هل يفتتح المغرب العربي موسم الحوار مع الإسلاميين؟
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ربما كان هذا السؤال الذي يتردد هذه الأيام في ضوء المبادرات الإيجابية التي اتخذتها عدد من الأنظمة العربية تجاه حركات المعارضة الإسلامية فيها والتي فهم منها البعض أنها تؤشر علي اتجاه هذه الأنظمة إلي فتح باب للحوار مع الإسلاميين كان قد ظل موصدا دونهم عقودا كاملة باعتبارهم خطرا استراتيجيا علي استقرار هذه الأنظمة وربما استمرارها.
معظم هذه المبادرات أطلقتها دول المغرب العربي التي ظلت تحكمها علاقة متوترة مع الحركات الإسلامية فيها كما جري في تونس والمغرب وليبيا بل ووصلت في بعض الأحيان إلي حد المواجهة في حرب أهلية كما جري في الجزائر التي خاض فيها الجيش مواجهة عنيفة مع الجماعات الإسلامية.
ففي فترة وجيزة أعلنت ليبيا إلغاء الأحكام الصادرة بحق معتقلي جماعة الإخوان وأصدرت تونس عفوا رئاسيا عن أكبر عدد من المعتقلين من حركة النهضة الإسلامية، وبدأت الجزائر في تطبيق ميثاق الوئام والمصالحة والذي بموجبه أعلنت عفوا يشمل كثير من القيادات الإسلامية التي خاضت الحرب الأهلية وواجهت النظام إبان حقبة التسعينات بمن فيها عبد الحق العيايدة زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة ( جيا )، فيما أرسلت المغرب رسائل إيجابية تؤكد اقتراب حزب العدالة والتنمية الإسلامي من عتبات السلطة وترحب بتكليفه تشكيل الحكومة القادمة في حال فاز الحزب بالانتخابات البرلمانية التي تجري العام القادم- 2007- كما هو في حكم المنتظر.
كل ذلك جري في فترات متقاربة دفعت إلي الحديث عما إذا كنا بإزاء توجه جديد في الأنظمة العربية بدأته الدول المغاربية يعتمد سياسة الحوار والاحتواء مع حركات المعارضة الإسلامية.
أتصور أن المدخل للإجابة علي هذه التساؤلات هو التوقف عند الاهتمام الأمريكي بالمنطقة والذي تصاعدت مؤشراته في الأسابيع الأخيرة فيما تمثل في زيارات لمسئولين سياسيين وعسكريين كبار كان آخرهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي زار المنطقة- المغرب والجزائر وتونس- بوفد أمني وعسكري كبير يضم مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، وقابل كبار المسئولين فيها- خاصة الأمنيين والعسكريين- وأعلن عن أولوية مواجهة الإرهاب وتشكيل تحالف أمريكي مغاربي لهذا الغرض...ثم تلاه حدث بالغ الأهمية حيث استضافت العاصمة الجزائرية الشهر الماضي – فبراير – لقاءا أمنيا ضم 65 متخصصا في الشئون الأمنية ينتمون لوزارات الدفاع ومخابرات دول المغرب العربي- باستثناء المغرب- والساحل الأفريقي وذلك تحت رعاية مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن برئاسة الجنرال كارلثون فولفورد بالتعاون مع المركز الأفريقي للبحوث/ وقد خصص اللقاء لقضية مواجهة الإرهاب.
