مهدي عاكف مرشدا ...كيف ترضي توفيقية الإخوان كل الأطراف؟
باحث في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لو أعيدت انتخابات مكتب الإرشاد التي عقدت الأسبوع الماضي( الأربعاء 14/1/2004) لاختيار مرشد جديد للجماعة مائة مرة فلن تخرج عما انتهت إليه بتنصيب محمد مهدي عاكف مرشدا سابعا للجماعة التي تكمل الشهر القادم 76 عاما هي عمر المرشد الجديد!
هذه ليست حتمية تاريخية أو روحا صوفية تؤمن بالتاريخ قدرا مكتوبا على أهله كتلك التي تعتري قيادات ومشايخ الإخوان حين يتحدثون عن أنهم لا يختارون قادتهم وأن الله هو الذي يختار لهم؛ بل هي ما سينتهي إليه أي تحليل لشخصية الرجل وتركيبة مجلس القيادة في الجماعة ثم يضعها في إطار الظروف الداخلية والخارجية وطبيعة الرحلة التي تعيشها والتي لم يوفق الإخوان في حسابها مثلما وفقوا هذه المرة!
فإذا كانت مبالغة القول بأن انتخاب مهدي عاكف مرشدا يمنع انفجارا داخل الجماعة وخارجها فلا أقل من أنه يزيل الاحتقان داخل الجماعة ويهدئ أو يسكن كثيرا من الملفات المتوترة والملغومة داخليا وخارجيا إن لم يساهم في حلها ويعكس روحا توفيقية دائما ما اتسمت بها جماعة الإخوان حتى بدا انتخابه حلا تواطأت عليه كل أجنحة الجماعة وأجيالها .
فالمرشد الجديد ( 76 عاما) يقف في منتصف الطريق بين جيلين في مكتب الإرشاد تبدو الهوة العمرية بينهما كبيرة ؛ الأول اصطلح على تسميته بالحرس القديم الذين تجاوزت أعمارهم الثمانين ( مثل :أحمد حسنين 84، محمد هلال 84 سنة) والثاني من جيل الوسط الخمسيني الذي بدأ العمل الإسلامي في الجامعات المصرية في حقبة السبعينيات ( مثل: عبد المنعم أبو الفتوح 53 عاما ومحمد على بشر52 عاما ..) وبدا أن قيادة الجماعة ممثلة في مكتب الإرشاد تأثرت في اختيارها بثورة الانتقادات المكتومة داخل الصف الإخواني والتهكمات المعلنة خارجه، على مبدأ تولية الأكبر سنا ( توفي المرشدان السابقان عن عمر 83 عاما ) ؛ على أن الحرص على كسر قاعدة الأكبر سنا لم تصل إلى حد إسناد المنصب لواحد من جيل الوسط ( الأصغر سنا في عضوية المكتب) وبقي الحل الوسط في مهدي عاكف الذي يمثل نقطة اللقاء وتساعده لياقته البدنية العالية على تجاوز انتقادات تتعلق بقدرته على أداء مهامه ، فهو تخرج من كلية التربية الرياضية وعرف بحرصه على ممارسة رياضة المشي عدة ساعات يوميا ولا تبدو عليه آثار السن.
على أن التصنيف العمري في جماعة الإخوان لا يبدو ذا أثر في تحديد التوجه والمزاج الفكري لقيادة الجماعة إذ أن بعض المنتسبين لجيل الوسط عمريا تبدو أفكارهم أكثر اقترابا من الجيل الأكبر سنا وربما كان المرشد الجديد بمعايير الانفتاح أكثر "شبابية" من بعض أعضاء المكتب الأصغر منه مثلما هو الحال مع محمود غزلان ( 55 عاما) و محمود عزت ( 65 عاما) عضوي مكتب الارشاد المحسوبين على تيار الصقور في الجماعة.
