هل يتغير موقع المسألة الاجتماعية لدي الإخوان المسلمين؟
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عرفت جماعة الإخوان المسلمين تاريخيا بأنها تيار ديني ذو ميول يمينية قليل الاهتمام بالمسألة الاجتماعية وقضايا العدل الاجتماعي. وعلي غزارة إنتاجها الفكري كان حظ المسألة الاجتماعية نادرا في أدبيات الحركة، وباستثناء كتابي ( العدالة الاجتماعية في الإسلام ) للشهيد سيد قطب في بواكير تحوله إلي التوجه الإسلامي و( اشتراكية الإسلام ) لشيخ الإخوان السوريين مصطفي السباعي إبان المد الناصري الاشتراكي، لم تقدم الجماعة مقاربات ذات وزن في قضايا العدل الاجتماعي وفي المسألة الاجتماعية عموما. كما لم يكن حظ العمال وقضاياهم بأفضل حال في اهتمامات الجماعة وحركتها؛ إذ دائما ما كان العمال موضوعا دعويا يدخل إليه الإخوان من باب الوعظ والدعوة إلي الالتزام الديني أكثر من كونهم موضوعا سياسيا كان ينبغي أن تقاربه الجماعة برؤية مسكونة بقضاياهم ومعاناتهم.
***
لذلك؛ ورغم أنها تمتعت بانتشار لا بأس به بين العمال – كما في قطاعات مختلفة في المجتمع المصري- لم يعرف للجماعة رموز تتصدر قيادة الحركة العمالية بقضايا اجتماعية عمالية وبشعارات مطلبية علي الرغم من وجود عدد من الناشطين العمال المنتمين للإخوان. فلطالما كان المعين الدعوي والأخلاقي هو المعين الذي ينهل منه الناشطون الإخوان في الحركة العمالية، كما كان انتشارهم في الأوساط العمالية جزءا من حالة التمدد التي شهدها المشروع الإخواني منذ بدايات السبعينيات وما صاحبه من تسارع عملية الأسلمة وامتدادها داخل فضاءات جديدة لم تكن لها حضور فيها من قبل.
ظل هذا الوضع قائما منذ نشأة الحركة تقريبا وكان مسئولا إلي حد كبير عن مواقف تبناها الإخوان في القضايا الاقتصادية والاجتماعية مثل موافقتهم علي سياسات الخصخصة وقانون الإيجارات الزراعية الجديد الذي يعيد أراضي الإصلاح الزراعي إلي الملاك الأصليين بعد أن كانت الثورة المصرية قد وزعتها علي الفلاحين الأجراء.
***
لقد توافقت الرؤية الإخوانية مع تحولات الدولة المصرية- التي بدأت في عهد الرئيس السادات وتأكدت في عهد الرئيس مبارك- نحو الانفتاح الاقتصادي وإتباع سياسة حرية السوق والخصخصة وإعادة الهيكلة وكل ما يستلزمه تبني الدولة للاقتصاد الحر وهو ما سيتأكد بتعديلات الدستور المصري التي يدور الجدل – الآن- حولها والتي كاد يتفق فيها الجميع علي إلغاء النص علي اشتراكية الدولة ولم تلق التعديلات المنتظرة والتي ترسخ التحول نحو الاقتصاد الرأسمالي الحر أي ممانعة أو اعتراض من الإخوان ليظلوا موضوعا للاتهام والنقد خاصة من التيارات اليسارية وتلك المعنية بقضية العدالة الاجتماعية عموما.
***
لقد كان الوضع الاجتماعي مسئولا بدرجة كبيرة عن رؤيتها للمسألة الاجتماعية عموما؛ إذ تنحدر الغالبية العظمى لقواعد الإخوان المسلمين من الطبقة الوسطى، وهي وضعية بدأت منذ نشأة الجماعة علي يد مؤسسها الإمام حسن البنا الذي كان يعمل مدرسا ويتموقع اجتماعيا داخل الطبقة الوسطي، وقد كان قطاعات الموظفين وطلاب الجامعة أهم الشرائح الاجتماعية التي استجابت لدعوته وتكون منها بناء الجماعة.
