مصاهرة الإخوان وعادل إمام ..في فهم ما جرى للكوادر الإخوانية
باحث مصري في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
السياسة في بلاد العالم بلا قلب لكنها في مصر بلا عقل أيضا! ربما لا يجد المرء أفضل من هذه المقولة التي أطلقها السياسي الراحل مكرم عبيد باشا للتعليق على أحدث المعارك أو الحرائق السياسية التي لم تكن بسبب أي من القضايا الحقيقية الملتهبة التي تنتظر التفجير وما أكثرها في مصر وإنما فجرتها مناسبة زواج ابن رجل أعمال وقيادي إخواني من ابنة الفنان عادل إمام !
ليس أسخف من سبب المعركة إلا الطريقة التي أديرت بها ومستوى التناول الذي يؤشر على حالة الانحطاط والتردي العام التي ضربت المجتمع ففي هذه المعركة غابت الحدود بين الخاص والعام وانتهكت الحرمات والحياة الشخصية ليس لأن القضية تتعلق بشخصية عامة ولأسباب لا تتعلق بالرغبة في الاستفادة من الخاص في التحليل السياسي وإنما هي حالة من السعار و الديماجوجية أملتها الرغبة في التدمير والانتقام من خصوم سياسيين تحت ستار حرية الصحافة.
لن يتوقف هذا المقال حول الأخطاء والخطايا التي ارتكبها مشعلو الحرائق بقدر ما سيتوقف حول نموذج لمناسبة اجتماعية خاصة وشخصية كانت تصلح بامتياز كموضوع لتحليل سياسي و اجتماعي مهم يتعلق بتغيرات اجتماعية وسياسية في المجتمع المصري تستحق الرصد والتحليل لكن الفرصة ضاعت بين ضجيج المعارك وغطت على ها سحب الدخان.وهو ما يحاول هذا المقال تداركه.
القضية – الخناقة التي أثيرت كانت تطرح السؤال- المفارقة: كيف قبل الفنان عادل إمام الذي فضح نموذج "الإرهابي" وكشف " طيور الظلام" حتى صار – في الأوساط الثقافية والسياسية- رمزا في المعركة ضد التطرف والإرهاب؛ كيف قبل هذا الفنان الرمز بزواج ابنته من ابنة قيادي في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة والمتهمة من مشعلي الحرائق بالمسئولية التاريخية عن موجة التطرف والإرهاب ؟
والحقيقة أن الأفضل والأكثر دقة هو أن يعكس السؤال أو يعاد طرحه فيصبح: كيف قبل قيادي في الإخوان المسلمين أن يكون صهرا لفنان مثل عادل أمام وكيف قبل الإخوان المسلمون بمباركة هذا الزواج حتى حضره مرشد الجماعة بنفسه وعدد من قياداتها؟!
طرح السؤال هكذا لا علاقة له بقيمة وحيثية أحد الطرفين بقدر ما يتعلق بالثقافة السائدة ومحاولة التعرف على ما تغير فيها، فإذا كانت مصر قد عرفت – خاصة قبل ثورة يوليو- ظاهرة تعدد الانتماءات داخل العائلة الواحدة وإمكانية التصاهر والتعايش بين أبناء لعائلات تختلف فكريا وسياسيا إلى حد التناقض وهو ما قضت عليه الثورة المباركة وجاءت طليعة الانحطاط الثورية لتقضي على بقاياه ؛ فإن الجديد هو أن تكون مصاهرة فنان وبشخص مثل عادل إمام محل قبول من عضو قيادي بالإخوان ومحل ترحيب من قيادة الجماعة.وهو ما كان مستبعدا قبل سنوات قليلة على الأقل في عقد الثمانينات إذ لو حدث ذلك قبل 15 عاما وقبل القيادي ورجل الأعمال نبيل مقبل بمصاهرة عادل إمام لما قبل محمد حامد أبو النصر الدعوة ولرفضها مصطفي مشهور بحزم. فقد كانت مسألة العلاقة بالفن وأهله من مسائل الجرح والتعديل داخل الجماعة التي يقول التاريخ إن قواعدها المحافظة قد تغفر مؤاخذات تنظيمية وسياسية لأحد قيادات الجماعة الحاليين أو السابقين كما فعلت مع كمال أبو المجد والشيخ الباقوري وعبد العزيز كامل ولكنها لم تكن لتغفر زواج المذيع القدير والإخواني السابق أحمد فراج من الفنانة صباح وهو الخطأ و"العيب "الأكبر الذي لا ينسى في الوعي الإخواني.
