عهد الأستاذ مهدي عاكف ...الذي لم يقصف فيه قلم!
باحث مختص في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هذه القصة تجمع وتجسد كل ما في واقعنا المصري المشوه، وأطرف ما في وقائعها هي المفارقات التي دفعت بأكبر جماعة سياسية إلى مصادرة حريات مجموعة من أبنائها وهي التي ظلت تعاني وتشكو من غياب للحرية كلفها سنوات من القهر وإبعاد متعمد عن الجماهير، وأنها حين أرادت ممارسة الرقابة ومصادرة الحريات مارستها في حق الأداة التي كانت أفضل ما وصلت إليه الإنسانية للقضاء على الرقابة والهرب منها، وهي الأداة الوحيدة التي ضمنت تواصلها وغيرها من الجماعات المحجوبة عن الشرعية عن الجماهير والناس والعالم.
هذا بالضبط ما حدث في وقائع غلق ملتقى الإخوان على شبكة الإنترنت والذي ظل طيلة سنواته الأربع أكبر ملتقى يمكن لشباب الإخوان فيه البوح والفضفضة بعيدا عن سيطرة ورقابة وملاحقة النظام الحاكم في الدولة وفي الجماعة! حتى استطاع نظام الإخوان في النهاية أن يقضي عليه بالضربة القاضية. وهذه وقائع ما جرى.
كانت بداية الملتقى فكرة شاب صغير في أوائل العشرينات كان يعمل في إحدى دور النشر والإعلام بدولة من دول الخليج. كان الشاب ينتمي إلى جيل الإنترنت وهو جيل يختلف تكوينه الثقافي والفكري تماما عما عرف واستقر في تنظيم الإخوان، وكان أحد ناشطي الإنترنت وليس مجرد متصفح له ،تعرف من خلال برامج الشات والدردشة على عدد لا بأس به من شباب الإخوان من بلدان مختلفة، ضاقت عليهم تنظيماتهم على قدر اتساعها فضيقت عليهم وسدت أمامهم منافذ التعبير عن الرأي.
ولأن المصائب يجمعن المصابينا فقد أقاموا عالمهم الخاص أو ما يمكن تسميته بعالم الإخوان الافتراضيين virtual ikhwan وهو عالم لا يخضع لأي من القواعد التنظيمية التقليدية في العلاقات بين الإخوان من تدرج وتوثيق وتراتب تنظيمي، كما لا تتدرج فيه مراتب العضوية بحسب المعمول به في التنظيمات الإخوانية، وإنما يقوم – فقط – على الأفكار والحوارات الحية المباشرة التي يعلن فيها كل فرد ما يعتقده بحق ويقول ما يريده وينتقد من وما يشاء.
وفي عام 2000 ولدت فكرة تأسيس كيان افتراضي على الإنترنت يجمع هؤلاء الإخوان الافتراضيين فاشتري هذا الشاب دومينا خاصا على الإنترنت( www.ikhwan.net ) واختار له اسم ( ملتقى الإخوان )،وصممه كبداية أكبر واحة للفضفضة يلجأ إليها الشباب الإخواني على الإنترنت ، وقد كان.
فقد تحول الملتقى في شهور قليلة إلى أهم موقع على الإنترنت يرتاده الشباب الإخواني أو القريب منهم بل وأحيانا المخالف لهم من كل أنحاء العالم. وكانت القاعدة الحاكمة هي الحرية المطلقة في الكلام والتفكير والتعبير عن الرأي دون أي هواجس أو اعتبارات تنظيمية أو فكرية أو قانونية أو حتى أمنية، وساعد على ذلك ما تتيحه الشبكة من خصوصية بيانات الزوار.
وفي الملتقى التقت كل ألوان الطيف الإخوانية من كل أنحاء العالم ( مصر ، اليمن ، فلسطين ، العراق ، الأردن ، دول الخليج ،وأمريكا وكندا وأوربا ..حتى ليبيا ! ) بلا أي فروق حتى بين ذكر وأنثى ( بنت المجد وفتاة الأقصي وبنت عمرو خالد وأم جهاد مع الجبلاوي وابن الإسلام والمسلم العصري ..).
وفي الملتقى جرت مناقشات وحوارات ومواجهات ربما لن يجد باحث- مثلي- مختص في دراسة الإخوان أفضل منها للتعرف على ديناميكة وتحولات الشباب الإخواني بعيدا عن التصريحات الجامدة والكلام "الساكت" الذي اعتدنا قراءته أو سماعه من معظم قيادات الجماعة في وسائل الإعلام !
