صفحة إسلامية من تاريخ عائلة رجل ماليزيا النظيف
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كنت أحاور أحد القيادات الإسلامية الحركية الماليزية، ولفت نظري أنه رغم موقفه المعارض لحزب "المنظمة القومية الملايوية المتحدة" الحاكم (أمنو) وانتقاده بعنف لكل سياسة الحزب، لكن عندما يأتي لرئيسه "عبد الله بدوي" يتوقف تماما وتبدأ مظاهر ومشاعر التقدير والاحترام الاستثنائية في الظهور..
تكرر هذا الموقف كثيرا مع عدد من قيادات المعارضة بما فيهم أعضاء من الحزب الإسلامي (باس) أشد خصوم النظام الذين يكيلون للنظام أشد الاتهامات قسوة من العلمانية إلى الفساد؛ لكنهم يستدركون فيستثنون من هذه الاتهامات عبد الله بدوي "الرجل النظيف".
استلفت نظري هذه المكانة الخاصة لرأس النظام وحرص فرقاء المشهد السياسي على استبعاده من حلبة الصراع، وهو مسلك غريب، خاصة إذا علمنا أن المعارك السابقة لم تكن تخلو من تعريض بسلفه "محاضير محمد" الذي كان يحتفظ لنفسه بكاريزما كبيرة.
نبهني أحد القيادات الإسلامية إلى خصوصية وضع عبد الله بدوي في علاقة الإسلاميين بالنظام الحاكم، وأن للرجل ولأسرته تاريخا إسلاميا يحفظ له مكانة تعلو على المعارك السياسية، وأشار إلى أن كثيرا من الإسلاميين والقطاعات المتدينة في الشعب الماليزي ترى في بدوي الضمانة الكبرى لعدم سيطرة التوجهات العلمانية على النظام الحاكم، وأنه سيظل - في أسوأ الظروف- الضامن لوجه ماليزيا الإسلامي.
كنت أتصفح مجلة الحزب الإسلامي "باس" حين فوجئت بصورتين إحداهما لوالد عبد الله والأخرى لجده ضمن صور أهم رموز الاستقلال والبعث الإسلامي في ماليزيا، وتحتهما كلمات تقريظ ومديح، وأكد لي صاحب المكتبة أن أسرة بدوي من الأسر السياسية التي تحظى باحترام ديني كبير بين الملايو، وأن جزءا من هذا الاحترام بسبب استقرارها فترة من الزمن بمكة المكرمة للحصول على العلم الديني، وهو ما جعلها تحمل اسم بدوي نسبة لعلاقتهم ببادية الحجاز.
وقد نشرت مجلة النجمة الماليزية تقريرا طريفا مدعوما بصور نادرة عن عائلة عبد الله بدوي وفترة مكوثها في مكة المكرمة يكشف بعضا من أسباب الاحترام الواسع الذي يحظى به الرجل.
فقد اشتهرت عائلة رئيس الوزراء الماليزي بالتدين والتعمق في علوم الدين الإسلامي عبر أجيال مختلفة، فقد هاجر جد والده في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي إلى مكة المكرمة لطلب العلم، وهناك ولد جده عبد الله فهيم إبراهيم عام 1879، وتباهي أسرة رئيس الوزراء بأن جدهم الأكبر عبد الله فهيم تلقى العلوم الإسلامية على أربعين شيخا ومعلما من شيوخ مكة المكرمة، فحفظ القرآن الكريم وتعلم علوم الحديث النبوي واللغة والأدب والفلك.
لم تكن مكة قد عرفت المدارس والمعاهد العلمية في هذه الفترة فتلقى عبد الله فهيم تعليمه على شيوخ مكة المكرمة، وكان من أبرز شيوخه ومعلميه الشيخ محمد طاهر والشيخ محمد أمين رضوان وهو مكي الأصل، وقد تعلم عليه علوم القرآن والحديث الشريف، وكان عبد الله قد اشتهر بكونه من حفظة القرآن الكريم.
كان عبد الله فهيم - جد عبد الله بدوي- يمتلك منزلا خاصا في منطقة زقاق الحاج شعيب على في مكة، وكان هذا المنزل واحدا من منازل المنطقة التي ضمتها الحكومة السعودية إلى ملكيتها لتدخلها فيما بعد في التوسعات التي أضافتها للحرم المكي الشريف.
وحين أراد عبد الله فيهم الزواج تزوج من امرأة ماليزية وأنجب منها أربعة أطفال هم على الترتيب: خديجة، أحمد غزالي، أحمد بدوي، وأحمد حميد، وقد توفيت الفتاة والابن الأخير في صباهما. واستقر المقام بالأسرة في مكة حتى عام 1916 وهو العام الذي عادت فيه إلى ماليزيا.
