كيلا يصبح أهل السنة والجماعة طائفة!
باحث مصري في الشأن الإسلامي
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في البدء كانت السنة وكانت الجماعة، ومنذ أن استقر المصطلح في بواكير عمر الإسلام و" أهل السنة والجماعة" هم قلب الأمة الإسلامية ومركزها وعمودها وعنوانها الذي تعرف به أصلا وجماعة ويُعرّف ما دونها كطوائف. وحين يأتي الزمان الذي ينظر فيه السنة إلي أنفسهم كطائفة في مقابل طوائف أخري تصبح فكرة " الأمة " نفسها محل نقاش ويصبح وجودها محل شك.
هذه مقدمة تستدعيها الأحداث الجارية التي تصلح لأن تكون علامة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية مفهوما ووجودا أيا ما انتهت إليه من نتائج سياسية ربح فيها حزب الله أو – لا قدّر الله – خسر.
لن أعلق علي المعارك الحربية وما يتصل بها من معارك سياسية، وإنما أتحدث عن معارك أخري أشعلتها بعض التيارات السلفية، أو التيارات الوهابية إذا أردنا الدقة واتفقنا علي أن السلفية منهج لا يحصره مذهب أو يحتكر الحديث باسمه، وهي معارك توجهت إلي الطعن في ما فعله حزب الله من فتح جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني ليس لجهة توقيته وجدواه ومصالحه ومفاسده مما يمكن الاختلاف عليه وإنما بسبب كونه شيعيا رافضيا تحرُم نصرته بل ويحرم الدعاء له حتى ولو كان في مواجهة مع عدو الأمة حصرا وأعني به المشروع الأمريكي ووكيله في المنطقة الكيان الصهيوني !
أميل إلي القول أنه ومن حيث المبدأ يبدو أن الخلاف العقائدي بين أهل السنة وبين والطائفة الشيعية يبدو أكبر مما يحرص أصحاب النوايا الحسنة من دعاة التقريب بين المذاهب علي تصويره في اختزال وتبسيط مخل، وأنها خلافات تطال العقائد وأصولها في بعض الأحيان، وأنها تأصلت وتجذرت بما يجاوز الجدل النخبوي بين الفقهاء والمتكلمين من علماء المذاهب بعدما تأسست للطائفة الشيعية دولة: الصفوية ثم الخومينية في إيران والتي صارت تقدم نفسها ممثلا وحيدا وحصريا للشيعة والتشيع حتى من دون أن يستدعيها إجماع شيعي لذلك.
أقول ذلك متفهما- أيضا- لمشاعر القلق والتوجس من إيران ومن مشروعها الاستراتيجي الذي يتمدد في الفراغ العربي السني الذي أحدثه غياب المشروع العربي سواء علي المستوي الأيديولوجي ( تراجع المد القومي ومشروعات الوحدة العربية ) أو علي مستوي الدور السياسي ( تراجع الدور المصري حد الانتكاسة، وانغلاق السعودية علي نفسها رعبا من ملاحقات أحداث سبتمبر أيلول )، فالحادث فعلا أن هناك تمددا إيرانيا ، شيعي بالضرورة، في المنطقة نجح في ابتلاع العراق عبر الميليشيات الموالية لها إلي حد حذف ما يربط العراق بالعروبة من دستوره الجديد، ثم هو ابتلع معها سوريا في علاقة استلحاق استراتيجي وتبعية كاملة، ثم هو يمد يده إلي لبنان فيصبح المتحكم فيها وليس علي الآخرين إلا أن يحددوا موقفهم تاليا لفعله...ولا نعرف إلي أين يمضي بنا وما خطوته التالية وما نهايته؟!
وأتصور – بناءا علي ما سبق – أنه يمكن تفسير مسلك هذه التيارات السلفية الوهابية من الطائفة الشيعية عموما وحزب الله منها، خاصة إذا استحضرنا خلفيات مأساة ما جري في العراق والذي كان كاشفا في قضية العلاقة بالمشروع الإيراني الشيعي، ومن ثم كان مسئولا – إلي حد كبير في بناء الموقف السلبي من حزب الله " الشيعي " والذي تبنته بعض المرجعيات السنية ذات الاتجاهات السلفية فضلا عن تأثيره البالغ في حدة وفجاجة الموقف السلفي الوهابي الأكثر حساسية من الخلاف المذهبي حد الانزلاق إلي مستنقع الطائفية.