كانت كل القضايا مطروحة وكل الأفكار محل مراجعة ولا أحد من قيادات الجماعة حتى مرشدها فوق طائلة النقد والمسائلة، ولأول مرة تقرأ في ملتقيات إخوانية عن أزمة الديمقراطية داخل الجماعة ووقف الانتخابات الداخلية فيها، وترى مطالبات بمراجعة لوائح الجماعة وشروط العضوية، وعن ضرورة تفعيل المؤسسات العدلية، وأزمة الجمود والتقليد داخل الجماعة، انشقاقات حزب الوسط ، وسيطرة فكر ورجال التنظيم الخاص على الجماعة، والعقبات التي تواجه التجديديين فيها، وضيق الجماعة بكل من يفكر فيها حتى صارت طاردة للمبدعين .
وتطور الأمر حتى وصل إلى قضايا ومشاكل تفصيلية وتنظيمية خاصة ودقيقة مثل شكوى الأخ الذي أحيل للتحقيق في محافظته لأنه عزم المرشد مهدي عاكف على الإفطار، وشكوى أعضاء في بعض المحافظات من هجوم بعض أعضاء بمكتب الإرشاد على زميلهم عبد المنعم أبو الفتوح واتهامه بأنه قليل التربية ( الإخوانية ) وأن ما يقوله فيه خروج على الجماعة وأنه سيفصل منها قريبا ، واتهامات عضو آخر بمكتب الإرشاد لخيرت الشاطر بالاستبداد والرغبة في السيطرة على التنظيم وأنه " عبد الناصر الإخوان"، وحكاية الأخ الذي استقال من الجماعة بسبب تسلط قائده في التنظيم الذي هو حماه! والهجوم على سكرتير المرشد وقدراته وكفائته ، وانتقادات شديدة لموقع الإخوان على الشبكة، ورد عليها بانتقاد موقع إسلام أون لاين وطريقة تغطيته لقضايا الإخوان وإنه يضم عددا من الصحفيين المرتبطين بأجهزة أمن الدولة وخاصة الزميل عبد الرحيم على!.
وطوال سنوات الملتقى كانت هناك معارك ومواجهات فكرية بين المقولات والرؤى الإسلامية من أقصى إلىمين السلفي المحافظ إلى أقصى إلىسار الثوري القاعدي! وكان كثير منها لا يخلو من الجديد بل والعبقري رغم أن غالبية زواره من الشباب الإخواني العشريني في الغالب الأعم.
ومن أهم هذه المعارك ما كان يثار من بين الشباب الإخواني ( النقي ) المتمسك بفكر حسن البنا وبين الشباب المنتمي أو المتأثر بطرح التيارات الوهابية والجهادية ، وهي معارك كثيرا ما كانت تنقلب إلى خناقة تعج بالشتائم التي تستخدم فيها لغة أخرى ( حراقة ) غير تلك التي عرفناها في الخطابات الإخوانية التقليدية المحافظة.
وكان مثيرا بالنسبة لي اكتشاف كم الحراك والتنوع إلى حد التناقض في الجمهور الإخواني على عكس ما يقوله ويتصوره قادة تنظيم الإخوان الذي لا يكفون عن الحديث على الوحدة الفكرية الجامعة المانعة، ولا يعتقدون في فكرة الاختلاف والتنوع بين أعضاء التنظيم الواحد، حتى صار في وعيهم أن وجود فكرة خاصة بالعضو بداية لنشوء جيب فكري سرعان ما سينقلب لجيب تنظيمي يؤدي لفتنة من الأفضل التعجيل بوأدها!
لم يلبث الملتقى أن تخلص من عشوائية ومحدودية النشأة الأولي التي كانت تفتقد للرؤية والإمكانات التقنية والفنية،وانتقل إلى طور جديد أعيد فيه تنظيم وتبويب الموقع إلى أقسام رئيسية يتضمن كل منها ركنًا خاصًا يحمل اسم واحد من رموز الإخوان ( حسن البنا ، عبد القادر عودة ، زينب الغزالي ..)، كما بدأت المجموعة التي تديره في تطوير القدرات التقنية للموقع بما يسمح بتنظيم حوارات حية يستضاف فيها رموز الدعوة والحركة في الجماعة. وهو التطوير الذي جاء – وفق مصدر خاص قريب الصلة بهذه المجموعة- بعدما بدأت أفراد ومجموعات إخوانية في تقديم تبرعات مالية لدعمه وتطويره، وهنا كانت بداية المشكلة التي أصبحت مأساة حين استفاقت قيادة التنظيم في مصر لما يحدث!
