فإن الواقع الإقليمي والدولي ليس بألأفضل، على نحو ما أسلفنا، بل يزداد الوضع قتامة إذا ما نظرنا إلى الوضع الإسلامي نفسه، ثمة التباس كبير في موقف الإسلاميين تجاه الإخوان السوريين، بل إن موقف التنظيمات الإخوانية الأخرى يبدو مضادا لهم، لقد نجح النظام السوري ضمن ما نجح فيه في استيعاب الحالة الإسلامية بمجملها وجرها لمربعه بعد أن تموقع فيما صار يعرف بمحور المقاومة والممانعة، وهو ما كف أيدي الإسلاميين والسنتهم عنه إما اقتناعا بدعواه أو ترحيلا للملف برمته.
يشعر الإخوان السوريون أن القوى الإسلامية على اختلافها مغرر بها، ويحملون نقدا عنيفا لها باستنثاء ( حماس ) التي اضطرت- في نظرهم – لما اضطروا إليه حين لجئوا لنظام البعث العراقي هربا من البعث السوري! ولم يفلت الإخوان السوريون مناسبة استضافة النظام البعثي لمؤتمر الأحزاب العربية لينتقدوا القوى الإسلامية التي حجت للمؤتمر وشاركت فيه دون أن ترفع صوتها بقضية الأخوان السوريون أو الملفات الحقوقية والإنسانية الصارخة، بل ودون أي إشارة لمفارقة أن يستضيف البعث السوري مؤتمر الأحزاب العربية وهو يمنع أي تعددية حزبية! وانتهزوا الفرصة لمطالبة الجماعات والحركات الإسلامية برفض زيارة سوريا بدون إصلاح سياسي حزبي داخلي مع التأكيد على قرار تعليق الأنشطة.
المفارقة أن تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم حتى في مصر تقف داعمة للنظام السوري بدون شروط ولو بالتحرك في ملفات آلاف المفقودين والمعتقلين الإخوان أو بإلغاء القانون الذي يقضي بإعدام كل من يثبت انتسابه للجماعة!
حتى صعود حزب إسلامي للسلطة في تركيا لم يأت بأي آثار إيجابية على الإخوان السوريين على رغم الصلات الوثيقة لهم بالعدالة والتنمية ووجود عدد منهم في الدائرة الاقتصادية التي الحزب ممن استقروا بتركيا قبل عقدين.
وأما الوساطات التي يبذلها بعض الإسلاميين فهي لا تأتي بنتائج؛ فالنظام لا يرفضها مبدئيا ولكنه لا يرتب عليها أي إجراء على الأرض، وأبدا لا يمكن الحديث معه بشأن الوضع الداخلي.
ورغم موجة المد الديني التي تجتاح سوريا والتي يعتبرها الإخوان رصيدا لهم فليس للجماعة علاقة تنظيمية بالحالة الإسلامية وليس باستطاعتها التأثير فيه فضلا عن الاستفادة منها في الصراع مع النظام، فأي أوراق يا تري يمكن أن تلعب بها القيادة الجديدة في الصراع؟!
لقد أنجزت الجماعة تحت قيادة البيانوني على مستوى استعادة وحدتها الداخلية التي كانت قد تمزقت في الثمانينيات، وعلى مستوى بناء هياكلها ومؤسساتها التي تعمل بانتظام، أو تطوير رؤيتها الأيدولوجية التي كان ميثاق الشرف الوطني (صدر 2001 ) معبرا عما انتهت إليه من رفض العنف كأداة للتغيير ودولة المواطنة والمؤسسات والتداول السلمي، وحتى الخلاف الداخلي أو الانقسام فقد كان على خلفية عروض النظام للتسوية، تيار البيانوني قبل بالتفاهم إلى أن تبين له عدم جدية النظام، لكن ما كان باستطاعته العودة لحمل السلاح، ولا أتصور أن لدى خصومه ومنهم خلفه ما يمكن أن يفعله في هذا الصدد، ولا أظن أن فكرة العودة لمواجهة النظام تبدو جدية.
---------------------------------------------
- نشر في صحيفة الشروق المصرية 10/8/2010