لقد لعبت إيران دورا بالغ السوء في العراق في التمهيد لإسقاط النظام وإقامة نظام حليف وفي ضرب المقاومة الوطنية والإسلامية للمحتل، مستغلة نفوذها الديني ( عبر عدد من المراجع الشيعية الكبرى ) ونفوذها السياسي (عبر الميليشيات الموالية لها وأجهزة استخباراتها المنتشرة بطول البلاد )، وكان أهل السنة من دفعوا ضريبة هذا الدور مضاعفة في مجازر دموية أودت بعشرات الآلاف تحت سمع وبصر مراجع شيعة كبرى وربما برضاهم حتى نزحوا إلي المخيمات خارج المدن هربا من القتل الطائفي بعدما كانوا قادة البلاد وأصحاب الحل والعقد فيها!
ويبدو أن ما جري بالعراق أحيا ذكري مآس كان قد تقادم بها العهد، وأستعاد حزازات وخصومات كنّا حسبناها ماتت، بل ووفر لها من المبررات ما جعلها تعود أشد مما كانت عليه وأنكي، فلما فتح حزب الله جبهة المقاومة مجددا فتح معها جروحا لم يمض من الوقت ما يسمح باندمالها...فاختلط الأمر علي من تحدثوا باسم " أهل السنة " وهو ما يمكن أن نتفهمه وإن كان من المستحيل قبوله.
ما أسلفته هو مقاربة للبيئة والسياق الذي أثر علي بعض التيارات السلفية والوهابية منها بشكل خاص في موقفها " الطائفي " من حزب الله ومعركته ضد الكيان الصهيوني، لكنه وإن ذكرته علي سبيل التوضيح والتفسير لا يصلح مطلقا كمبرر لهذا الزلل الذي وقعت فيه هذه التيارات، والذي يتجاوز في خطورته تأجيج الصراع المذهبي أو تمكين العدو الصهيوني من المقاومة ..ويتعداه إلي خطر أعظم وأشد يتمثل في ضرب مفهوم الأمة في مقتل.
فالحادث أن الأمة تخوض- من زمن- معركة مقاومة مفتوحة مع المشروع الأمريكي الاستعماري ووكلائه ومنهم الكيان الصهيوني، وهو ما يستلزم أن تستنفر له كل الأمة التي تعني أول ما تعني أهل السنة والجماعة؛ حتى لو تصادف أن قطب المواجهة ورأس المقاومة – في هذه اللحظة- كان حزب الله الشيعي.
تخطأ التيارات السلفية – علي تقديرنا لمخاوفها وهواجسها - حين تتمكن منها الأزمة فتعمي عينها وتنزل بها إلي مهاوي الطائفية، وهي حين تفعل ذلك باسم أهل السنة والجماعة تضر بهم من حيث قصدت حمايتهم حين تنزلهم كذلك إلي منطق الطائفية وتقدمهم طائفة بإزاء الآخرين.
إن مصطلح أهل السنة والجماعة حين نشأ إنما كان محاولة لاستعادة الجماعة الإسلامية الأولي زمن النبوة وقبل الفرقة والفتنة والمذهبية، وهي الاستعادة التي ظلت- ولابد أن تبقي- فاعلة في بناء الجماعة المسلمة واستعادتها في كل مرحلة من مراحل الأمة علي مستوي الوعي إن لم يكن علي مستوي الوجود الفعلي، ومن ثم فليس هناك اضر علي الأمة من أن يفكر عقلها وينبض قلبها ويتحرك مركزها بمنطق الطائفة.
أهل السنة والجماعة ما كانوا يوما طائفة تري نفسها واحدة بإزاء طوائف الآخرين، بل كانوا أصل الأمة وعلي جوانبها وفي مقابلها نشأت الطوائف.. ولم يكن وعي أهل السنة والجماعة - يوما- طائفيا بل كان استعلاء علي الطائفية واستعادة للوحدة ول " الجماعة " التي وإن لم تتحقق تاريخيا إلا نادرا فقد ظلت متحققة في الوعي والضمير السني تحفظ للأمة وجودا في الوعي والضمير فقدته في الواقع والمعاش... إن لحظة التأسيس الأولي للجماعة المسلمة تقول أن الطائفية قد تحضر لدي أنصار كل مذهب عدا أهل السنة، وأنه يصح القول- وفق التحليل الأنثربولوجي وليس الجدل المذهبي- بأن أهل السنة هم أهل الجماعة لو كانوا أقلية عددية، فكيف بهم وهم الأغلبية!
الغد الاردنية