"شيخ العرب" مهدي عاكف
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
منذ تولي منصبه قبل أربع سنوات، والأستاذ مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين، لا يتوقف عن إثارة النقاش، والجدل كما لم يفعل غيره، بما يجعله دائما في قلب الحدث، وصدارة المشهد السياسي في مصر بقصد منه، أو بغير قصد.
أكتب هذا المقال وأنا علي سفر متوقعا اندلاع حملة إعلامية عنيفة علي الرجل، وعلي جماعته التي ستتهم بالعنف المؤجل أو أنها الوجه الآخر للقاعدة أو ربما اتهمت بأنها خلاياها النائمة، التي تنتظر التحرك!.
من قبل أثارت تصريحات الأستاذ عاكف وما يقوله في حواراته المثيرة دائما الجدل وجرت عليه وعلي الجماعة حملات إعلامية شرسة فهو صاحب مقولة ( طز في مصر) و(رئيس ماليزي لمصر) وهو صاحب الإعلان عن استعداده لتجهيز وإرسال (عشرة آلاف جندي من الإخوان لقتال الصهاينة) وهو كذلك صاحب مقولة أنه ( ليس من حق أحد من الشعب أن يسأل الإخوان عن تمويلهم إلا إذا كان عضوا بالجماعة)! وغير ذلك من التصريحات غير المعتاد الإدلاء بها سواء من قادة القوي السياسية المعتبرة وبشكل خاص من قادة الإخوان المسلمين الذين - فيما أعتقد - صاروا أكثر حذرا بعدما صار علي الكلام جمرك وجمارك مضاعفة إذا ما كان علي كلامهم.
من حق رجال الصحافة والسياسة أن يساءلوا الرجل ويقيموه وأن يقيموا في كل مرة يتكلم فيها مأتما وعويلا فيحتجوا علي ما قال ويستنطقوه بما لم يقل مما تحتمله طريقته في الكلام؛ فقد وقع عاكف في عثرة لسانه وهم قد اقتنصوا منه ما يسمح لهم بالتأويل والتقويل!.
غير أنني لن أشاركهم هذا الفعل لاعتبارات بعضها أخلاقي والبعض الآخر وهو الأهم يتصل بأهمية قراءة شخصية الرجل والتعرف عليه وهو ما يتيح لنا أن نضع كلامه في موضعه ونفهمه علي الوجه الذي يقصده.
تقريبا كنت أول من حاور الرجل بعد توليه منصب المرشد العام، وقبلها كنت أول من حاوره بعد خروجه من السجن عام 1999 بعد ثلاث سنوات قضت عليه بها المحكمة العسكرية، بمجرد أن توافق عليه مكتب الإرشاد ( ظهر الأربعاء 14 يناير2004 ) حتي حصلت علي موعد صبيحة اليوم التالي، ودار بيننا حوار طويل لم يزدني به معرفة وإن كنت خرجت بقناعة مؤكدة أن الرجل سيجر علي جماعته وعلي نفسه قبلها حروبا ومعارك طاحنة وهو ما قلته لأحد الأصدقاء الإعلاميين من الإخوان يومها.
الأستاذ عاكف يشتغل في السياسة بعفوية أهل الريف وبساطتهم، ويتعامل فيها بطريقة انتهت تقريبا بين السياسيين؛ حيث يدير الجماعة ويمثلها ويتحرك بها علي طريقة «العمدة» أو «شيخ العرب»، وهو ما وصفته به قبل أربعة سنوات في أول مقال كتبته بعد توليه منصب المرشد.
وقتها أثار لقب «شيح العرب» الذي وصف به الأستاذ عاكف غضب الإخوان ظنا منهم أنني أتهكم علي الرجل أو ألمز في شخصه؛ وهو ما أترفع عنه مع من في سنه ومقامه، ثم جاءت الأحداث لتؤكد لي ما قلت: هو فعلا عمدة أو شيخ عرب مفترض أن يدير جماعة سياسية في مناخ من التوتر والقلق وعالم يعد عليها الكلمات والأنفاس!
أذكر أنه صرح مرة بأنه «وراء مشروع حزب الوسط وصاحبه!»؛ وتسبب بتصريحه في معركة ساخنة وصلت بها جماعة الوسط إلي المحاكم؛ فقد كان في التصريح ما يرون أنه يضرب مشروعهم في مقتل ويضيع جهودا مضنية بذلوها للتأكيد علي استقلاليتهم عن الإخوان. في هذه الأثناء جاءت مناسبة زواج ابنة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في أحد مساجد مدينة نصر وكان الحضور كبيرا وما إن دخل الأستاذ عاكف فوجد المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط جالسا حتي أتاه وقال له بطريقة ريفية ظريفة وفيها ود: قم يا واد انت اسلم عليك ! ثم أخذه بالأحضان منهيا خلافا وصل للمحاكم وأشعل معركة حامية الوطيس!
