27 حزيران 2007
محمد رشاد غانم..مدرسة سلفية في محل أنتيكات!
صحفي وباحث مصري.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
من يقترب من قصة هذا الرجل سيتعرف علي إحدى أهم خصوصيات الفكرة الإسلامية التي تميزها عن سائر الأفكار والدعوات، وهي أن المجهولين فيها كثيرا ما يكونون أكثر تأثيرا وأهمية ممن اشتهروا وارتبطت الدعوة بهم في الأذهان والكتب.
وفي تاريخ مدينة الإسكندرية الحديث يمكن القول أن جميع تيارات وتنظيمات العمل الإسلامي مرت برجلين بسيطين ربما لم يكتب عن دور أي منها أحدهما هو الحاج محمد رشاد غانم موضوع هذه السطور.
أما الأول- الحاج محمد علي أمين- فكان رجلا نوبيا بسيطا يعمل فرّاشا في كلية العلوم في الثلث الثاني من القرن الماضي؛ العشرين، ولكنه كان أستاذا لكل أبناء الحركة الإسلامية في المدينة..تتلمذ عليه القطب الإخواني الأستاذ محمود عبد الحليم وقد ذكره وأشاد بفضله في الجزء الأول من كتابه ( الإخوان المسلمون ..أحداث صنعت التاريخ ) ..كما تتلمذت عليه أول مجموعة طلاب شكلت النواة الأولي لجماعة الإخوان المسلمين في الإسكندرية وهم عبد العزيز كامل ( وزير الأوقاف فيما بعد ) وأحمد هيبة ( وكان مأمورا للبوليس ) والأستاذ فتحي محمود..وكان أول لقاء للمجموعة في بيت الأخير في شارع جميل سالم في زيزينيا.
وإذا كان الرجل الأول مجرد بواب أو فرّاش متواضع فلم يكن الرجل الثاني -الحاج محمد رشاد غانم- سوي تاجر فضيات وأنتيكات لا علاقة له من حيث العمل والتخصص بالعلوم الشرعية ورغم ذلك فهو أهم من نشروا الفكر السلفي في المدينة إليه يرجع الفضل في أكبر حركة تحقيق وتأليف ونشر للسلفية بها في النصف الثاني من القرن الماضي...ورغم ذلك يكاد اسمه لا يذكر إلا نادرا في المدينة التي عرفت أكبر حركة سلفية في مصر وأهمها علي وجه الإطلاق.
***
لم التق الحاج رشاد غانم ولم أسعد بالجلوس إليه ( ولد في 1916 وتوفي في 1992 ) ولم أجد له ترجمة أرجع إليها في كتابة هذه الأسطر ولكن يكاد يتفق كل من تحدثت معهم عن تاريخ الدعوة الإسلامية في الإسكندرية علي ذكره والإشارة إليه بالفضل في نشر الفكر السلفي وإمداد العاملين في حقل الدعوة بالكتب والمصادر اللازمة لهم في فترة كان يعز فيها الكتاب.
كان الحاج رشاد غانم رجلا بسيطا يعمل في تجارة الفضيات والأنتيكات في الإسكندرية، ولم يكن خطيبا أو داعية في المساجد ودروس العلم، كما لم يكن يتعاطي الكتابة ( باستثناء صفحات معدودة لا تبلغ ملزمة في كتاب)، ولكن كان صاحب صالون مفتوح لكل العاملين في الدعوة والمهتمين بنشر الفكرة الإسلامية..كان لديه غرفة صغيرة ملحقة بمحل الفضيات الذي يتاجر فيه يجمع فيها الدعاة من كل تيار والمهتمين بالإسلام من كل جيل وبلد للتناقش في أمور الإسلام..ومن هذا الصالون استطاع نشر الفكرة السلفية والتعريف بها لدي أجيال مختلفة من أبناء الصحوة الإسلامية في الإسكندرية ومصر.
***
كان الحاج رشاد غانم يري أن أفضل الأعمال بعد العبادة والدعوة إلي الله تدارس العلم الشرعي ومساعدة طلابه وتوجيههم وتوفير الكتب والمصادر التي يحتاجونها لهذا الغرض، ولم يكن يتردد في بذل وسعه في ذلك.
كان الرجل تاجرا بسيطا لكنه قارئا نهما واسع الإطلاع علي أهم مصادر السلفية وأدبياتها وهاويا لجمع الكتب والمخطوطات الإسلامية النادرة والمهمة ساعده في ذلك أنه كان علي علاقة وثيقة بكل دور النشر التي تلاحقه بالجديد ( مكتبة حجازي- مكتب عم إبراهيم في شارع عبد المنعم- مكتبة علاء الدين- مكتبات المحطة..) بل كان يرسل في طلب كتب التراث وخاصة كتب السنة والحديث من أنحاء العالم مع التجار الذين كانوا يأتون إليه بالكتب والمخطوطات النفيسة من كل البلاد حتى أن جزءا كبيرا من مخطوطات مكتبته جلبه من مدارس أهل الحديث في شبه القارة الهندية.