وهو ما يعزز القول بأن ثمة استراتيجية أمريكية جديدة في التعامل مع الملف الإسلامي في المنطقة- المغاربية بصفة خاصة- قوامها دفع أنظمة المنطقة إلي فتح قنوات اتصال مع حركات المعارضة الإسلامية تخفف من حالة الاحتقان وتقطع الطريق علي نمو تيارات جهادية وتنظيمات عابرة للأقطار يمكن أن تشكل محور جذب للشباب الغاضب من السياسات الأمريكية بما يحول المنطقة إلي خزان لإمداد تنظيم القاعدة بكوادر جديدة؛ ويؤكد ذلك أن اللقاء الأمني الذي شهدته الجزائر كان قد انتهي إلي اعتبار " الجماعة السلفية للدعوة والقتال " الجزائرية أخطر تنظيم إرهابي يهدد المنطقة وينبغي مواجهته...ويعزز هذا أيضا التقارير التي أكدت سعي قيادة القاعدة إلي تسمية ممثلين لها في هذه المنطقة خاصة في المغرب بما يفتح ساحة المواجهة المفتوحة التي تخوضها القاعدة مع المصالح الأمريكية، خاصة مع تعاظم الوجود الأمريكي في المغرب العربي في الفترة الأخيرة بعدما ظلت بلاده منطقة نفوذ استراتيجي لفرنسا لم تفلح في الحفاظ عليها أمام المد الأمريكي...كما يؤكده أن الدراسات التي اشتغلت علي تنظيم القاعدة والجهات التي تمدها بالكوادر أشارت إلي أن الجزائر وليبيا تأتيان في المقدمة وأن الجماعات الإسلامية المسلحة كانت من أكثر جماعات المنطقة العربية حثا لأتباعها علي الالتحاق بالقاعدة في أفغانستان ثم العراق.
يبدو هذا التفسير أقرب إلي الصواب خاصة وأن الاستراتيجية الأمريكية تعطي أولوية قصوي لمواجهة ما أسمته بالإرهاب ومطاردة فلول تنظيم القاعدة وحصرها وقطع طرق الإمداد المادي عنها، غير أن هذه الاستراتيجية تلتقي أيضا مع أوضاع ورهانات داخلية تبدو ملحة هي الأخري علي أنظمة هذه الدول وتدفع باتجاه تغيير ما في سياستها مع حركات لمعارضة الإسلامية التي تمثل القوي الأكبر والأكثر حيوية بين قوي المعارضة السياسية فيها.
كان النظام الليبي- علي عكس ما يبدو- من أكثر الأنظمة ادراكا للتغيرات الدولية في عالم ما بعد 11 سبتمبر وبدء الحرب الأمريكية علي الإرهاب والاتجاه إلي فرض إصلاحات علي المنطقة حتي ولو بالقوة، ووعت مبكرا أن الضغوط الغربية لإقرار حالة من الانفتاح السياسي ستطولها لا محالة فبادرت بالسعي لقطع الطريق علي المعارضة الليبية في الخارج لتحول دون تجمعها في جبهة واحدة يمكن ن يلتئم فيها الشتات الليبيي المعارض في المهجر بما يؤدي الي بروز جبهة ليبية يمكن ان تستفيد من الضغوط الخارجية وتوظفها لخدمة حركة ضغط علي النظام..وكان ان بادرت الي فتح قناة اتصال مع قيادة تنظيم الاخوان في الخارج باعتبار أن المعارضة الإسلامية هي الأكثر أهمية وذات الامتداد الحقيقي في الداخل وأن الإخوان هم في كل الأحوال الفصيل الإسلامي الأكثر اعتدالا والأقل تهديدا للنظام إذا ما قورن بالجماعة الإسلامية المسلحة التي تبدو أكثر تشددا وإصرارا علي توجيه ضربات عسكرية للنظام إلي حد الضلوع في التخطيط لانقلابات وعمليات اغتيال نجحت قوات الأمن في التصدي لها إضافة إلي ما تردد عن مسئوليتها عن أحداث بنغازي الأخيرة التي تحولت فيها المظاهرات المنددة بالرسوم الدنماركية المسيئة للرسول إلي مواجهات قتل فيها عدد من المواطنين .
ويراهن النظام الليبي في توجهه إلي تحسين العلاقة مع الإخوان علي حساسية التيار الاسلامي في مسألة التعاطي مع القوي الدولية واسثتمارها للضغط الخارجي علي النظام، وهو ما يختلف فيه الإسلاميون عن بقية قوي المعارضة العلمانية الأخري التي لم تر مانعا من توظيف الضغوط الخارجية واستثمارها للضغط علي النظام لإحداث إصلاحات سياسية وحقوقية .
