الظواهري وخطاب " حال " القاعدة!
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يستحق الخطاب الأخير لأيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة التوقف عنده كثيرا بالتحليل والدراسة، أهمية الخطاب المعنون ب(خمسة أعوام على احتلال العراق) تتجاوز أهمية مضمونه وما تطرق إليه من قضايا، خاصة ما يمكن أن يكشف عن طبيعة العلاقة بين القاعدة وإيران.
أتصور أن أهمية الرسالة الأخيرة للظواهري أنا تأتي لترسخ تقليدا أخذ شكل الثبات في العامين الأخيرين بحيث تطل من خلاله القاعدة بشكل شبه دوري لتعلن للعالم رأي التنظيم فيما يستجد من الأحداث والمناسبات المهمة خاصة ما يتصل منها بالعالم الإسلامي، وذلك وفق أهمية الحدث أو المناسبة ورمزيته وحسبما تسمح به الظروف الأمنية.
ومن ثم يمكن قراءة رسالة الظواهري ( خمسة أعوام على احتلال العراق ) على مستويين يتكاملان في بيان تطور خطاب القاعدة وإستراتيجيتها يتعلق المستوى الأول بإستراتيجية تعامل القاعدة مع العالم فيما يتصل الثاني بإستراتيجية إدارتها الداخلية للتنظيم.
قطب ثان في مواجهة القطب الأوحد!
المستوى الأول الذي يمكن أن نقرأ فيه رسالة الظواهري الأخيرة وما سبقها وربما ما سيليها من رسائل هو مستو عام يتصل بإستراتيجية التنظيم في علاقته بالعالم؛ حيث تسعى القاعدة إلى تقديم نفسها باعتبارها قطب المواجهة المفتوحة والشاملة وغير القابلة للتفاوض مع الولايات المتحدة، وإذا كانت الولايات المتحدة كما يقدمها خطاب القاعدة هي (عدو الأمة) و زعيمة العالم الغربي الصليبي والتي تريد الانفراد بقيادة العالم وإخضاعه لسياساتها ومصالحها فإن القاعدة هي القطب الثاني الذي يتولى عبأ مواجهتها ومنازلتها بطول العالم وعرضه.
وفي هذا السياق/ سياق المواجهة بين قطبين للصراع يصبح طبيعيا أن يكون هناك ما يمكن أن نسميه بخطاب "حال القاعدة" في مقابل وعلى غرار خطاب حال الاتحاد الأمريكي والذي يقدمه أسبوعيا الرئيس الأمريكي وكلاهما يعرض الموقف من القضايا والأحداث ذات الطابع الاستراتيجي، وهنا يمكن أن نلحظ الذكاء والحنكة التي يتمتع بها الظواهري في اختيار أهم القضايا والأحداث الإستراتيجية التي تهم مجمل الأمة الإسلامية أو تلك التي اصطلح على تسميتها ب(قضايا الأمة)، لذا سنلاحظ أنه خصص خطابه الأخير في مجمله للتعليق على ذكرى مرور خمس سنوات على احتلال العراق ( هل فعلها أي من الزعماء العرب؟ ) ويعرج بشكل أكثر تفصيلا وفي لغة إستراتيجية لقضية إيران وعلاقتها بالعالم العربي السني وتمددها في مناطق فراغه، بل وسنراه يعرج على قضية أزمة الخبز وإضرابات عمال شركة الغزل والنسيج في مدينة المحلة وهي قضية غير سياسية ومما لم يكن له أولوية في أجندة القاعدة أو حتى غيرها من الجماعات الإسلامية فقط لأنها صارت تحتل صدارة المشهد في بلده مصر (ولها دائما أولوية في خطاباته)، فإذا به يعطي للقضية الاقتصادية الاجتماعية بعدا سياسيا بل وعالميا، ويربطها بذكاء بصلب مشروع تنظيم القاعدة حين يرجع الأزمة كلها إلى ما يعتبره مشروعا أمريكيا لتجويع الأمة تتواطأ فيه الأنظمة الحاكمة ( العميلة بنظره ) مع أعداء الأمة، ثم يربط في ذكاء مرة أخرى بين أزمات الأمة في أكثر من بلد مؤكدا على وحدتها فيقول أن من جوّع أهل مصر هو من شارك في حصار أهل غزة وتجويعهم!.
