ظاهرة طارق رمضان
باحث مصري في الشأن الإسلامي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يحتار المرء في فهم ظاهرة المفكر الأوروبي المسلم طارق رمضان وأسباب هذا الاهتمام به والضجة التي تلاحقه أينما حل وارتحل. ما الذي يمثله هذا الشاب الأربعيني حتى تضعه مجلة التايم ضمن أهم مائة شخصية على مستوى العالم في القرن الجديد؟ ولماذا تعوّل عليه كثير من النخب الغربية في تجديد الإسلام حتى تسميه "مارثن لوثر المسلمين"؟!... ثم ما الذي يدفع بالحكومة البريطانية إلى اختياره كمستشار لرئيس الوزراء توني بلير في الوقت الذي تمنعه الولايات المتحدة من دخول أراضيها وتسحب تأشيرة عمله في جامعة "نوتردام" الكاثوليكية رغم تعاقدها معه للعمل مدة عام؟
أتصور أن أهم ما في طارق رمضان ليست أفكاره أو مضمون ما يقوله بقدر ما تكمن في منهج تفكيره والطريقة التي يقول بها والموقع الذي يتحدث منه، أهميته القصوي تكمن فيما يمثله من "حالة" لابد أن يصطف حولها الأوربيون – والغرب وراءهم – قبولا أو رفضا في كل ما يخص العلاقة بالإسلام حاضرا ومستقبلا.
أهميته أيضا في تعدد الوجوه والمداخل التي يمكن من خلالها قراءة طارق رمضان الذي يلتقي فيه المفكر بالمناضل، والباحث بالسياسي، وتختلط لديه الأصول العربية بالشخصية الغربية، كما تبقي لديه القدرة دائما علي الاحتفاظ بالخيط الفاصل أو قنطرة العبور من الإسلام السياسي إلي ما بعده.
وأهميته أخيرا في كونه من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين مكونين أساسيين: المكون الغربي إضافة المكون الإسلامي، وهو ما ميزه عن مفكرين مسلمين عاشوا في الغرب( زكي بدوي وراشد الغنوشي...) ولكن ظلوا ينتمون إلي العالم العربي والإسلامي..فكان دائما المسلم الغربي وليس المسلم المقيم في الغرب.
السيرة الذاتية لطارق رمضان تقول أنه من مواليد السادس والعشرين من أغسطس لعام 1962، وأنه ابن القيادي الإخواني الشهير سعيد رمضان وأن جده لأمه هو الإمام الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأنه ولد وتربي في سويسرا التي استقرت فيها عائلته وأسس فيها والده المركز الإسلامي عام 1966 والذي لعب دورا بالغ الأهمية في نقل أفكار الإخوان وحركتهم إلي أوربا والغرب.
طارق يعمل الآن أستاذا للفلسفة في جامعة فرايبورخ وكلية جنيف في سويسرا، ولهد عدد من الكتابات التي تعني بالوجود الإسلامي في الغرب والعلاقة بين الإسلام والغرب وما يتصل به من قضايا الحداثة والعلمانية ..وصدرت له عدة كتب من أهمها: أن تكون مسلما أوروبيا، مسلمو الغرب ومستقبل الإسلام، الإسلام والغرب وتحدي الحداثة ، المسلمون في فرنسا- الطريق إلى التعايش.
طارق رمضان هو الذي يقول ما يتحرج منه إسلاميون غيره رغم موافقة كثيرين منهم عليه، فيتحدث عن تعدد في الإسلام بحسب النماذج والبيئات الثقافية التي يتعايش معها بما يسمح بالقول بوجود إسلام أوربي وآخر أفريقي وثالث عربي لينطلق منها محررا لإشكالية "الأقلية" التي يعيشها مسلمو أوربا؛ فهم في رأيه أغلبية باعتبار القيم التي يمثلونها ويحملونها؛ قيم الإسلام العالمية الشاملة، والتي لا تتعارض- بالضرورة- مع القيم الأوربية الأساسية، ولاستكمال هذه الدائرة يعلن إعجابه ورضاه بنموذج العلمانية في أوربا وأنها لا تمثل مشكلة لديه وغيره من مسلمي أوربا؛ ولكنه إذ يفعل ذلك يعيد تعريف وصياغة العلمانية نفسها ليردها إلي جوهرها المهم بالنسبة له وهو مدخلها الإنساني العالمي باعتبارها ضمانة لحرية العبادة والتدين وليس المدخل الأيدلوجي المعادي للدين كما يفهمه ويروج له العلمانيون العرب. وعبر هذا المدخل يتحدث عن لقاء مؤكد بين قيم الإسلام وقيم العلمانية ولكن بعد أن يجر النقاش إلي أرضيته هو، أرضية أن العلمانية من حيث هي حرية التدين والاعتقاد معطى مضمون في الإسلام؛ ليس فيه مشكلات أما من حيث حرية المعاملات فالأمر – في رأيه- متروك للأفكار ومفتوح للاختلافات، وهي أمور من صلب الإسلام شريطة أن نفهم أن للدين دورا مهما في المجتمعات، على نحو ما يُقرّ به العديد من البروتستانت والكاثوليك واليهود.