وقد بدأ المسعي الليبي بالتصريح المفاجئ والشهير لسيف الاسلام القذافي الذي انتقد فيه المحاكم الشعبية وأعلن عن النية في اعادة النظر في الاحكام التي كانت قد اصدرتها بحق ما يقرب من مائة من قيادات جماعة الاخوان المسلمين كانت قد قضت عليهم بالسجن مددا طويلة وبالاعدام علي عدد منهم..ووعد سيف الاسلام وقتها بضمان محاكمة تستكمل الشروط القانونية وتحترم حقوق الإنسان...وتزامن ذلك مع استقبال العقيد معمر القذافي عددا من كبار الدعاة الإسلاميين والمقربين من الاخوان وعلي رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي وترددت وقتها أنباء عن وجود وساطة لتسوية ملف معتقلي الإخوان .. ثم سرعان ما أعلن الإخوان الليبيون انسحابهم من مؤتمر القوي الليبية المعارضة الذي كانت قد استضافته العاصمة البريطانية لندن مؤكدين علي الالتزام بالخيار الوطني الداعي الي عدم استعداء الخارج علي الداخل او الدخول في تحالفات دولية للضغط علي النظام..
ثم بدأت سلسلة مبادرات ليبية هادئة لإنجاز تسوية لهذا الملف فكانت مفاجاة حضور أحمد قذاف الدم -أبرز أركان النظام- لحفل افطار جماعة الاخوان المسلمين المصرية في رمضان الاخير بالقاهرة وجلوسه الي جوار المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف في أجواء وإشارات لا تخلو من الحفاوة بالمسئول الليبي الارفع في تاريخ علاقات الاخوان بليبيا ..وقد فهم وقتها أن هذا الحضور ياتي في اطار سعي النظام الليبي لوساطة اخوان مصر من اجل اتمام التسوية مع اخوان ليبيا.
باختصار فان التقارب الذي ابداه النظام الليبي مع الاخوان أتي في سياق السعي للحيلولة دون تبلور جبهة رفض واسعة بين معارضي النظام للخارج يمكن ان تلتقي وضغوط غربية وامركية محتملة مستقبلا..وإن كان التقارب لم يسفر عن شيء بعد إلا في اطار تحسن الملف الحقوقي تجاه معتقلي الجماعة.
أما النظام التونسي فلم تكن مبادرته مستبعدة هو الآخر وإن بدت مفاجاة نظرا لاحتدام الخصومة وقطعيتها مع حركة النهضة الإسلامية، فهناك متغيرات مهمة دفعت بالنظام لهذه المبادرة غير المسبوقة، إذ جاءت بعد حركة احتجاج عنيفة شهدتها تونس فقد سبقته تشكل حركة "18 أكتوبر" بقيام 8 معارضين -ينتمون لاتجاهات سياسية وحقوقية مختلفة- بالإضراب عن الطعام لمدة 32 يوما خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2005، احتجاجًا على انسداد سبل الحوار مع النظام، وللمطالبة بحرية التعبير، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وحرية الصحافة وحرية عمل الأحزاب. وهو الاضراب الذي جاء تضامنًا قويًّا من قوى سياسية تونسية في الداخل والخارج بمختلف توجهاتها الإسلامية والقومية والليبرالية واليسارية، كما انضمت إليه أحزاب وجمعيات لم تشارك في الإضراب منذ أيامه الأولى.
كما سبقته سلسلة ضغوط غربية كان أهمها دعوة دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا النظام إلى إجراء مزيد من الإصلاحات السياسية والتعهد باحترام حقوق الإنسان. ثم كانت قمة الضغوط حين خفض عدد من الزعماء الأوربيين مستوى تمثيلهم في القمة المعلوماتية الأخيرة بتونس في نوفمبر الماضي؛ احتجاجًا على ما وصفوه بتدهور أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في البلاد، وعدم الإفراج عن مئات من السجناء السياسيين.
