القاعدة..تفاوض أمريكا أم تصارع إيران؟
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في أقل من أسبوع خرج تنظيم القاعدة بخطابين أثارا تساؤلات كثيرة تنصب حول ما إذا كانت القاعدة في طريقها لتغيير استراتيجيتها والتوجه إلي خيار التفاوض مع الأمريكان.
ففي يوم الأربعاء 20 ديسمبر 2006 تحدث منظّر التنظيم والرجل الثاني فيه الدكتور أيمن الظواهري في خطاب له عن الأزمة التي يعيشها الأمريكيون – جمهوريون وديمقراطيون- وما يعانونه من "هلع البحث عن مخرج من الكوارث" التي تحاصرهم في العراق وأفغانستان...محذرا من أن الأمريكان إنما يتفاوضون مع " القوي غير الحقيقية" للخروج من المأزق.
ولم يمض يومان حتى عرض التنظيم على لسان أميره في العراق، عبر تسجيل صوتي بث على الإنترنت يوم الجمعة 22 ديسمبر 2006، على الأمريكيين ما اعتبره " الفرصة التاريخية" التي تضمن لهم " خروجا آمنا " من العراق خلال شهر ممهلا إياهم مدة أسبوعين للرد على العرض!
ونوه أبو عمر البغدادي أمير القاعدة في العراق إلى سعي الأمريكيين للتفاوض معه عبر وسطاء سعوديين قائلا: "لقد بدأ المارد -في إشارة إلى أميركا- يتهاوى ويسعى للتفاوض مع شتى الجهات بنفسه أو من خلال أطراف أخرى وعن طريق عملائه".
فما دلالة هذه التصريحات ؟ وهل تحمل الرسائل الأخيرة تغيرا في موقف القاعدة من المواجهة مع الولايات المتحدة؟ وهل يمكن أن تؤشر على فتح القاعدة بابا للتفاوض معها خاصة في الملف العراقي؟
بشكل عام يمكن القول أن خطابات القاعدة خاصة تلك التي يلقيها الرجل الثاني أيمن الظواهري تأتي دائما في سياق استراتيجية القاعدة تسعي لاغتنام لحظات التوتر والاحتدام التي تعيشها المنطقة، سواء فيما يخص الداخل والموقف من استبداد الأنظمة وتسلطها وقمعها للحركات والقوي المطالبة بالإصلاح أو فيما يخص الخارج وهيمنة القوي الدولية ووقوفها ضد مصالح العالم الإسلامي. ظهر ذلك جليا في خطابات الظواهري عقب الانتخابات المصرية التي انتقد مشاركة الإخوان فيها وكذا في خطابه الذي ينعي فيه على حماس مشاركتها في انتخابات أقيمت على أساس شرعية اتفاقات أوسلو، كما ظهر في خطابه أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان.
تستغل القاعدة حالة التوتر والاحتقان التي تتسبب فيها هذه الأحداث وما تفترضه من تشوف الجماهير لمعرفة موقف القاعدة فتدلي بموقفها عبر منظرها لتؤكد على خيارها ورجاحة موقفها الذي كثيرا ما تأتي الأحداث مؤكدة على فعاليته باعتباره خيار الجهاد والمقاومة ضد استبداد الداخل واستعلاء الخارج. فهي تؤكد – وهي تنعي الانسداد الذي انتهى إليه طريق العمل السياسي الذي خاضته حماس- نجاعة خيار المقاومة المسلحة الذي دائما ما تنادي به، كما يأتي خطابها إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان ليعلى من موقفها الرافض لأي تسوية سلمية في مقابل من راهنوا على إمكانية الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية صارت جزء من ضمن آليات القاعدة في بناء صورتها الذهنية لدى الجماهير المسلمة التي صارت تنتظر هذه الخطابات لمعرفة موقف القاعدة، وصارت تفتقدها إذا ما تأخرت وتتساءل عن سبب هذا التأخير وإذا ما كان السبب يتعلق بشيء ألم بقادة القاعدة من موت أو اعتقال.
لكن هناك سياق آخر أكثر خصوصية يمكن من خلاله قراءة التصريحات الأخيرة لقادة القاعدة وخاصة خطاب الظواهري الذي تحدث فيه عن أن واشنطن "لا تفاوض القوي الحقيقية". وهو الخطاب الذي فهم منه البعض احتمال أن تكون إشارة من القاعدة إلي الرغبة في التفاوض خاصة بعدما تبعه خطاب آخر لأبي عمر البغدادي أمير ما يعرف بدولة العراق الإسلامية يعرض على الأمريكيين " خروجا آمنا " من العراق ويذكرهم بالهدنة التي سبق واقترحها شيخه أسامة بن لادن أمير تنظيم القاعدة.
ومن حيث المبدأ يصعب قبول فكرة أن القاعدة بخطاب الظواهري ومن بعده أمير القاعدة في العراق، تتوجه بالدعوة إلي الأمريكان للتفاوض معها، فالقاعدة سواء في خطابها المغرق في الجهادية من دون أفق لمشروع سياسي أو في بنيتها التنظيمية المغلقة بالغة السرية، أبعد ما تكون عن تنظيم يمكن أن يفتح باب التفاوض أو يجيده، وهي أقرب إلي حالة ثورية جهادية مقاومة منها إلى حركة سياسية تحمل مشروعا يمكن أن يتبلور على أرض الواقع السياسي...ويبدو أن أقصي ما يمكن أن تقدمه حركة مثل القاعدة في صراعها هو ما قدمته فعلا: عرض من جانب واحد بالهدنة التي لا تتطلب تفاوضا بقدر ما هو إعلان من طرف واحد ليس على الطرف الآخر إلا قبوله أو تجاهله.
