الإخوان المسلمون وسؤال الديمقراطية الداخلية
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
جماعة الإخوان المسلمين أمام تحد من نوع مختلف لتداعيات الأحكام العسكرية الأخيرة بحق عدد من أبرز قادتها، وهو تحد يتصل بما يمكن أن نعتبره أزمة داخلية هيكلية يعاني منها مكتب الإرشاد.
فالحاصل أن هناك الآن نحو نصف العدد القانوني لهيئة المكتب غائب أو مغيب بما يحول دون حضوره جلسات عمل المكتب ومن ثم مشاركته في اتخاذ القرارات في الهيئة الأعلى والأكثر تأثيرا في الجماعة.
فالمحكمة العسكرية قضت بسجن اثنين من أعضاء المكتب هما المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد ( 7 سنوات ) والدكتور محمد علي بشر ( 3 سنوات )، كما اعتقلت السلطات عضوا ثالثا هو الدكتور محمد بديع، وفي حين يعاني الأستاذ لاشين أبو شنب مرضا يقعده تماما عن الحركة يكاد يمتنع ثلاثة من أعضاء المكتب عن الحضور ( الأستاذ محمد هلال والشيخ عبد الله الخطيب والحاج صبري عرفه الكومي ) لأسباب تتعلق بكبر السن أو السكن خارج القاهرة أو بعدهم عن أجواء العمل أو موقفهم منه أو للأسباب السابقة مجتمعة.أي أن سبعة أعضاء يمثلون أكثر من نصف العدد الذي تحدده اللوائح لعضوية مكتب الإرشاد ( 13 عضوا ) لا يشاركون في اتخاذ القرار في إدارة الجماعة وتوجيههاّ
لائحة الجماعة تنص على أن عدد أعضاء مكتب الإرشاد (إضافة إلى المرشد العام) هو ثلاثة عشر عضوا فقط ينتخبهم مجلس شورى الجماعة، وأن مدة كل عضو أربعة سنوات قابلة للتكرار في حال إعادة انتخابه، وأنه في حال خلو مكان العضو يحل بدلا منه الذي يليه في عدد الأصوات التي نالها من مجلس الشورى، وأن القرارات تكون بالأغلبية المطلقة.
والواقع كله مخالف للائحة الجماعة تقريبا منذ عام 1995، فقد أوقفت الاعتقالات والمحاكمات العسكرية التي جرت في 1995 كل الحراك الداخلي في الجماعة إذ توقفت الانتخابات تماما داخل الجماعة وهي التي كانت تبدأ من الشٌعب ثم تمر بالمكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات ثم تصل إلى مجلس الشورى الذي ينتخب من أعضائه مكتب الإرشاد.
بدأ ذلك مع أكبر ضربة للجماعة في بداية عام 1995 والتي افتتحت مسلسل المحاكمات العسكرية التي كان أخر فصولها قبل أيام وإن لم يكن مؤكدا أنه الأخير!
فبدلا من الانتخابات الداخلية على مستويات الجماعة المختلفة وخوفا ( أو تخويفا ) مما قد يترتب عليها أمنيا من إجراءات عقابية لجأت قيادة مكتب الإرشاد إلى حل توافقي داخل هيئة المكتب يتم في ضوئه تصعيد أعضاء جدد يحلون بدلا من أعضاء المكتب الذين خلت مقاعدهم إما بالاعتقال الطويل أو السجن العسكري كما جري في حالة عبد المنعم أبو الفتوح وخيرت الشاطر ومحمد على بشر ومحمود عزت..بل ومهدي عاكف نفسه أثناء سجنه ثلاث سنوات عام 1996..