إضافة إلي طلب الأمم المتحدة بإطلاق سراح هؤلاء السجناء قبل القمة المعلوماتية، وهو ما قوبل بالرفض حينها.
لكن هذا وحده لا يفسر الخطوة التي أقدم عليها النظام خاصة فيما يخص معتقلي النهضة الاسلاميين ..فهو ربما يأتي أيضا في اطار استراتيجية جديدة يتبناها النظام للتعامل مع النهضة تقوم علي نقل المعركة الي دخل الجبهة الإسلامية نفسها انتظارا لحدوث انشقاق داخلي يعيد تفكيك لغم النهضة الذي مازال يصيب النظام بالقلق.
لقد سعي النظام التونسي إلي ملاحقة قيادات النهضة الهاربة الي اوربا قانونيا لكنه فشل مرارا خاصة بعد رفض الدول الأوربية تسليم قادة النهضة ومنها بريطانيا التي امتنعت عن تسليم زعيم النهضة راشد الغنوشي الذي ينتظره حكم بالإعدام . كما فشل النظام أيضا في تصفية هذه القيادات بعدما أخفقت اكثر من عملية تصفية قام بها من يشتبه بصلتهم بالامن التونسي منها محاولتين أثناء اداء الغنوشي للعمرة والحج.
لقد وجد النظام نفسه وقد تغيرت خريطة السياسية العالمية من حوله وتبدلت أجواء حرب الخليج الثانية التي استثمرها النظام لمصلحته في قمع وملاحقة النهضة وصارت هناك قناعة بضرورة أن يبدأ النظام فتح ملفات الاسلاميين المؤجلة..ودائما ما سعي النظام التونسي إلي تأجيل فكرة الحوار مع حركة النهضة في ظل بقاء القيادات التاريخية وعلي رأسها الغنوشي انتظارا لتغيير فيها وهو ما يبدو أنه قرر أن يعجل به سلما بعدما فشل فيه بالقوة.
فقد شهدت حرك النهضة في الفترة الاخيرة دعوة بعض القادة من الجيل الوسيط الي تغييرات في هيكل القيادة بما يسمح بضخ دماء جديدة, بل وطالب البعض ربما لاول مرة الشيخ راشد الغنوشي مؤسس الحركة ومفكرها وزعيمها الاول بترك القيادة والاكتفاء بالدور الفكري كمرجعية للحركة..وهو ما يعزز من القول بأن النظام دخل علي الخط في هذه النقاشات ووجد فيها فرصة سانحة يمكن استثمارها لتعميق شقة الخلاف فبادر باطلاق سراح بعض القادة التاريخيين الذين يمكن أن يكون تواجدهم معمقا لهذا التوجه مثل عبد الفتاح الجبالي مدير تحرير صحيفة الفجر الناطقة باسم الحركة..خاصة وأن الافراج عنهم سيفتح الباب مجددا حول أولوية الداخل عن الخارج في توجيه الحركة ويجدد النقاش حول تجديد القيادة، كما ينتظر أن يكون قادة الداخل أقل ممانعة من قادة الخارج ...وفي كل الأحوال لا يمكن الحديث عن تغير استراتيجي في سياسة النظام التونسي مع حركة النهضة الإسلامية المعارضة.
في الجزائر يبدو أن النظام تأكد له أن أي تأسيس لشرعية جديدة لا يمكن إلا أن يمر عبر طي صفحة الحرب الأهلية، ولم يكن بالإمكان إنجاز المصالحة إلا بالقانون الذي يطال بالعفو من شاركوا في هذه الحرب التي تولدت عنها ما يقرب من مائتي ألف قتيل..ربما يبدو ظاهريا أن المصالحة فتحت الباب واسعا للإسلاميين الذين شاركوا في المواجهات بمن فيهم قيادات بارزة كانت قد شاركت في مذابح بحق الجزائريين في مقدمتهم عبد الحق العيايدة وهو ما أثار غضب ورفض الكثيرين باعتباره قد صدر بحقه أحكام نهائية بالإعدام..غير أن الحقيقة تؤكد أن الهدف لم يكن مكرمة يتكرم بها النظام علي خصوم الأمس الذين كادوا يقتلعونه من جذوره بقدر ما هي ضريبة تسوية ملف بالغ الخطورة علي النظام نفسه يمكن إذا ما تأجلت تسويته أن يقتح مجددا في ظروف أخري تتوفر فيها رغبة دولية من شأنها – وقتئذ- أن تجعل أركان النظام نفسه محل مسائلة خاصة إذا ما علمنا أن عددا من كبار جنرالات الجيش وأركان الحكم السابقين وربما الحاليين توجه لهم اتهامات بالمسئولية وأحيانا المشاركة في جرائم الحرب الأهلية.