ومثلما كان عاكف عنصر التقاء بين شريحتين عمريتين فهو أيضا نقطة التقاء تيارين في الجماعة دائما ما يظهر التمايز بينهما في القضايا الإشكالية؛ ويجمع في سيرته الإخوانية ما يدعمه لدى التيارين، فعاكف الذي ولد في عام تأسيس الجماعة 1928 التحق بصفوفها ولم يكمل الثانية عشر من عمره وتربى على يد مؤسسها الإمام حسن البنا أي أنه من "أهل السبق" بتعبير شيوخ الجماعة، كما أنه استهل ظهوره في الجماعة بالالتحاق بالنظام الخاص فالتنظيم السري وشارك في عملياته خاصة في مقاومة قوات الاحتلال الانجليزي في قناة السويس كما التزم موقف قيادتها الرسمية ولم ينشق مع كثير من قيادات النظام الخاص الذين انحاز بعضهم لجمال عبد الناصر في صراعه مع حسن الهضيبي، وصدر بحقه حكم بالإعدام خفف إلى السجن حيث قضى ضمن قليلين من أعضائها؛ عشرين عاما كاملة في سجون العهد الناصري ( 1954- 1974) ..وظل طوال نحو ثلاثين عاما في سدة القيادة حتى انتخب عضوا في أعلى هيئاتها ( مكتب الإرشاد) منذ 1987 .. أي أن تاريخه التنظيمي يشفع له عند القيادات التاريخية والنافدة في الجماعة بعكس سلفه الأخير المأمون الهضيبي الذي سطع نجمه في الثمانينات فقط وكان مفتقدا لكل هذا الحضور والتاريخ والسبق الجهادي الذي بدأه عاكف بالعمل السري والمقاومة المسلحة للاحتلال وأنهاه بثلاث سنوات قضاها في السجن العسكري وهو في السبعين من عمره...وهو نفسه- عاكف- الذي يحمل رصيدا غير قليل من المصداقية لدي الأجيال الأكثر شبابا وانفتاحا في الجماعة والتي نشأت وتربت في العمل العام المفتوح وخاصة جيل الوسط؛ إذ عرف دائما بأنه أقرب أعضاء مكتب الإرشاد إلى هذا الجيل وأكثرهم قدرة على استيعابه والتفاهم مع قياداته وكان الأب الروحي لمشروع حزب الوسط والمكلف بإدارة ملفه من قبل الجماعة قبل أن تتطور الأحداث في اتجاه الأزمة الشهيرة التي انتهت بفصل أو استقالة معظم مؤسسي الحزب وعلى رأسهم المهندس أبو العلا ماضي . ولم تمنع نشأة عاكف في النظام الخاص من أن يتحول كاملا فيما بعد إلى العمل العام فشارك في العمل السياسي وانتخب عضوا لمجلس الشعب على قوائم التحالف الإسلامي ( من عام 1987- 1990) وترشح مستقلا في انتخابات البرلمان عامي 1995، 2000 ولم يقتصر دوره على إدارة حركة الجماعة من وراء الكواليس كما فعلت قيادات العمل السري مثل أحمد حسنين والراحلين كمال السنانيري ومصطفي مشهور وهم كانوا مثله من أعضاء النظام الخاص.
وعاكف أيضا هو نقطة التقاء الداخل والخارج في الإخوان أو بين قيادة التنظيم الرئيسية في مصر وبين قيادة التنظيم العالمي، فقد كان من أبرز من تولوا عبء تأسيس هذا التنظيم حين استبق - مع مصطفي مشهور- بعدة أيام أحداث سبتمبر 1981 الشهيرة التي اعتقل فيها الرئيس السادات قيادات القوى السياسية المختلفة ومن بينها الإخوان؛ فغادر عاكف البلاد إلى ألمانيا حيث تولى مهام تأسيس وإدارة المركز الإسلامي في ميونيخ والذي تحول إلى مقر لاجتماعات التنظيم الدولي وشارك مصطفي مشهور صاحب العبء الأكبر في تأسيس هذا التنظيم حتى وضعت لائحته وأعلن رسميا في مايو من عام 1982 ، وهو ما سمح له ببناء علاقات واسعة مع قيادات تنظيمات الإخوان في كل أنحاء العالم كما كان له دور كبير في ملفات الإخوان العالمية وعلى رأسها ملف الجهاد الأفغاني، لذا يأتي اختيار عاكف ليزيد فرصة إعادة العلاقة بين قيادة الجماعة في مصر وقيادات التنظيم الدولي خارجها إلى قوتها التي كانت عليها قبل رحيل مصطفي مشهور مؤسس التنظيم الدولي والتي كانت قد توترت مع ولاية خلفه الرحل المأمون الهضيبي الذي تصادم مع عدد من قياداته في دول الخليج وبخاصة إخوان الكويت الذين لم ينسوا له موقفه من غزو العراق لبلدهم والذي كان في رأيهم مؤيدا للغزو وكذلك بعض القيادات الإخوانية في أوربا حيث كان وراء تصفية أعمال المركز الإعلامي للتنظيم الدولي في أزمة انتهت باستقالة أهم قيادات أوربا كمال الهلباوي بعد أن أصر الهضيبي على توحيد جهة الحديث باسم الجماعة وحصرها في القيادة المصرية التي كان متحدثا رسميا عنها.