وعادل إمام كان في الوعي الإخواني والإسلامي الحركي أحد رموز الحملة التي تصدت للتيار الإسلامي وكان صوته الأعلى والأكثر حضورا كفنان ساخر في بلد تؤثر فيه النكتة والقفشة بأكثر من المناظرة والمحاورة الفكرية وهو الفنان والممثل القادم من وسط فني ما زال- في الوعي الإسلامي فضلا عن وعي رجل الشارع البسيط- مرتعا لكل الموبقات والفساد والتردي الأخلاقي الذي لا يمكن التسامح معه خاصة إذا عرف عن صاحبه الجرأة في تقديم المشاهد والأدوار التي تثير الحساسية الدينية والأخلاقية وهو ما تخصص فيه عادل إمام بامتياز وتعقدت الصورة حين اختصر عادل إمام في سنواته الأخيرة المسافة بينه وبين السلطة فصار من المحسوبين عليها فاجتمعت له عند الإسلاميين وقطاع كبير من المتدينين كل السوءات حتى صار وجوده عندهم عنوانا على أن الدنيا تسير بالمقلوب وشاعت بينهم قفشة الشيخ كشك التي يتهكم فيها على حال المسلمين الذين ظلوا يدعون الله أن يرزقهم بإمام عادل فجاءهم عادل إمام!
وما يجب التأكيد أن الزواج بين ابن القيادي الإخواني وابنة عادل أمام شأن خاص لا ينبغي التورط في تفاصيله أو طرحه في ذاته كمادة للنقاش كما أنه في دائرته الضيقة لا علاقة له بالسياسة وحساباتها خاصة وأن طرفيه الأصليين- العريس والعروس- لا علاقة لهما بأي حسابات أو مواقف سياسية وإنما جمعتهما عاطفة الحب والرغبة في الارتباط، لكن السياق الذي جرى فيه وأنتجه وردود الفعل التي صاحبته يصلح كمادة للتحليل السياسي والاجتماعي خاصة في جوانبه التي تتعلق بالتغيرات الاجتماعية والثقافية وربما السياسية التي لحقت بالكوادر والأسر الإخوانية حتى صار من الممكن والمقبول أن تشهد تجارب للحب والزواج على غرار ما حدث وأن تتغير العلاقة بين تنظيم إسلامي تقليدي كالإخوان وبين الفن وأهله وعالمه.
والذي ينبغي التوقف عنده ابتداء هو قضية علاقة الإخوان بالنخبة إذ لا يمكن فهم ما حدث بعيدا عن استراتيجية ظلت ثابتة لجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها وتم التأكيد عليها في السنوات الخمس الأخيرة تتعلق بضرورة تواجد الجماعة وتمثيلها داخل النخبة والطبقات العليا في المجتمع دون أن يشغلها ذلك عن الامتداد والانتشار داخل الطبقات الأخرى في المجتمع خاصة الطبقة الوسطي التي ظلت الرافد الأول الذي يمدها بالكوادر والأعضاء والمتعاطفين معها.