ورغم وجود الإخوان وانتشارهم في شتى أنحاء البلاد يقل وجودهم التنظيمي في الطبقات الفقيرة، ويهتم المسئولون عن التجنيد بتجنب التوسع في ضم عناصر من الطبقات الفقيرة إلا لحساب ميزات استثنائية تتمتع بها هذه العناصر دون أن تكون هذه قاعدة معلنة، ويعد الانضمام للجماعة أحد آليات الصعود الاجتماعي في الطبقات الدنيا، إذ تتيح الجماعة لأعضائها فرصة للتحقق والصعود الاجتماعي من خلال شبكة حماية اجتماعية كبرى، وتساعد هذه الشبكة على تأمين الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي للأعضاء والمساعدة للمتعاطفين والمؤيدين والأنصار، وتعتمد الجماعة في ذلك على سيطرتها وإدارتها لعدد كبير من المساجد ومؤسسات البر والصدقات التي تمارس دورا مهما في غياب مظلة حماية من الدولة.
لقد أدت هذه الاستراتيجية إلى انفصال تدريجي للجماعة عن الطبقات الفقيرة والمهمشة، الآخذة في الاتساع والمعاناة،على مستوي الانتشار التنظيمي ثم على مستوي المشروع الذي تطرحه والذي لم يعد يمثل إلا طموحات البورجوازية المصرية المتوسطة المتدينة، وهو انفصال ظهر جليا في غياب هذه الطبقات كأشخاص أو كبرامج أو حتى كشعارات في تظاهرات وتحركات الإخوان الأخيرة.
***
ولكن من التطورات التي تستحق التوقف عندها والتي قد تغير من موقع المسألة الاجتماعية هو ما أقدمت عليه الجماعة -في الفترة الأخيرة- من ترشيح عدد كبير من كوادرها في الانتخابات العمالية. وبعيدا عن وقائع ما جري في الانتخابات العمالية التي شهدت تضييقا كبيرا علي الإخوان وصل إلي حد منع مرشحي الجماعة من التقدم بأوراقهم واعتقال العشرات منهم، فإن هناك إضاءات مهمة يمكن التقاطها في هذه الانتخابات يمكن أن تعيد طرح الأسئلة بشأن ما يمكن أن تشهده مقاربة الجماعة من تغيرات في المسألة الاجتماعية.
لقد كان تحولا ملحوظا الإعلان الرسمي- علي غير العادة- والمبكر عن قرار خوض الانتخابات العمالية، والعدد الكبير نسبيا من المرشحين الذين دفعت بهم الجماعة علي غير ما استقر الأمر في علاقة الإخوان بالتجمعات العمالية التي دائما ما حرصت الجماعة علي مراعاة حساسية النظام من اختراق الجماعة لها؛ بل وإصرارها علي التمسك بهذا الملف إلي حد البدء في تشكيل اتحاد عمال بديل وموازي للاتحاد الوحيد الذي آلت مقاليده إلي النظام دون أن تعبأ الجماعة بإصرار النظام - منذ ثورة يوليو- علي وضع مسألة السيطرة علي الملف العمالي ضمن أولياته وعدم تردده – حين يشعر بالخطر– في التدخل العنيف للقضاء علي خصومه في حال شكه في قدرتهم علي السيطرة علي تجمعات العمال كما جري في تصفية النظام الناصري في مستهل حكمه للحركة اليسارية التي قادت بعض المظاهرات العمالية بل وإعدام بعض قادتها مثل خميس والبقري أبرز قادة مظاهرات كفر الدّوار الشهيرة.
***
ويطرح هذا المشهد السؤال في حول إذا ما كان هذا التحول يؤشر علي تغير في موقع العمال ومن ثم المسألة الاجتماعية لدي الإخوان المسلمين التي عرفت تقليديا بعدم حساسيتها تجاه القضايا الاجتماعية؛ أم أن الأمر يتعلق بانفتاح المشهد الذي رأت فيه الجماعة فرصة لمد نفوذها إلي مساحات ظلت بعيدة عنها تقليديا؟.
وهل جاء الدخول الإخواني في المساحة العمالية وفق أجندة مطلبية عمالية ( وهو ما سيعد جديدا) أم علي أرضية التاريخ الدعوي وما لديها من رصيد في الاستقامة والنزاهة أخلاقية؟
وهل يمكن أن يكون حضور الإخوان في القضية الاجتماعية تجاوبا من الجماعة مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين والتي أعادت المسألة الاجتماعية إلي صدارة المشهد؛ أم يأتي في سياق سعي الجماعة لحصار النظام في قواعده التقليدية؟..والإجابة علي كل هذه الأسئلة ربما تضعنا أمام سيناريو جديد لمستقبل الحالة الإسلامية عموما وليس الإخوان المسلمين فحسب.