وفي هذا السياق يجب أن نشير إلى أن تولي عاكف مسئولية قسم الاتصال بالعالم الإسلامي – أحد الأقسام المهمة في الجماعة- مكنه من عمل شبكة علاقات عالمية واسعة ليست فقط داخل التنظيمات الإخوانية المعتمدة بل وتنظيمات إسلامية أخرى مستقلة ولكنها وثيقة الصلة بالجماعة وممثلة في تنظيمها الدولي مثل الحزب الإسلامي باس في ماليزيا وحزب الرفاه وامتداداته في تركيا والجماعة الإسلامية في باكستان إضافة إلى تنظيمات ومؤسسات إسلامية أخرى قريبة الصلة بالإخوان توثقت صلته بقياداتها حين كان مستشارا للندوة العالمية للشباب الإسلامي ومسئولا عن المخيمات الدولية بها.
وتعكس الحفاوة التي قابلت بها قيادات التنظيم الدولي ترشيح مكتب الإرشاد في مصر لعاكف مرشدا متانة العلاقة وتؤشر لمستقبلها حيث سارع مجلس شورى التنظيم بالانعقاد ووافقت – وفق تصريحات من مكتب الإرشاد- كل قياداته بالإجماع على ترشيح عاكف مرشدا وهو ما أسرع بإعلان تنصيبه بعد أربعة أيام من عزاء سلفه وهو وقت قياسي إذا ما قارناه بتنصيب الهضيبي( 27 نوفمبر 2002) الذي استغرق ثلاثة أضعاف هذه المدة على الرغم من أنه كان النائب الأول لسلفه مشهور( توفي 13 نوفمبر2002) وهو ما لم يحظ به عاكف.
انتخاب مهدي عاكف مرشدا للإخوان يصب في اتجاه تدعيم بنية الصف الإخواني واستقرار هياكله الداخلية والسماح بحالة "محسوبة" من الحركة والتفاعل بين أجيال وتيارات الجماعة المختلفة؛ بحيث يرخي الحرس القديم قبضته دون أن تخرج الأمور عنها ويلتقط جيل الوسط أنفاسه من غير أن يأخذ فرصته كاملة وتتعدل التركيبة العمرية لقيادة الجماعة بهدوء دون أن يتوارى الكبار عن المسرح فجأة كما هو المفترض وفق المعدل العمري،كما يصب في اتجاه توازن العلاقة مرة أخرى بين قيادات التنظيم المصرية وبين القيادات الدولية من غير أن يفقد الإخوان المصريون حق الزعامة أو يتمرد إخوان الخارج على امتيازات التنظيم أو "الرجل" العجوز
كما أنه لن يستفز النظام المصري الذي يترقب بحذر القيادة الجديدة لأكبر جماعة سياسية في البلاد ما زالت تعيش حال "المعلقة" لا هي قانونية ولا هي ممنوعة ( محجوبة الشرعية)؛ ويحاذر أن تتبوأ المنصب قيادة تسعى لتغيير هذه المعادلة أو الخروج عليها.
غير أن اختيار عاكف يصب كذلك باتجاه استمرار حال الجمود السياسي ليس فقط على مستوى الحركة الإسلامية وإنما في الحالة المصرية عموما التي يعد الإخوان اللاعب الرئيسي فيها مع النظام الحاكم.
فالرجل يمتلك شخصية مرنة وقدرة استيعابية وتاريخا كبيرا في الحركة، لكنه رغم هذا لا يمتلك مشروعا- أي مشروع- للخروج من حال الجمود؛ ومشروعه كما يقول ليس سوى " مشروع الجماعة كلها بكل أبنائها" ولا تغيير منتظر عن خط من سبقوه وهو لا يعد( في حوار أجريته معه صبيحة أول يوم يمارس فيه مهام منصبه) بغير ذلك بل ويعد ذلك تمسكا بمسيرة الجماعة الممتدة عبر ثلاثة أرباع القرن، وهو ما يعني أن الجماعة ستسير بقوة الدفع الذاتي التي وإن ميزتها عن بقية القوى السياسية في الربع قرن الأخير لكنها لا تكفي لإحداث أي تغيير منتظر على كل مستوياتها فالقاعدة تقول " ما ترك الأولون في الجماعة للآخرين شيئا"!