ولكن التوقيت الذي ظهرت فيه خطابات القاعدة الأخيرة قد يدلنا على أن الأمر يتعلق بالجدل المحتدم أمريكيا وعالميا بشأن المأزق العراقي والذي تعالت فيه بعض الأصوات- حتى داخل الإدارة الأمريكية نفسها- تتبني وجهة نظر تقول بأنه لا مخرج من هذا المأزق ولا تصفية للنزاع أو تهدئة إلا بالتفاوض الأمريكي المباشر مع إيران وسوريا باعتبارهما – وخاصة الأولى- مفتاح لأي محاولة أمريكية لحفظ ماء الوجه وضمان خروج غير مذل لها من العراق.
لتنظيم القاعدة السني ذي العقيدة السلفية الجهادية مشكل مذهبي مع إيران الشيعية، ودائما ما كانت تري فيها رأس حربه لمشروع شيعي صفوي لا يقاوم الأمريكان بقدر ما يستغل حملتهم على العالم العربي والإسلامي لخدمة مصالحه الخاصة وتمدده في الفراغ العربي والسني، وقد شنت بعض فصائل تنظيم القاعدة في العراق – خاصة إبان إمارة الزرقاوي- حربا عنيفة ضد القوي والأحزاب والقيادات السياسية الشيعية ووضعتها في كفة واحدة مع الاحتلال الأمريكي.
وبخطابه هذا يسعى الظواهري- الرجل الثاني في القاعدة ومنظرّها - لقطع الطريق على أصحاب وجهة النظر داخل الإدارة الأمريكية الداعية إلي التفاوض، ليمنع التحالف الإيراني السوري من قطف ثمار حركة المقاومة السنية التي يقف تنظيم القاعدة في مقدمتها، فيبعث برسائل إلي الإدارة الأمريكية تقول إنه من الخطأ الرهان على أن التحالف الإيراني السوري هو مفتاح الحل، مؤكدا أنها لو كانت قد فعلت ذلك فهي ومن دون شك " تتفاوض مع القوي غير الحقيقية". أما القوي الحقيقية في نظر الظواهري فهي قوي المقاومة التي تخوض حربا ضد الاحتلال الأمريكي مستقلة تماما عن المشروع الإيراني السوري.
قلق القاعدة من إمكانية توظيف ثمار المقاومة المسلحة في العراق لمصلحة التحالف الإيراني السوري يبدو أقدم من هذه اللحظة التي زاد فيها الحديث عن أفق تفاوض أو تسوية، بل يمكن أن نري مقدمات له إبان المواجهة بين حزب الله وإسرائيل. وموقفها الذي أعلنته على لسان منظّرها أيم الظواهري.
فدائما ما كانت القاعدة تتشكك في حزب الله وتراه جزءا من المشروع الإيراني الشيعي وليس قوة مقاومة حقيقية، أعلن الزرقاوي ذلك في أكثر من رسالة لم تجد رفضا من قيادة القاعدة لمضمونها بقدر ما هو تعقيب على توقيتها وجدواها، ورغبة في أن تظل القاعدة عنوانا لحركة الجهاد والمقاومة ضد المشروع الأمريكي وتابعه الصهيوني ، وحرصا على ألا تتورط في الخطأ الذي ارتكبته الجماعات السلفية التي طعنت في حزب الله ورفضت نصرته لأسباب مذهبية أثارت عليها غضب الشارع العربي والإسلامي الداعم للمقاومة ضد إسرائيل ؛ انتهت القاعدة إلي بلورة موقف يقوم على إعلان الانحياز إلي خيار دعم الجهاد والمقاومة في لبنان دون أن يسمي حزب الله.
في خطابه إبان هذه المواجهة أكد الظواهري انحياز تنظيمه للمقاومة..لكنه غمز في قناة إيران – دون أن يسميها- مؤكدا أن المقاومة التي يعنيها لا تخضع لتسويات سرية ولن تلتزم باتفاقات يمكن أن تتم على حساب العراق التي اعتبرها- بجانب فلسطين- ميدان المعركة الأول و الأصيل.
إن الظواهري في هذين الخطابين الذين يتكلم فيهما مرة عن " مقاومة حقيقية لا تتوقف بتسويات سرية" وأخرى عن " قوى غير حقيقية" تتفاوض معها الإدارة الأمريكية، يؤكد أن للقاعدة وعي واهتمام بالمشروع الإيراني وأنها تسعي لقطع الطريق على هذا المشروع في سعيه إلي الانفراد بالتفاوض مع أمريكا على الملف العراقي.
وإذا ما وضعنا احتمال أن تكون لهذه الخطابات أكثر من رسالة يهدف بعضها لقطع الطريق- أيضا- على بعض فصائل المقاومة السنية التي تردد الحديث عن دخولها في مفاوضات مع الأمريكان وأطراف من الحكومة العراقية الحالية وذلك عبر التشكيك في وزنها وجدية أن تكون ممثلا للمقاومة في هذه المفاوضات، فسيظهر لنا أن القاعدة تصر على أن تكون الفاعل الأول في رسم مستقبل العراق وألا تتم أي تسوية يمكن أن تصب في مصلحة المشروع الإيراني من جهة أو في مصلحة تأكيد شرعية الحكومة الحالية عبر إشراك فصائل سنية مقاومة فيها..وهو ما يعني أنها تطمح لإبقاء العراق ميدانا لمقاومة أبعد من أن تنتهي وفق تسويات إقليمية أو ترضيات محلية.