كانت مسألة التمويل جرس الإنذار الذي دق في آذان القيادة فأثار فيها كل هواجس ومخاوف الاختراق الأمني والانشقاق التنظيمي التي تسكنها وتحكم عملها في كل كبيرة وصغيرة. وهي الهواجس والمخاوف التي يزداد تأثيرها حين تتعلق بوسيلة مثل الإنترنت التي لم تقبل بعض القيادات المحافظة تعامل كوادرها معها إلا بعد دراسة شرعية تجيز التعامل بها وتوظيفها لمصلحة الدعوة، وبالغت قيادات أخرى تجمع بين المحافظة والمبالغة التنظيمية في شروطه حتى طرحت للنقاش قضية استئذان الأخ العامل من مسئوله قبل إضافة أي شخص إلى برنامج الدردشة (المسنجر) !!
قبل قضية التمويل وفي البدايات الأولى كانت قيادات الجماعة تنظر للملتقى بحذر وقلق من فكرة أن يدار ملتقى للإخوان بعيدا عن سيطرة قيادة الجماعة، ومع تطور الملتقى وتصاعد وتيرة وسخونة القضايا التي يطرحها زواره بدأت بعض قيادات الجماعة المعروفة بالميل للسرية وتغليب فكرة التنظيم على الدعوة التحرك للسيطرة عليه، فطلبت -عبر برامج البالتوك-من بعض المؤسسين والفاعلين فيه معظمهم من أعضاء التنظيم إيقاف الملتقى لحين ربطه ببقيادة الجماعة وهو الطلب الذي قوبل برفض تام جاء في صورة مراوغة في البداية ثم بشكل مباشر وصريح بعدما انتظم الموقع وتأسس وصار له قاعدة وزوار.
ثم كانت الوقفة الصارمة من قيادة الجماعة حين بلغها أن مؤسس الموقع قبل تبرعات من بعض الأفراد لتطوير الملتقى، إذ بدأت في اتخاذ إجراءات صارمة تجاهه حيث أحيل للتحقيق الداخلي الذي انتهى بإيقافه مؤقتا عن عضوية التنظيم وتسليم الجماعة إدارة الموقع كاملة وهو ما رفضه بقية المؤسسين الذين أصروا على استقلالية الملتقى وعدم خضوعه للتنظيم وبدأوا مراواغات تنظيمية لمنع الوصول إليهم ومنع تسليم إدارة الموقع للجماعة لتبدأ فصول المعركة.
فقد انتبه المسئولون بالتنظيم إلى هذه المجموعة ونظروا بعين القلق والتوجس إلى ثقافتها الغريبة ورؤيتها النقدية للجماعة ونزعتها الاستقلالية في التفكير رغم إصرارها على الاستمرار في الجماعة والعمل من خلالها، كما أدهشتهم قدرات هؤلاء الشباب التقنية والإدارية، والتي انعكست على موقعهم ففاق غيره من المواقع الرسمية التي تشرف عليها الجماعة وتتولى تمويلها وإدراتها بفرق عمل متفرغة.
ففي فترة وجيزة تطور ملتقى الإخوان بما يشبه القفزة الهائلة فزاد عدد زواره بدرجة مذهلة ( أكثر من خمسة عشر ألف زائر ) قياسا بزوار المواقع الرسمية للجماعة وأبرزها إخوان أون لاين ( أو حقائق مصرية سابقا )، كما استطاع جذب قطاعات كبيرة من الشباب الإخواني بسبب سخونة وحيوية وصدق القضايا التي يناقشها ومستوي الصراحة والوضوح الذي تناقش به مقارنة مع المواقع الرسمية التي تتحدث بلغة جافة متعالية ومراوغة وتلتزم خط الدفاع الدائم عن رؤية القيادة وسياستها، ولا تقبل بأي نقد أو تصويب.وتشبه إلى حد كبير إعلام خالد الذكر صفوت بك الشريف!