مهدي عاكف رجل طيب بمعني الكلمة وطيبته أو مصيبته إن (اللي في قلبه علي لسانه)، فرغم ذكائه غير المنكور، إلا أنه ما إن يبدأ حوارا حتي يدخل في حالة بساطة ورحرحة ينسي فيها أنه رأس أكبر تنظيم سياسي في مصر وزعيم أكبر جماعة إسلامية في العالم ويتعامل كما لو كان "بلديات" يتسامر معك في دوّار العائلة أو زميل عمل يتونس معك أثناء الراحة أو جار في الحي يلعب معك دور دومينو أو طاولة وقد تحتدم المنافسة فيشد عليك في الكلام: يتعصب، يتنرفز، يفضفض عن نفسه يفرغ غضبه بكلمتين!
بهذا المنطق فقط أستطيع أن أتصور كيف قال عاكف «طز في مصر» وأفهم ما يعنيه بـ«رئيس ماليزي لمصر».. الرجل لم يكن يوما خارجا عن الوطنية فقد تطوع للقتال في حرب فلسطين وفي حرب القناة ولم يزل شابا، كما أن الذي يرفض التنازل عن الدور المصري في قيادة جماعته لصالح غير المصريين لن يبحث عن ماليزي لقيادة البلد، ولو كان سيفعلها لفعلها وتنازل وإخوان مصر عن منصب المرشد لمن طالبوا مرارا بإنهاء احتكار المصريين لهذا المنصب!
مهدي عاكف رجل طيب بالفعل، وأعتبره من أكثر الإخوان طيبة وعفوية بل وهو عندي أقرب للإنسان المصري من بقية الإخوان خاصة الذين تحولوا إلي كائنات سياسية تلف وتدور بك وتأخذك إلي البحر و«ترجع بك عطشان» وتعطيك من طرف اللسان حلاوة وتروغ منك كما يروغ الثعلب. الساسة أو الكائنات السياسية التي نعيش بينها الآن اعتادوا أن يقولوا لنا أشياء لا يؤمنون بها وقد لا يعرفونها فضلا عن أنهم- وهو المؤكد- لن يطبقوها.. أما عاكف فرجل مازال علي كبر سنه وتجربته السياسية لا يقول إلا ما يعتقده، وهو بخلاف كثيرين غير قادر إلا أن يفعل ذلك رغم ما يجره عليه من وجع رأس.
الرجل فعلا كان بوده لو استطاع أن يرسل عشرة آلاف جندي لقتال الصهاينة كما بود الملايين حتي من الساسة المصريين والعرب الذين يمنعهم فقط الخوف من التعبير بذلك، وعاكف مثل الملايين بل مئات الملايين ممن يرون أسامة بن لادن كمجاهد يبتغي مرضاة الله .
كثيرون من رجال السياسة والحكم والمثقفين والمفكرين يحترمون بن لادن ولا يحبون الإساءة له ويمجدونه باعتباره رجلا ترك حياة الدعة والراحة ونذر نفسه لمقاومة أمريكا وحلفائها في العالم ودفع في سبيل ذلك كل ما يملك وهو كثير. حتي من يختلفون مع بن لادن يختلفون في تقديرهم وسائله وطرقه وليس في أنه صاحب مبدأ ولكن سطوة أمريكا تمنعهم من ذلك.
أعرف وزيرا عربيا سابقا كان إذا جلس مع المقربين منه أبدي تبجيله واحترامه لأسامة بن لادن مؤكدا أن الأمة لم تنجب مثله وأنه زعيمها الحقيقي، وأذكر أن صحفيا كبير ورئيس تحرير لصحيفة مهمة لما سمع بقتل الزرقاوي أغلق عليه باب مكتبه وأجهش بالبكاء، بل وأتذكر أننا كنا في بيت أحد أبرز المفكرين العرب بعد تفجيرات سبتمبر وإذا به يفاجئ الجميع بإعلان تقديره لبن لادن وتأييده لما فعل!.
كل هؤلاء يفعلون ذلك سرا، ووحده مهدي عاكف بين الساسة من يعلن رأيا بهذه الخطورة وهو علي رأس جماعة تحت عين وبصر القوي الإقليمية والدولية، مشكلة الأستاذ عاكف أنه كلما غرق في السياسة وإكراهاتها وأجوائها كلما حن إلي حياة الفطرة والبساطة فأطلق تعبيرا أو قال رأيا يعبر عن هذا الحنين..بالقطع سيخسر الرجل كثيرا في السياسة وبين أهلها ولكنه سيكسب أكثر لدي الذين لم يعودوا ينتظرون منها شيئا؛ وهم كثر!