يفعل طارق ذلك ببراعة- أو مراوغة في نظر خصومه - دون أن ينخلع عن إسلاميته أو ينقلب إلي نموذج العلماني المسلم علي الطريقة التركية والمصرية، فهو يدرك أهمية أن يقول مثل هذا الكلام وهو " إسلامي " فكثير مما يقوله وأكثر منه وأبعد يقوله أقطاب علمانيون مسلمون وبعضهم يعيش في أوربا مثل نصر أبو زيد ومحمد أركون، لذلك فهو يقدم نفسه دائما باعتباره حلقة في سلسلة ومنهج إصلاح وتجديد لم ينقطع عن الأصول الإسلامية طوال التاريخ الإسلامي من أول الشاطبي وأبوحامد الغزالي انتهاء بجده الإمام حسن البنا الذي يؤكد انتمائه إليه رغم كونه الأب الروحي لكل حركات الإسلام السياسي في القرن الأخير والتي تكاد تتناقض رؤيته معها علي طول المسير.
وطارق رمضان أو "الأخ الأكبر" –وهو لقبه الأشهر في الأحياء الشعبية في فرنسا- هو المفكر الذي يقول ويجيد كلام المفكرين ورطانتهم لكنه واع تماما بأن دوره أبعد من مفكر بل هو أقرب لمصلح شامل ورمز لحركة جماهيرية قوامها شباب الأجيال الحديثة في الجاليات المسلمة، حتي لو لم تتمثل هذه الحركة في أطر تنظيمية.
فطارق رمضان أصبح طرفا في كل المعارك السياسية التي تندلع حول الإسلام في أوربا رغم أنه الأبعد عن الممارسة السياسية الصريحة ، فهو ناشط اجتماعي ورمز يلتف حوله تيار عريض من الشباب المسلم بطول أوربا وعرضها يجدون فيه المثال والنموذج الذي يقدم لهم إسلاما غير مدجن كذلك الذي يقدمه لهم العلمانيون المسلمون فهو بعيد عنهم تماما بقدر ابتعاده عن نموذج عمر بكري و أبو حمزة المصري الذين لا يبعد عنهم سوي مسافة بحر المانش!
لذا فطارق لا ينقطع عن الفاعليات الجماهيرية؛ يحضر المنتدى الاجتماعي الذي يعج بعشرات الالاف من الشباب الساخطين والباحثين عن دور وحل، ويحاضر في الملتقيات الإسلامية بما فيها المؤتمر السنوي الكبير لاتحاد المنظات الإسلامية في فرنسا ، وهو عنوان رئيسي للصحافة الأوربية التي تفرد له وعنه وضده صفحات كاملة ( ربما لم تخصص اللوموند اليومية مانشيتها الرئيسي لمفكر غيره ) وهو سوبر ستار المناظرات التفلزيونية الساخنة في كل أوربا بدءا من برنامج "100 دقيقة للإقناع" الذي تذيعه القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي، وواجه فيه وزير الداخلية "نيكولاي ساركوزي" و"جان ماري لوبان"زعيم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة!
طارق رمضان هو " الإسلامي" الذي يمكنه أن يفتح جبهات جديدة لم تكن يوما محلا لنقاش عند الإسلاميين فهو يتقرب من اليسار ويتواصل مع أنصاره في قضايا العدل الاجتماعي ويتحالف مع مناهضي العولمة والمناصرين للعالم ثالثية بل ويحاول أن يعيد صياغة أفكار هذه الحركات بتعبيرات إسلامية (الإسلام باعتباره طريقا للجنوب).
وهو يأخذ المبادرة دائما في هذا وربما كان الأول بين الإسلاميين – مفكرين أونشطاء- الذي يتجاوز مساحة الحديث العام في هذه المساحة ليعقد التحالف المباشر بين " الإسلامية " وبين حركة مناهضي العولمة بعد تحالفه الإستراتيجي مع الكاتب اليساري الأشهر آلان جريش رئيس تحرير اللوموند ديبلوماتيك السابق والابن غير الشرعي لهنري كورييل اليهودي مؤسس الحزب الشيوعي المصري!.
ولا يتردد في أن يقتحم المجال علي أصحابه فلا يقف فقط عند حدود القول بأن المستقبل الحقيقي لحركة مناهضة العولمة لابد أن يكون بالتئامها مع الإسلام؛ وإنما يبادر فيهاجم مناهضي العولمة ( أو من يسمون بأنصار العولمة البديلة ) بسبب عدم انفتاحهم علي الإسلام واستبعادهم له من هذا المشروع!
وهو أيضا " الإسلامي" القادر أيضا علي خوض معركة ضد المثقفين اليهود في فرنسا وإدارتها منفردا ضد شخصيات نافذة ومؤثرة في المحيط الثقافي في فرنسا كلها دون أن يتورط في منهج أو مفردات الخطاب الإسلامي التقليدي في مهاجمة اليهود والذي لابد وأن ينتهي بصاحبه إلي أن يبوء بإثم العداء للسامية...بل ينجح عبر خطاب إنساني في أن يحصرهم في زاوية الدفاع ضد تهمة الانكفاء على الذات والبحث عن مصالح طائفتهم عوضا عن القيم العالمية وقيم العدالة والحرية والمساواة. يحتار المرء في فهم ظاهرة المفكر الأوربي المسلم طارق رمضان وأسباب هذا الاهتمام به والضجة التي تلاحقه أينما حل وارتحل. ما الذي يمثله هذا الشاب الأربعيني حتى تضعه مجلة التايم ضمن أهم مائة شخصية علي مستوي العالم في القرن الجديد؟ ولماذا تعوّل عليه كثير من النخب الغربية في تجديد الإسلام حتى تسميه تسميه باسم مارثن لوثر المسلمين؟!...ثم ما الذي يدفع بالحكومة البريطانية إلي اختياره كمستشار لرئيس الوزراء توني بلير في الوقت الذي تمنعه الولايات المتحدة من دخول أراضيها وتسحب تأشيرة عمله في جامعة "نوتردام" الكاثوليكية رغم تعاقدها معه للعمل مدة عام؟
الغد الاردنية