وقد زادت جاذبية الملتقى بعد رفض قيادة الجماعة السماح طلب بعض الشباب فتح منتدى حواري على موقعها الرسمي ( إخوان أون لاين) بما يسمح بمساحة للتفاعل والتواصل بينهم وبين قيادتهم، وهو ما يتيحه ملتقى الإخوان الذي تبنى سياسة استضافة قيادات الجماعة التنظيمية الدعوية وإدارة حوارات حية مباشرة معها تطرح فيها كل القضايا والمشكلات من دون تحفظ أو مراوغة.
وعليه فقد بدأت قيادة الجماعة إجراءات تقليم أظافر الملتقى تمهيدا لغلقه!
كانت المواجهة الأولي عام 2003 عقب وفاة الشاب الإخواني مسعد قطب في أحد مقار جهاز أمن الدولة واتهام قيادة الجماعة الدولة بالمسئولية، حيث كتب بعض زوار الموقع الشباب يطالب بالتحرك لمواجهة أجهزة الأمن وتكشيل مجموعات ردع لمنازلتها!!
التقطت بعض الصحف المصرية المحلية هذه التعليقات واستغلتها في شن حملة على الجماعة مستغلة اسم ( ملتقى الإخوان ) للتشويش على القراء وإيهامهم بأن الإخوان بدأوا في تبني خيار العنف، على الرغم من أن الموقع لا يمثل الجماعة رسميا وهو أقرب إلى ساحات الفضفضة التي يمتلأ بها فضاء الإنترنت والتي يستطيع أي شخص من أي تيار إعلان أفكاره وقول ما يشاء. وأمام شراسة الحملة وفداحة الاتهام لم يكن أمام المستشار مأمون الهضيبي سوى إعلان عدم صلة الجماعة بالموقع وأن موقعها الرسمي هو إخوان أون لاين.
ويبدو أن شراسة الحملة التي تسبب فيها الملتقى دفعت بمؤسسيه- وكلهم من الإخوان- إلى ممارسة نوع من الرقابة الذاتية لقطع الطريق على أصحاب الأفكار والدعوات العنيفة ( الجهادية ) مع تأكيدهم على أن الموقع لا يمثل جماعة الإخوان.
استمر عمل الموقع وعاد إلى حيويته بعد اللغط الذي أثاره دعاة منازلة الأمن ولكن لم يعد الأمر إلى سابق عهده عند بعض القيادات التي لم يقنعها الرد السياسي للهضيبي، وهي التي لم تعرف قط الفصل بين الرسمي وغير الرسمي، ولم تستسغ فكرة أن تكون هناك مساحة لسماع آراء القاعدة فضلا عن أن يتم ذلك بعيدا عن رقابة التنظيم.
وفي العام الماضي 2004 تكرر الخطأ الفادح وأقام بعض زوار الموقع من ذوي الانتماءات الجهادية العنيفة وربما بعض شباب الإخوان أنفسهم ساحة عزاء لعبد العزيز المقرن زعيم تنظيم القاعدة في السعودية ( الجزيزة العربية بتعبير القاعدة ) الذي قتلته القوات السعودية، فكانت الطامة الكبرى التي استدعت إجراءات حاسمة من قيادة الجماعة.
فقد أصدر الدكتور محمود عزت أمين الجماعة بيانا يتبرأ فيه ليس من أفكار العنف ومنهجه فقط بل من ملتقى الإخوان، الذي نشرت عليه، ونشر الموقع الرسمي للجماعة ( إخوان أون لاين ) نص البيان وتصريحا شديد اللهجة، كما نزلت توجيهات مشددة للإخوان بمقاطعة الملتقى ومنع التعامل مع أفراده أو التبرع لهم، وهُدد مسئولو الموقع من المصريين بالتحقيق والفصل من الجماعة إذا استمروا به، فترك بعضهم الموقع التزاما أو "بعدا عن وجع الدماغ" بتعبير أحدهم! ومن تبقى منهم لم يكن أمامهم إلا أن رفعوا عن ترويسة الموقع اسم الإخوان وغيروا اسم الموقع فأسسوا بديلا عنه اكتفوا فيه باسم ( الملتقى ) http://www.al-multaqa.net الذي حمل تصميم ترويسته الجديدة احتجاجا صامتا.أما زوار الموقع ونشطاؤه فقد أقاموا الدنيا احتجاجا على موقف قيادة الجماعة التي "لا تعرف الإنترنت ولا تفهم منطقه!"واعتبروا أن ما جرى كان لمصلحة المواقع الرسمية والقائمين عليها.