وهو من المؤكد سيظل في رؤيته وحركته أسير التوازنات التوفيقية التي أتت به إلى رأس التنظيم الإسلامي الأكبر والأهم في مصر والعالم التي سيدريها عاكف بمرحه وبساطته وعفويته على طريقة شيوخ العرب وهي طريقة قد تبدو غير متوافقة مع العصر لكن ثبت أنها الأصلح والأنسب لجماعة هي خليط بين الحداثة في ممارستها والتقليدية في روحها.
ولا يرجع الجمود المتوقع بالضرورة إلى طبيعة الجماعة وقائدها الجديد فحسب فالمرشد الجديد هو وتنظيمه في ذلك جزء من الحال المصرية التي اتسمت بسمة عهد كامل اختار أن يتحرك دائما في المساحات الرمادية حيث كل الملفات مؤجلة من غير حسم وكل الخيارات مفتوحة وممكنة من دون تحديد؛ إنها المساحة التي تفقد اللاعبين فوقها القدرة على المبادرة والخروج من متاهة الجمود وتفقده كذلك القدرة على التغيير وتبني خيارات واضحة قد تحدث انقساما حولها لكنها تثير الجدل وتحرك سكون المياه الراكدة.
وهي نفسها الحال التي نأت بقيادة بارزة وكارزمية كالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عن المنصب ليس هذا فحسب بل باعدت به خطوات كبيرة للخلف بسبب أفكار وقناعات وممارسات كانت في حركتها أكبر من قدرة الآخرين على السير؛ والسياسة عند الإخوان لا تنفصل عن الدين والنظام فيها واجب كما في الصلاة؛ المتقدم فيها عن الصف كالمتأخر! كلاهما في الوزر سواء.
اختار الإخوان اللعب في المضمون والحركة- مثل الآخرين- في المساحات الرمادية فجسم التنظيم المتمدد كما الديناصور الأسطوري بطيء الحركة، ونفسية الحفاظ والثبات ( على المبدأ أو الفعل نفسه لا يهم) مهيمنة؛ وجمود سياسي اعتدناه خير من حركة وانفتاح لا نعرفه وقد لا نقدر على تكلفته لذلك حافظ الجميع على خط السير نفسه كما لو كانوا يحافظون على وضوئهم؛ ولم يكن غريبا بل متوقعا ممن له أدنى صلة ليس بالتفكير السياسي للجماعة بل بعلم نفس تنظيمها ؛ فلم يكن واردا- كما خمن من انتظروا انتخاب أبو الفتوح- أن تقبل الجماعة ولا النظام العام بهذا النوع من السياسيين الثوريين الذي لا يمكنك التنبأ بتصرفاته في قضايا تواصى الجميع عليها بالكتمان رغم أنه بإمكانك في الوقت نفسه أن تصافحه دون أن تتحسس- بعدها- عدد أصابع يديك!
انفض مولد بيعة المرشد السابع التي أعادت رسم خريطة مكتب الإرشاد أو المجلس الحاكم للجماعة الإسلامية الأكبر في مصر والعالم، ويمكننا تبين بعض ملامحها التي تكشف عن تقدم أسماء وتيارات وتراجع أخرى دون أن تعطي تفاصيل المشهد كاملا ، ووفق الانتخابات التي جرت لانتخاب المرشد السابع مهدي عاكف تراجع الشيخان الأكبران في الجماعة: أحمد حسنين 84 عماما ومحمد هلال 84عاما أيضا وتنازلا مختارين عن أحقيتهما في المنصب وفق قاعدة "السبق" في الدعوة المعمول بها في الجماعة ؛ اعترافا منهما وإقرارا بأن للسن أحكامه، ويلحق بهما لاشين أبو شنب ( 80 عاما) بفعل العمر المتقدم والمرض المتقدم أيضا، وربما يشاركه في ذلك جمعة أمين ( 77 عاما) فهو يعاني مثله من المرض وإن بدرجة أقل ويشترك معه في نقطة ضعف تبعد به عن المنصب وهو العيش خارج القاهرة مركز الجماعة ومقرها وهو عامل له أهميته في بلد كمصر أقدم دولة مركزية في التاريخ تنظر لمن يعيش خارج العاصمة وكأنه خارج البلد والتاريخ ربما! ويزيد جمعة أمين عن أبي شنب بحدته وعصبيته التي عرف بها داخل الجماعة مما يضعف فرص ولايته. ويشارك محمد بديع سامي ( 75 عاما) سابقيه في ابتعاده عن منصب المرشد الثامن فهو أيضا من مدينة هامشية في تنظيم الإخوان وفي الحركة السياسية في مصر عموما – مدينة بني سويف- وهو إضافة إلى متوسط عمره الكبير نسيبا من الشخصيات رمادية اللون التي تفتقد للبريق والحضور داخل الصف الإخواني وخارجه ومن الصعب الدفع به مباشرة لصدراة المشهد العام مستقبلا هذا إذا أخذنا في الاعتبار صعوبة استمرار نهج تولية كبار السن ، ويشترك مع بديع في ذلك محمد رشاد بيومي( 70 عاما) وإن كان إشرافه على قسم الطلاب في الجماعة أعطاه حضورا لدى القطاعات الشابة في الجماعة التي التحقت بها في الجامعة وإن ظل حضورا باهتا وفي أطر تنظيمية ضيقة وليست عامة .