كان ذلك واضحا تماما في رؤية مؤسسها الشيخ المرحوم حسن البنا الذي عرف بتركيزه على تجنيد أعضاء للجماعة من صفوة المجتمع وشرائحه العليا حتى ولو دفعه ذلك للتساهل في شروط العضوية والصعود داخل البنية التنظيمية لجماعته إذا ما تمتع العضو بمكانة اجتماعية أو سياسية أو كان ينتمي لإحدى العائلات ذات النفوذ، حدث هذا مع كثير من الأعضاء صاروا فيما بعد قيادات بارزة في الجماعة وتبوءوا فيها أهم المناصب. ومن أبرز النماذج محمد حامد أبو النصر ابن عائلة أبي النصر الأرستقراطية الشهيرة في منفلوط بأسيوط الذي تم تصعيده سريعا في سلم التنظيم اعتمادا على مكانته الاجتماعية في الصعيد وتطور وضعه التنظيمي فيما بعد حتى صار عضوا بمكتب إرشاد الجماعة فمرشدا خامسا لها وتكرر الأمر مع المستشار حسن الهضيبي رئيس محكمة النقض الذي دخل التنظيم مرشدا ثانيا خلفا للمرشد المؤسس ولم يمر بأي درجة من درجات العضوية التي لابد أن يمر بها كل أعضاء التنظيم وكان السبب في ذلك حاجة الجماعة للرجل ومكانته لإعادة الدفء إلي علاقتها بالملك الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بعدد من المقربين منه وكذلك وهو الأهم تحسين سمعة الجماعة في أوساط القضاء بعد أن ساءت بسبب اغتيال أحد أفراد نظامها الخاص للمستشار أحمد الخازندار؛ فلم تمانع قيادة الجماعة- على غير المتوقع منها- في أن يقودها قاض وليس رجل تنظيم ولم يسبق له الانتماء للتنظيم من قبل.
المفارقة أن هذه الاستراتيجية التي أتاحت للجماعة التواجد والتشابك مع عائلات وطبقات اجتماعية على ا في كل أنحاء مصر كانت موضع انتقاد من بعض التيارات والجماعات الإسلامية التي كثيرا ما لمزت فيها باعتبارها جماعة تسند قيادتها للملأ أو المتنفذين اجتماعيا واقتصاديا وأحيانا ما جاءت الانتقادات من داخلها ولكن في صورة تهكم وغمز على نحو تعبير هنداوي دوير في تحقيقات النيابة في حادثة المنشية 1954 من أن الشيخ المرحوم حسن البنا كان يحب "الفترينات" في إشارة إلي الوجهاء وأبناء الذوات الذين كان يهتم بتجنيدهم ويحتفي بهم ، وما صرح لي به اللواء أبو المكارم عبد الحي قائد التنظيم ضباط الإخوان في الجيش ليلة الثورة في مذكراته حيث تحدث عمن أسماهم بعصابة الستة الذين احتكروا إدارة الجماعة وتوجيهها في ولاية المرشد الثاني حسن الهضيبي ولم يكن لهم ما يميزهم عن الباقين سوى أنهم من أهل اليسار وأبناء العائلات الكبرى ومنهم حسن عشماوي الذي كان ابنا لوزير المعارف.
وقد أكدت الجماعة على هذه الاستراتيجية في الفترة الأخيرة ليس على مستوى تجنيد أبناء النخبة في صفوف الجماعة والارتباط بهم اجتماعيا فحسب، بل وعلى مستوى صناعة نخبة من كوادر التنظيم نفسه توفير كل وسائل الترقي والصعود الاجتماعي( مساعدات مالية ومنح تفرغ، تدريب ومنح علمية، سكن ..) لنوعية مؤهلة من كوادرها للالتحاق بالطبقات الأعلى.
وساعد الجماعة على تحقيق استراتيجيتها نجاحها في الانتشار والتوسع أفقيا ورأسيا في كل المجتمع المصري وتربية كوادرها على الصعود الاجتماعي خاصة أبناء جيل السبعينيات الذي امتد نشاطه بعد الاتحادات الطلابية إلي النقابات المهنية فالمجالس المحلية فالبرلمان وأكد حضوره- إلي جانب العمل السياسي- في الحياة الأكاديمية والنشاط الاقتصادي ..وعليه لم يكن غريبا أن تستحوذ جماعة الإخوان على القوة الأكبر بين أساتذة وأعضاء هيئة التدريس في مصر وأن يدير أعضاء حاليون أو سابقون عددا من الشركات والمؤسسات الاقتصادية في كثير من أنحاء مصر.