قرار العفو يجب أن ينظر إليه أيضا في ضوء الاتفاق المشترك بين النظام الجزائري والإدارة الأمريكية علي عدو واحد هو الجماعة السلفية للدعوة والقتال ( جسدق ) والتي يلتقي الطرفان علي أنها الأخطر في الفترة القادمة علي مصالح الطرفين...فالجماعة السلفية- تأسست عام 1988كإطار بديل عن الجماعة الإسلامية المقاتلة- رغم أنها لا ترتبط تنظيميا بتنظيم القاعدة ولا تبايع أميره الشيخ أسامة بن لادن إلا أنها تقف علي نفس الأرضية العقائدية- السلفية الجهادية- وتتبني نفس المشروع السياسي الذي يرمي إلي فتح جبهات قتال واسعة مفتوحة بعرض العالم ضد الأمريكان والأنظمة " العميلة " لها في المنطقة وعلي رأسها النظام الجزائري، وأخطر ما تقوم به هذه الجماعة أنها أعلنت الجزائر محطة للجهاد والتدريب لكل الشباب المسلم في الجزائر وما يحيط بها بحيث يمكن للشاب المسلم أن يلتحق بها من أي بلد مجاور للتدريب وإطلاق طاقاته الجهادية ثم هي لن تجبره علي ساحة بعينها للجهاد بل ستترك له الخيار وإن كانت تنصح بأن يختار المجاهد أقرب الساحات المفتوحة علي أمريكا ومصالحها ميدانا لجهاده.
وبقدر ما يثير ذلك التحول الاستراتيجي – من حركة معارضة محلية إلي حركة عالمية- القلق لدي النظام الجزائري الذي يخشي أن تصبح بلاده قاعدة لتجمع المقاتلين بما يمثل شرارة لعودة العمليات العسكرية،فإنه يبث الرعب كذلك في الإدارة الأمريكية من أن تصبح المنطقة قاعدة لجمع وتدريب الشباب الإسلامي الراغب في منازلتها، وهو ما يمثل بيئة مواتية لعمل القاعدة ويفتح موردا جديدا بضخ الكوادر في التنظيم الذي يخوض معها مواجهة مفتوحة في كل مكان... التحولات الأخيرة تزيد من القلق حيث توسعت عمليات الجماعة لتطال ثكنات علي الحدود الموريتانية كما ضمت في صفوفها عددا من الشباب القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء وكان آخر بياناتها دعوتها شباب المنطقة ( أبناء طارق بن زياد ) إلي اللحاق بأرض الجزائر ( أرض الإعداد والجهاد ) للانطلاق منها إلي ملاحقة أمريكا وحلفاءها في كل أنحاء العالم.
يبدو المغرب الأكثر استقرارا وقدرة في إدارة ملف جماعات المعارضة الإسلامي قي ظل ملكية منحت البلاد قدرت من الاستقرار لم يتوفر للجمهوريات المغربية المجاورة، غير أن تطورات ملف المعارضة الإسلامية ربما دفعت هي الأخري بالنظام إلي المبادئة والمبادرة قي اتجاه اسيتعاب المعارضة الإسلامية.