حاول القائمون على الموقع تهدئة الأجواء وتبني سياسة جديدة أقل صداما مع قيادة الجماعة ، فبدأ إيقاع الملتقى يميل للمحافظة وألغيت حوارات حية مع قيادات إخوانية محل جدل ( مثل مختار نوح الذي ألغيت استضافته بعد الإعلان عنها )، وسعى الملتقى لاستضافة المرشد نفسه مراهنا على ما عرف به من مرونة وسعة صدر مع الشباب، وهو ما حدث فعلا...لكنه جاء متأخرا وبعد أن كانت القيادات التنظيمية المتنفذة قد بيتت العزم على غلقه!.
كانت مداخلات الجهاديين دعاة العنف سببا مباشرا وظاهريا يصلح حجة لتعقب الموقع لكنه لم يكن السبب الحقيقي، فلأول مرة تشعر القيادات التقليدية خاصة في قسم التربية بأن هناك سلطة أخرى- هي سلطة الإنترنت- يمكن أن تخترق سلطتها على كوادر التنظيم بل وتتفوق عليها، سلطة أخرى مستقلة يمتلك من خلالها أعضاء التنظيم قدرات هائلة من الاستقلال عنها والخروج من قبضتها التي كانت مطلقة .
فقبل ذلك كانت المعلومات والتوجيهات وبرامج التكوين والتثقيف كلها تمر في طريق واحد: من القيادة للكوادر، وهو طريق لم يكن وارد فيه على الإطلاق فكرة المراجعة فضلا عن النقد والتعديل وربما التكذيب أحيانا.
لقد قضت الإنترنت على منهج التلقي والتوثيق الذي اعتمده الإخوان طوال تاريخهم وهو منهج يحصر صدق معلومة وصواب الفكر في التنظيم وقيادته وآلياته، ويجعل أي معلومة تأتي من خارج التراتبية التنظيمية محل شك وهي إلى الكذب أقرب. وهو المنهج الذي سمح بغياب الحقائق في كثير من قضايا الجماعة وأحداثها المهمة، فإذا بموقع يديره مجموعة شباب يكشف اللثام عنها لكل القواعد الإخوانية ويتيح لها إبداء وجه النظر فيها.
في ملتقى الإخوان تحدث الشباب عن استقالة الدكتور حامد عبد الماجد أستاذ العلوم السياسية من المكتب السياسي للجماعة، وأسرار ترك كمال الهلباوي مسئول التننظيم في أوربا للجماعة، ومعركة إخوان السودان مع الترابي.. وفي الملتقى نشرت لوائح الجماعة ومناهج التربية فيها لكل مستويات العضوية، وأوراق التيار التجديدي في الجماعة ، وأهم الدراسات النقدية لمسيرتها..وغيرها من الوثائق التي كانت تحاط بإطار " وهمي" من السرية يحجبها عن الكوادر والأعضاء، وهو سري عنهم فقط لأنه موجود ومعروف لكل الأجهزة الأمنية والمعادية للجماعة، تماما كوثائق خطة التمكين التي ضبطت في قضية سلسبيل الشهيرة والتي منعت القيادة اطلاع الكوادر عليها وحذرت من اختفاظهم بها بزعم أنها سرية رغم أنها كانت قد نشرت كاملا في مجلة المصور!!
لقد كان كسر إطار السرية على المسكوت عنه، وجر قيادات الجماعة مضطرة للحديث فيما يثيره الشباب على الإنترنت أكبر الجرائم التي ارتكبها موقع ملتقى الإخوان والذي رأى فيه مسئول التربية بالجماعة تنظيما موازيا ومناطحا للتنظيم الأم ( أطلق عليه تنظيم النت / أو تنظيم الأولاد بتوع النت) ومن ثم كانت النية في إغلاق الموقع وتصفيته وكان القرار في انتظار التوقيت المناسب.
ومع فاتحة العام الجديد اندلعت حملة كبيرة ضد المرشد العام محمد مهدي عاكف بعد تصريحات نسبتها إليه جريدة المصري اليوم وقف فيها ضد مطلب تغيير الدستور ويفهم منها تأييده لاستمرار الرئيس حسني مبارك في الحكم وعدم معارضته باعتباره " ولي الأمر " الواجب طاعته شرعا. وكانت الحملة قد بدأتها مجموعة من شباب الإخوان أرسلوا رسائل اعتراض واحتجاج عبر المجموعات البريدية على الإنترنت هاجموا فيها المرشد وطريقة إدراة الجماعة عموما وهي التي اعتمدت عليها بعض الصحف – مثل الأسبوع- في حديثها الغريب عن انقلاب وتمرد في الجماعة.