ولا يمكن النظر إلي ترحيب الإخوان وحفاوتهم بمصاهرة أحد قيادييهم بالفنان عادل إمام أو فهمها بعيدا عن تحليل شخصية المرشد الحالي محمد مهدي عاكف وتصوره للجماعة وطريقة تربية أفرادها وطبيعة علاقتها بالمجتمع فالمعروف عن عاكف الذي نشأ في الجماعة منذ أن كانت تتمتع بالقانونية إصراره على مشروعية الإخوان وقانونية حركتهم وعدم الاعتراف بالحظر القانوني المفروض عليها منذ صدامها مع الثورة في 1954 ودائما ما عمد إلى تأكيد ذلك في كل المناسبات فكان القيادة الوحيدة التي رفضت التبرؤ من اتهام النيابة بالانتماء لتنظيم غير قانوني في المحاكمة العسكرية التي واجهها سنة 1996 رغم أن هناك توافقا داخل الجماعة على السماح للأعضاء بإنكار تهمة الانتماء للتنظيم ففاجأ النيابة ومحامييه من الإخوان بتأكيده على هذا الانتماء وأنه عضو في أعلى سلطة بهذا التنظيم أي مكتب الإرشاد بل ورفض أثناء نظر القضية الاعتراف بالمحكمة العسكرية معلنا انتماءه لتنظيم الإخوان "الشرعي حتى ولو منعه القانون" كما عرف عنه حثه الدائم للإخوان على إعلان انتمائهم وعدم الخوف من الملاحقة القانونية، لذلك فمنذ توليه منصب المرشد وهو يسعى إلي كسر حصار اللا مشروعية القانونية الذي تضربه الدولة على الجماعة ولا يتوقف عن ذلك فدشن عهده بسلسلة زيارات رسمية لجميع الأحزاب السياسية المعارضة في مقارها للتأكيد على المشروعية بقوة الأمر الواقع وهو ما أتبعه باختيار مبني نقابة الصحفيين- وليس مقره في ضاحية المنيل النائية عن قلب الأحدث- لإعلان مبادرته للإصلاح وظهوره المتكرر والدائم في كافة الفاعليات السياسية والبرامج والندوات والحوارات التي يدعى لها في الصحف والفضائيات..واستطاع أن يحول المناسبات الإنسانية والشخصية إلى حدث سياسي يصب في إطار فك الحصار عن جماعته كما حدث في زيارته لرئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقي لعيادته في مرضه تماما ككل رجال الدولة والقيادات السياسية الرسمية ومن ثم لم يكن غريبا- فضلا عن الاعتبارات الإنسانية والتنظيمية التي تربطه بالمهندس نبيل مقبل- أن يلبي دعوة عقد قران يبني علاقة وثيقة مع شخص مثل عادل إمام يتجاوز وضعه كفنان ليصبح رمزا ورقما مهما في النخبة المصرية حتى ولو كانت مواقفه وسلوكياته مرفوضة داخل الجماعة والجماعات الإسلامية الأخرى وهذا لا يتعلق ببراجماتية سياسية بقدر ما يتصل بجوانب من شخصية عاكف قد لا يعرفها كثيرون، فعاكف من أكثر قيادات الجماعة رغبة في الانفتاح على المجتمع وتجاوز البنية التربوية المغلقة التي غلبت على كثير من كوادرها خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بالفن والفنانين ويعرف عنه في الأدبيات الإخوانية أنه القيادة التي فاجأت قواعدها قبل سنوات بأنه يحب السينما ويسألهم في أحد اللقاءات التنظيمية عما إذا كانوا قد شاهدوا فيلم "كتيبة الإعدام" أم لا؟ ويعبر عن استيائه لأن عضوا في التنظيم لم يشاهد الفيلم! وقد لا تكون عند الرجل رؤية أو اجتهاد ديني في هذه المساحة الملغومة بالتساؤلات عند كل الإسلاميين وغالبية المتدينين ولكن للرجل رغبة في تجاوز هذه المسألة وإجراء مصالحة بين جماعته وبين الفن وأهله.
أما السياق الأهم الذي ينبغي أن يوضع فيه حدث زواج ابن القائد الإخواني من ابنة الفنان الكبير فهو التطورات التي لحقت بالظاهرة الإسلامية الحديثة ومن بينها التنظيمات الإسلامية وهي تستحق التوقف أمامها كثيرا بعيدا عن مهاترات الانتلجنسيا المصرية .