فهناك مؤشرات كثيرة تؤكد علي أن السلفية الجهادية شهدت علي غير المتوقع رواجا كبيرا لها في أحزمة الفقر والتهميش التي تحيط بالمدن الرئيسية، كما أنها كسبت أنصارا استطاعت تنظيمات جهادية وتابعة للقاعدة أن توظفهم في عمليات عسكرية كالتي شهدتها العاصمة الأسبانية مدريد بل وعاصمة المغرب الاقتصادية الدرا البيضاء في أحداث مايو قبل الماضي، وتحدث تقارير أخبارية عن أن القاعدة توشك أن تفتتح لها فروعا قطرية وتسمي قيادات لها بالمغرب.وهو ما أثار جدلا واسعا في المملكة المغربية التي ظلت متجانسة دينيا وبعيدة عن مد التيار السلفي بشقيه العلمي والجهادي ودفع بالدولة التي تؤسس مشروعيتها علي أسس دينية ( الملك هو أمير المؤمنين وحامي الملة والدين ) إلي التحرك لمواجهة المد السلفي الذي يهدد تجانسها الديني ويضرب في عمق شرعيتها..فبدأت التحرك أولا في اتجاه مواجهة سريعة مع قيادات هذا التيار الذي أخضعت عددا من رموزه للاعتقال والملاحقة – فيما عرف بقضية السلفية الجهادية – كما اتجهت إلي صياغة مشروع جديد يؤكد علي خصوصية النموذج الديني للمغرب ويسعي لإبعادها عن المد السلفي وهو المشروع الذي قدمته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية وعرف بمشروع إعادة هيكلة الحقل الديني والذي يحدد ثلاث قواسم رئيسية تؤسس للنموذج الديني الذي لا تقبل المغرب بسواه وهي : المذهب الأشعري في الاعتقاد والمذهب المالكي في الفقه والتصوف علي طريقة الجنيد ح التصوف السني- في السلوك والأخلاق. وتحددت الثلاثة باعتبارها محل إجماع من كل التيارات والمؤسسات الدينية بالمغرب.
وربما يأتي في سياق المواجهة مع تيار السلفية الجهادية والسعي إلي تأكيد شرهية النظام العلوي الحاكم الاتجاه إلي فتح الطريق واسعا لاستمرار استراتيجية إدماج المعارضة الإسلامية المعتدلة أو غير الجذرية في معارضتها والتي تحظي بقبول غربي وأمريكي مثل حزب العدالة والتنمية بل وعدم الممانعة في أن تتولي الحكومة وتشترك في إدراة البلاد..والموضوع الأثير الآن في الأوساط السياسية المغربية هو تزايد فرص العدالة والتنمية الإسلامي في تشكيل الحكومة حال فوزه بأغلبية الانتخابات البرلمانية التي تجري العام القادم، وهو ما تؤكده اسنطلاعات للرأي كان آخرها ما أجررع مركز الدراسات التابع للحزب الجمهوري الحاكم في أمريكا والذي أكد فرصة فوز الحزب بنسبة ما بين 47-49% من أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة ..
حتي الآن لم يظهر القصر ممانعته تكليف الحزب الإسلامي مهام تشكيل الحكومة حال فوزه، وتبدو مؤشرات قبوله هي الأرجح، فالحكومات في المغرب تنفيذية لا تغير كثيرا من السياسات والتوجهات العامة للنظام الملكي الذي يملك ويحكم ويحوز كل أوراق اللعبة، كما أن العدالة والتنمية حزب يقر بشرعية النظام كاملة – بما فيها الشرعية الدينية – وربما كان استيعابه كاملا هو الطريق الأمثل لمواجهة خصم النظام الأكبر؛ جماعة العدل والإحسان أكبر الجماعات الإسلامية تنظيما وجماهيرية وهي المواجهة التي يمكن أن تزيد فرص النظام في حسمها إذا ما قام باستدعاء لاعب من نفس الخلفية الأيدلوجية.
إذن؛ فمهما تعددت أسباب الحوار والتقارب بين الأنظمة المغاربية والحركات الإسلامية المعارضة فإن الاستراتيجية تبقي واحدة وكذلك الخوف يبقي واحدا...من أن تأتي هذه الحركات بديلا عن الأنطمة!