كان من أهم الرسائل تلك التي تقول:
"الأستاذ محمد مهدي عاكف فضيلة المرشد العام للاخوان رجل فاضل و متفتح ولا نزكيه على الله و لكن كل هذا لا يمنع أن نناشد الرجل أن يتقي الله فينا نحن شباب الجماعة ،فنحن نتعرض الى هجوم ضار من باقي شباب القوى السياسية في الجامعة بسبب بعض التصريحات الغريبة لفضيلته ، والرجل مظلوم في هذا الأمر ففريق العمل حوله ضعيف جدا و سكرتيره لشؤون المعلوماتية - الأستاذ الفاضل مسعود السبحي - أخ له تضحيات و لكنه ضعيف جدا في الجانب الاعلامي و غير قادر على مواكبة العصر و الرجل حتى لا يجيد استخدام الانترنت كما أنه لا يجيد الخطاب السياسي المعاصر و هو ناجح جدا في الخطاب الوعظي و الدعوي الداخلي ،أما ترك فضيلة المرشد ليواجه الإعلام وحده بهذا الشكل و من دون مستشارين اعلاميين ومفكرين حقيقيين فهو الكارثة بعينها ، ومطلوب أن يستفيد المرشد من طاقات معطلة مثل عصام العريان و أن يزيل عنه التقويمات السلبية لمشايخ الجماعة التقليديين الذين يضعفون من عصام ويعوقون من تواجده مع المرشد ، واما أن يحدث هذا أو نقضي باقي عمرنا في شكل دفاعي عن المرشد و أنه لم يكن يقصد ،أو نستخدم الميكانزمات الدفاعية .
يا فضيلة المرشد ، يعلم الله كم نحبك و نقرقش لك الزلط والله يا راجل ياطيب و لكن للصبر حدود و نتمنى أن تحدث تغييرات حقيقية داخل مؤسسات الجماعة ، لا مجاملة في الدعوة يا أستاذنا الكريم ، و صار من الضروري أن تأخذ قرار الاستعانة بمجموعة شبابية تعينك على أمر هذه الدعوة المباركة ، وتوفر على الجماعة آلاف الجنيهات التي يتم صرفها سنويا على ذوي الامكانات الضعيفة من الكوكبة التي تحيط بفضيلتكم و لا يمكنها أن تستوعب متغيرات العصر ،خاصة و أنهم - حفظهم الله - ما زالوا يعيشون في عصور ماقبل التاريخ.
كان أسلوب الرسائل وطريقتها جديد تماما على الجماعة فكانت الفرصة سانحة للحديث عن "تنظيم الأولاد بتوع النت" الذي ألقيت عليه مسئولية الحملة، وصدر القرار بوقف شريان هذا التنظيم أو رأس الحية : ملتقى الإخوان.
وقبل أيام فوجئ زوار الملتقى بعدم وجود الموقع على الشبكة تماما، ثم برسالة تقول:
الأخوة والأخوات أعضاء الملتقى الكرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ونعتذر عن هذا العطل المفاجئ لسيرفر الموقع المستضيف .. والذي أدى إلى تعطل كل المواقع المركبه عليه ،، وما زالت هناك محاولة لاستعادة قاعدة البيانات الخاصة بالملتقى .. وإن شاء الله تتوج الجهود بالنجاح بفضل دعواتكم..
كانت الرسالة محاولة للتعتيم على ما جري، فقد قتل الملتقى ودفن معه سره ولم يعد يتحدث عنه أحد إلا بعض الساعين للبحث عن الأسرار.
تحدث إلى أحدهم مؤكدا أن الإغلاق تم بعد ضغوط كبيرة من قيادة الجماعة على أصحابه، ثم جائتني رسالة من آخر بعنوان " عهد الأستاذ مهدي عاكف ...الذي لم يقصف فيه قلم!!!!!" ويتساءل فيها بمرارة من شاب تصادر حريته وتطحنه رقابة الجهات السيادية أينما ذهب، وتلاحقه الحكومة أينما حل: حكومة النظام أو حكومة الإخوان، لقد كان سؤال الشاب : أين موقع ملتقى الإخوان ؟ هل تم إغلاقه من جهات سيادية في النظام ، أم جهات سيادية في الجماعة؟