وقد أدى ذلك أولا إلى تضخم عدد أعضاء المكتب عما حددته اللائحة ( 13 عضوا) فزاد إلى خمسة عشر خصوصا مع اتجاه الجماعة إلى الإبقاء على عضوية هؤلاء المعتقلين، كما أنه جعل عضوية كل أعضاء المكتب بلا استثناء غير شرعية بمعايير الجماعة نفسها إذ أنها تخالف لوائحها التي تقول أن العضوية بالانتخاب وأن مدتها أربع سنوات ولا يجددها إلا الانتخاب. فمعظم أعضاء المكتب لم يحصل على عضويته بالانتخاب من مجلس الشورى خصوصا الذين التحقوا به بعد انتخابات عام 1994، وكل أعضاء المكتب بمن فيهم القدماء مثل أبو الفتوح وعاكف تم التجديد لهم دون العودة إلي مجلس الشورى بالمخالفة للائحة.
أما الأشد خطورة فهو أن كل الذين تم تصعيدهم لعضوية مكتب الإرشاد في هذه الفترة كانوا يمثلون اختيار التيار المهيمن علي المكتب دون أن يعني ذلك أن لهم من القبول لدي القواعد أو حتى الحضور والمعرفة والتأثير ما يرشحهم لهذه العضوية؛ فقط هم اختيروا وفق إرادة التيار الأقوى في مكتب الإرشاد وهو تيار محافظ أو تقليدي يمثله رجال التربية والتنظيم مثل الدكتور محمود عزت والشيخ عبد الله الخطيب.
اضرب مثالا بالدكتور محمد مرسي الذي تم اختياره عضوا بتوافق داخل مكتب الإرشاد قاده التيار المحافظ والمسيطر بدلا من الدكتور عصام العريان المحسوب على تيار الانفتاح والعمل العام، وأسندت إلي مرسي مهام الإشراف على المكتب السياسي الذي يرأسه العريان رغم أن خبرة العريان وحضوره وتأثيره أكبر مقارنة بحداثة عهد مرسي مع الجماعة ( التحق بها بعدما صار أستاذا جامعيا ) وحداثة تجربته السياسية حيث لم يظهر فيها إلا بعد نجاحه في برلمان 2000 وتوليه رئاسة فريقها البرلماني. في حين يعرف العريان بأنه من مؤسسي العمل الإسلامي في الجامعة منذ كان طالبا في السبعينيات كما بزغ نجمه سياسيا منذ انتخب في برلمان 1987 وكان أصغر نائب برلماني في مصر وهو معروف بخبرته وذكائه السياسي وحضوره الكبير في وسائل الإعلام والنخب السياسية والفكرية في مصر وخارجها.
وفي كل مرة يخلو مكان بالمكتب ويطرح اسم العريان لشغله يحدث توافق داخل المكتب على استبعاده مرة مرة لحساب الراحل الشيخ مكاوي وأخري لصالح محمد مرسي وثالثة لصالح صبري عرفة الكومي..وهكذا
وأتصور أن هذا الوضع سيعزز من سيطرة التيار المحافظ والتنظيمي على عضوية المكتب وسيقلص فرص صعود شخصيات مثل العريان حتى ولو كان لها شعبية بين قواعد الإخوان بعد أن توقف انتخابات مجلس الشورى بحجة الخوف من الضربات الأمنية.
والأخطر من ذلك أنه في ظل اعتقال أو تغيب ما يمثل نصف المكتب يمكن أن تصبح قرارات مكتب الإرشاد فاقدة للشرعية خاصة في حال غياب آخرين لمرض أو سفر أو لأى عذر.
وهو ما يفرض على قيادة الجماعة ألا تغريهم الثقة المطلقة من قواعدهم بالإخلال بلوائح الجماعة، وألا يستغلوا حجة الخوف من الأمن لضرب الديمقراطية الداخلية، وأن يأخذوا بجدية مسألة تطوير آليات لتجديد المكتب الذي يمثل المجلس الأعلى الحاكم للجماعة مثل عدم اشتراط الحضور لانتخابات الشورى أو إجرائها بالانترنت أو برسائل الهاتف الاس أم أس أو بالتفويض لعدد محدد نيابة عمن يتعذر حضورهم أو جمعهم في مكان واحد لاعتبارات أمنية..