إن الظواهري يحاول حشد الشارع العربي وراءه أو يحاول استعادته من الانشغال بتفصيلات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى الاهتمام بالسياق الأكبر لها، ومن ثم فهو يحاول بمهارة أن يمد مشروعه بوقود جديد يغذي مواجهته سواء مع الأنظمة الحاكمة في العالم العربي أو مع الولايات المتحدة. ولكن دون تعسف أو تمحل يوقع به في دائرة الاتهام بالانتهازية ومحاولة السطو على نضال العمال والحركات الاحتجاجية، فالرجل أبقي نفسه وتنظيمه بعيدا ولم يدّع أي دور أو فضل في هذه النضالات.
ضرورات الانتقال إلى تنظيم غير مركزي
المستوي الثاني لقراءة رسائل الظواهري وخاصة رسالته ( في الذكري الخامسة لاحتلال العراق ) فهو يتصل بتنظيم القاعدة نفسه وطبيعة العلاقات التي تحكمه، فالتنظيم الذي استطاع تصدر واجهة العمل الجهادي المسلح في العالم مر في عمره القصير (أكمل عشر سنوات في فبراير الماضي) بتطورات كبيرة حيث شهد عددا من التحالفات تطورت إلى الاندماج مع عدد من التنظيمات الجهادية المحلية وهو ما تولد عنه فروع محلية وإقليمية تحمل اسم القاعدة ( تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، القاعدة في بلاد الشام، القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي..) ولقد أدت هذه التطورات المتسارعة إلي أن يفقد التنظيم مركزيته ويتحول إلى ما يشبه الفكرة التي ينتشر وكلاؤها في مناطق مختلفة، ومن ثم صار هذا التنظيم غير المركزي بحاجة ماسة إلى متابعة دورية لضبط خطه أو توجهه الفكري إذا ما اعتبرنا أن التحولات التي ذكرناها تجعله ضبطه تنظيميا صعبا إن لم يكن مستحيلا.
وفي هذا الوضع يأتي أيمن الظواهري قائدا ومنظرا أيدلوجيا يمكنه أن يقوم بهذا الدور بامتياز؛ فهو الرجل الثاني في هرم التنظيم بعد زعيمه الشيخ أسامة بن لادن وصاحب التأثير الأكبر في التنظيم سواء في تحويله من مجرد فكرة إلى تنظيم محكم أو في قراراته وتطوراته الكبرى، كما أنه يبدو المؤهل الأول للعب هذا الدور بسبب التطورات داخل التنظيم في السنوات الأخيرة حيث شهدت القاعدة غياب عدد من القادة الكبار الذين كانوا يمدون التنظيم بذخيرته الفكرية والشرعية ويرسمون له إستراتيجيته ويحددون له أيدلوجيته، فغاب عن تنظيم القاعدة بالقتل أو الاعتقال أو المراجعات الفكرية والفقهية عدد من أهم منظريه وقادته الأيدلوجيين مثل أبو محمد المقدسي وسيد إمام الشريف وأهمهم على الإطلاق أبو مصعب السوري صاحب كتاب دعوة المقاومة الإسلامية العالمية.
وإن التطورات الداخلية في تنظيم القاعدة مسئولة إلى حد كبير عن الظهور المتواصل والمنظم للظواهري كما يذهب إلى ذلك عدد من المختصين ( مثل الباحث الأردني محمد أبو رمان )، فتوسع القاعدة كتنظيم عالمي يفرض على قيادته( ممثلة في الظواهري ) العمل باستمرار على بيان الخط الأيدلوجي للتنظيم وتطويره وضبطه كلما استدعت الحاجة وخاصة في الأحداث والمناسبات الفارقة أو ذات الأهمية الرمزية، ويزيد من ضرورة ذلك تآكل طبقة المنظّرين والأيدلوجيين في التنظيم وغياب الكثير منهم، إضافة إلى ضعف التنظيمات أو المجموعات الجديدة المندمجة مع القاعدة وعدم توفرها على نفس الخبرة السياسية ونفس متانة البناء الأيدلوجي الذي وصل إليه التنظيم الأم.
وفي هذه الظروف يتعزز دور أيمن الظواهري وموقعه داخل تنظيم القاعدة كمنظر له ومحدد لتوجهاته بل وصانع لأيدلوجيته في مقابل استقرار أسامة بن لادن على رأس التنظيم كقائد له كاريزميته وحضوره الرمزي محل الاتفاق والإجماع بين أعضاء القاعدة ومحازبيها.