وممن تأكد ابتعاده عن منصب المرشد الأزهريان: محمد عبد الله الخطيب( 76 عاما) وأبو الحمد ربيع ( 75 عاما) ليؤكد ذلك ملمح جماعة الإخوان الرئيس: أنها جماعة سياسية بالأساس ويبقى الواعظان أشبه بالعمامة التي تأتي في إطار التأكيد على استمرار رسالة الجماعة الدينية وتكامل الديني مع السياسي مع أولوية السياسي وتقدمه على الديني في السلم التنظيمي.
وعلى غير المتوقع ضعفت فرص صقري المكتب محمود عزت (65 عاما) ومحمود غزلان ( 55 عاما) الذين تواريا عن صدراة المشهد بعدما تأكد أن طبيعة المرحلة المقبلة وتصاعد جيل الانفتاح يحتاج وجوها أكثر قبولا ومرونة وإن ظلا على قوة موقعهما التنظيمي داخل الجماعة ويلحق بهما على اختلاف معهما يصل إلى حد التناقض أستاذ الجامعة د/ محمد على بشر أصغر أعضاء مكتب الإرشاد سنا( 54 عاما) فهو وإن كان معروفا باعتداله وانفتاحه وامتلاكه لرؤية سياسية إلا أنه يفتقد للقدرة على الدفاع عن أفكاره والنزول بها إلى قاعدة التنظيم.
أما المفاجأة المتوقعة فكانت من نصيب النقابي والسياسي البارز عبد المنعم أبو الفتوح الذي " حرق " في معركة المرشد ، ربما بسبب شخصيته الكارزمية التي أثارت خشية البعض من أن تفجر الأوضاع داخل التنظيم الذي ليست لديه القدرة على تحملها إن قبل بها، كما أن مشروعه السياسي الذي يقترب إلى حد التماثل مع مشروع حزب العدالة والتنمية التركي أضر به حين تعجل طرحه قبل أوانه في أوضاع سياسية لا تحتمل هذه الجرأة فأضر به داخل تنظيمه وخارجه.
يبقى من أعضاء المكتب الثنائي الأهم والأخطر أو فرسا الرهان في سباق نائب المرشد والمرشد الثامن : د/ محمد حبيب ( 65 عاما) أستاذ الجامعة الذي نال أغلبية الأصوات بعد المرشد المنتخب وتؤكد قبوله داخل القيادة وتعزز اختياره نائبا للمرشد ومؤهله الأكبر أنه برئ من كل ما يمكن أن يؤخذ على غيره!
أما الفرس الثاني فهو رجل الأعمال المهندس خيرت الشاطر أو الصقر الكامن ، وجه غير حاضر في الإعلام والعمل العام والمشهد السياسي لكنه الأخطر والأذكى وصاحب العمق والامتداد الكبير وغير المعلن في جسم التنظيم ومفاصله المهمة..خيرت الشاطر لمن لا يعرفه كان – إضافة إلى موقعه ومسئولياته المهمة بالتنظيم- صاحب ومدير شركة سلسبيل لأنظمة الحاسب الآلي: عنوان القضية الأخطر في العشرين عاما الماضية من تاريخ الجماعة المعاصر وهي التي تم العثور فيها على ما اصطلح بتسميته " خطة التمكين" ومن يطلع عليها يعرف أي عقل يتحلى به الشاطر رجل البيزنس والإدارة والصقر الذي يعرف متى يتحرك نحو الهدف..خيرت الشاطر- وله من اسمه نصيب- من الذين وعوا الدرس الذي يقول إن المناصب الكبرى في العالم الثالث مثل شعلة اللهب؛ لا تبتعد عنها فتموت بردا ولا تقترب منها كثيرا فتحترق..وهو على هذا الدرب يسير!