عند عودته لبلاده استقر عبد الله فهيم بأسرته في منطقة كيبالا باتاس، وقام بتدريس الدروس الدينية في مدرسة دينية مشهورة تعرف الآن بمكتب محمود في منطقة ألور ستار، ثم أنشأ مدرسة دينية صارت تعرف باسم "دائرة المعارف الوطنية" بجوار أحد المساجد الشهيرة (مسجد كيبالا باتاس)، وقد توافد عليها الكثير من الطلبة والمهتمين بالعلوم الإسلامية من ولايات كلينتان وترينجانو (ولايات معروفة الآن بتدينها) ومن جنوب تايلاند، وما زالت المدرسة قائمة إلى الآن وتقوم بدورها التعليمي.
وأثناء تدريسه بمدرسة "دائرة المعارف الوطنية" حصل عبد الله فهيم منصب مشرف ماجستير في المدرسة الإدريسية في مدينة "كوالا كانجسار بيراك" فسافر بأسرته إليها، واستقر فهيم بها من عام 1938 حتى 1945، ثم عاد ثانية إلى "كيبالا باتاس"، حيث كرس حياته كلها لمدرسة "دائرة المعارف الوطنية".
في عام 1951 أصبح عبد الله فهيم المفتي الأول لمدينته "بينانج" وظل في منصبه حتى وفاته عام 1961 عن عمر يناهز 82 سنة.
عبد الله فهيم جد رئيس الوزراء الماليزي، والذي تلقى تعليمه على أربعين من علماء مكة المكرمة.. وعلى طريق والده سار أحمد بدوي المولود بمكة المكرمة عام 1907، حيث بدأ حياته بتلقي التعليم الديني، وقد درس عددا من العلوم الدينية مثل علوم القرآن والشريعة وأصول الدين، ولم يلبث بعد مغادرته مكة مع والده والعائلة عام 1916 أن عاد ثانية إليها عام 1926 واستقر فيها حتى 1938، وقد تأسى أحمد بدوي بأبيه فتزوج من فتاة مالاوية.
وفور رجوعه من مكة عمل أحمد بدوي مع أبيه في التعليم الديني بالمدرسة الإدريسية، لكنه أظهر اهتماما كبيرا بالشأن السياسي، حيث كون وجماعة من رفاقه (جماعة سرية) اهتمت بقضية استقلال البلاد وإجلاء المستعمر البريطاني.
كانت الروح الوطنية مستعرة بين طلاب الملايو الذين يدرسون في مكة، وبعودته للبلاد انتظم أحمد بدوي مع رفاقه في الحركة المطالبة بالاستقلال، حيث بدأت نزعات الاستقلال تنتشر في كل أنحاء ماليزيا وإندونيسيا أكبر بلاد الملايو.
وبعودته إلى "كيبالا باتاس" التحق بإحدى حركات المقاومة، ثم اختير رئيسا لها، وكان من أوائل علماء الدين الذين تركوا "منظمة العلماء" والتحقوا بحزب أمنو، حيث أسس الجناح الشبابي بالحزب وأصبح أحد أعضائه اللامعين والأساسيين عام 1946.
وعلى خلاف أبيه الذي قصر حياته على العلم الديني سلك أحمد بدوي الطريق السياسي فتقدم للانتخابات البرلمانية عام 1959، وأحرز نجاحا كبيرا أصبح على إثره عضوا بالبرلمان عن ولاية كيبالا باتاس (1959، 1964، 1969)، ونجح في الحفاظ على عضويته لثلاث فترات برلمانية، ثم أصبح ممثلا في البرلمان العام في الفترة من 1974 إلى 1977 وهو العام الذي توفي فيه عن عمر يناهز السبعين. كما تولى مسئولية الرئيس التنفيذي لمجلس الدولة، ومهام القائم بأعمال رئيس الوزراء عام 1975 عند سفر رئيس الوزراء للخارج.
في كنف هذه الأسرة الإسلامية ولد رئيس الوزراء الماليزي عبد الله بدوي 26/11/1939، وتصف والدته ابنها فتقول إنه أشبه بجده عبد الله فهيم وشديد التأثر به وكان كثيرا ما يقضي أوقاته معه يتلقى منه خبراته ومعارفه، وتضيف أنه منذ أن ولد عبد الله وهو يحظى بعناية خاصة من جده.
وقد احتذى الحفيد طريق جده منذ صغره فالتحق بمدارس القرآن بجامع كيبالا باتاس وكان دائم المواظبة على قراءة القرآن ليلا، وقد حصل عبد الله بدوي على بكالوريوس الدراسات الإسلامية عام 1964 من جامعة مالايا أقدم جامعات البلاد.