فقد حدثت تغيرات جذرية في ظاهرة التدين لم تتوقف عند جماهير الناس المتدينة بطبعها فطالت كل التنظيمات الإسلامية وخاصة الأكثر انغماسا في السياسة وكان من أهم ما أفرزته ما يسمى بظاهرة الدعاة والمتدينين الجدد الذين تربطهم قواسم ومشتركات فكرية واجتماعية وتوحدهم أنماط سلوكية انتقلت و تمددت بدورها داخل بنية التنظيمات الإسلامية لتؤدي بها نحو مزيد من الانفتاح والترفيه والمتعة والأنسنة والتحديث بل والتغريب وربما العلمنة وهي تغيرات كبيرة كما وعميقة كيفا حاولت بعض البحوث الحديثة رصدها وكتبت أنا والباحث السويسري باتريك هاني عن بعض معالمها ونشرنا أكثر من دراسة في مجلة اللوموند ديبلوماتيك ( البورجوازية المصرية وإسلام الموضة أو الإسلام الإيركونديشن ) وفي مجلة النوفيل أوبزرفاتور ( الظاهرة الإسلامية في مصر وكيف دخلت عصر الفردنة والإيمان من دون انتماء ) ومجلة القرن العشرين الفصلية التاريخية ( قصة وتاريخ فرق الإنشاد والغناء الإسلامية وكيف تصلح مدخلا لإعادة فهم التغيرات التي طرأت على الظاهرة الإسلامية في مصر) ..وهي تغيرات لا يتسع المقال لسردها كاملة خاصة في مساحة التعاطي مع الفن وأهله وقضاياه ولكن ما يتعلق بموضوع المقال هو أن أبرز تجليات هذه التغيرات في التنظيمات الإسلامية كان فقدانها لأهم ما عرفت به ففقدت النقاء الأيدلوجي وضعف الانضباط التنظيمي لكوادرها أو فقدانه للصرامة التي عرف بها، لم يعد الكادر الإخواني على نفس النقاء الأيدلوجي والانضباط التنظيمي الذي اشتهر به ولم يعد الإخوان أسرى عالمهم الخاص لا يغادرونه إلا للعودة إليه ، لم يعودوا كالسابق- يعيشون داخل التنظيم- الدولة حياة كاملة ينشأون ويتكونون فكريا وسياسيا ( عبر الأسر الإخوانية ) ويتعلمون ( في مدارس تابعة للإخوان أو بمتابعة منهم) ويتزوجون( فالعضو يتزوج من التنظيم أو بمعرفته) ويعملون ( في شركات ومؤسسات إخوانية أو قريبة من الإخوان) ويجمعهم سكن واحد ومناسبات اجتماعية واحدة حتى كانت الرحلات والمصايف لا تتم بعيدا عنه!
لقد تغيرت عباءة الإخوان فاتسعت وصارت فضفاضة تضم تحتها خليطا قد يبدو غير متجانس من الأفكار والخطابات وطرق الحياة فضلا عن المستويات الاجتماعية والتعليمية المتفاوتة بالطبع، وهو خليط يستقي فيه الشاب الإخواني أفكاره من "الداعية المحبوب"عمرو خالد بعد أن فقد "الشهيد" سيد قطب بريقه، ويستلهم نموذجه في "الفنان الملتزم" أحمد الفيشاوي مثلما كان يستلهمه في شخص " القائد الشاب" أسامة بن زيد وكلها طرائق تفكير وحياة تتجاور ولا يجمعها إلا الانتماء لتنظيم ديناصوري تتعدد وتتفاوت فيه المرجعيات الفكرية وآليات التثقيف والتربية وشبكة العلاقات مع التنظيم وخارجه لقد تغير كل شيء حتى الرواية الكبرى التي كانت تلهم الجماعة ومن أجلها تأسست وانتشرت باتساع العالم وبعمق ثلاثة أرباع القرن، فقد سقط نموذج الدولة الإسلامية الكلاسيكي الذي طالما ألهب الخيال وجمع المناصرين وشكل الوعي ورسم طريق الحركة ومنهجها؛ ربما لم يسقط النموذج كشعار ولكنه سقط واقعيا وعلى مستوى الممارسة والإجراءات اليومية الحقيقية ومن بينها سنة الزواج الذي لم يعد يتم كجزء من حركة شمولية تضع اللبنة الأولى لبناء الخلافة الإسلامية كما كان يردد شيوخ الإخوان في حفلات الأعراس بل صار شأنا خاصا للفرد الإخواني ولأسرته يديره كما يشاء ولا مانع من أن يقوم على قصة حب!.