ذكر لي أصدقاؤه أنه كان أول من اشتري المعجم المفهرس للحديث النبوي ( وضعه كل المستشرق الهولندي فنسنج ومحمد فؤاد عبد الباقي) حين طبع في السبعينيات من القرن الماضي، ودفع فيه مبلغ ألف جنيه مصري في هذا الزمن وهو كان مبلغا ضخما يمثل ثروة طائلة وقتها. وفي الفترة نفسها كان واحدا من ثلاثة فقط في مصر كلها لديهم مجموعة الفتاوي الكاملة للإمام ابن تيمية وكانت تبلغ سبعة وثلاثين مجلدا. أما الاثنان الآخران اللذان كان لديهما فتاوي ابن تيمية فهما الدكتور المحقق محمد رشاد سالم ( وهو صاحب الرواية ) والإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود!.
يذكر العالم السلفي مصطفي حلمي أنه لما كان يناقش رسالته للدكتوراه أحال في بعض مواضعها إلي الفتاوي الكاملة لابن تيمية فتعجب مشرفه العلامة الدكتور محمد رشاد سالم واستبعد أن يكون طالبه قد اطلع عليها لأنه كان يعلم أن هناك نسختان فقط للفتاوي في كل مصر؛ نسخة يمتلكها هو والأخرى بحوزة الإمام الجليل الدكتور عبد الحليم محمود...ولما سأله عن مصدر النسخة التي اطلع عليها للفتاوي أشار إلي رجل غير معروف يحضر المناقشة كان هو الحاج رشاد غانم.. ومن ساعتها لزم رشاد سالم مجلسه!
كان الحاج رشاد غانم حريصا علي اقتناء كتب العلم الشرعي خاصة كتب الحديث والسنة ومؤلفات رموز هذه المدرسة، وكان يري أن من الصدقة توفيرها وإتاحتها للطلاب الذي قد تضيق بهم ظروفهم المالية وندرة المكتبات عن الإطلاع عليها، فصارت مكتبته كما مجلسه مهوي طلاب العلم والباحثين..حتى يمكننا القول أن مكتبة الحاج رشاد غانم كان لها الفضل في حركة تحقيق الكتب والنشر والتأليف فيما يخص كتب التوحيد والسلفية في حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
لقد كان صالون الحاج رشاد غانم ومجلسه أهم أبواب المعرفة لعدة أجيال من أبناء العمل الإسلامي في الإسكندرية..كما يروي لي العالم السلفي مصطفي حلمي أستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم والحائز علي جائزة الملك فيصل العالمية عن كتبه عن السلفية. والذي يري الحاج رشاد غانم أستاذا لأبناء جيله جميعا.
لقد عرفت الغرفة الملحقة بمتجر الفضيات والأنتيكات الذي يتاجر فيه الحاج رشاد غانم مناقشات ومدارسات علمية في العلوم الشرعية قد لا تشهد مثلها قاعات الجامعات ومراكز البحوث، وزارها علماء ومفكرون من أجيال وتخصصات مختلفة..فكان يتردد علي مجلسه والعالم السلفي مصطفي حلمي والأستاذ فاروق الدسوقي الحاصل علي جائزة الملك فيصل في الفلسفة، ومحمد السيد الجليند أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، والباحث ومحقق التراث المعروف الأستاذ فؤاد عبد المنعم والعالم الجليل محمد رشاد سالم أشهر من اشتغل علي تراث ابن تيمية وقدّمه في مصر. وكذا الشيخ عبد الرحمن الوكيل أشهر رموز أنصار السنة بعد مؤسسها الشيخ الفقي. والشيخ جمال المراكبي من علماء أنصار السنة والشيخ عبد رب النبي توفيق والشيخ أحمد المحلاوي...وكان يتردد عليه كتاب وأدباء مثل أحمد الصاوي وفهمي هويدي ويحيي حقي وثروت أباظة.
بل وكانت زيارة الحاج رشاد غانم وحضور مجلسه تقليدا لأهل العلم ممن يفدون علي الإسكندرية ومصر عموما، فكان ممن حرص علي زيارته وحضور مجلسه المحدث الشهير الشيخ ناصر الدين الألباني الذي زاره في عام 1976 وتفقد مكتبه ودار بينهما نقاش طويل اتفقا فيه علي رفض المذهبية، كما زاره القطب السلفي محمود مهدي الاستنبولي، وكذا الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي صاحب الكتاب الشهير والمثير للغلط ( تيسير الوحيين بالاقتصار علي القرآن والصحيحين ) وقد قدم الحاج رشاد لكتابه هذا، والمفكر الإسلامي الجزائري عمار الطالبي والمفكر السوري هيثم الخياط
***
والشيخ رشاد غانم ابن لجيل فريد من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية؛ جيل لم يحترف العمل الوظيفي في الدعوة وفضل أن تكون له وظيفة أو مهنة يعتاش منها وتكفيه مئونة السعي لنشر الدعوة وتعليم طلاب العلم. كان الرجل يكره فكرة أن يتحول العلم الشرعي أو الدعوة إلي مهنة أو وظيفة للتكسب..بل كان يرفض فكرة أن يتميز الداعية بلباس محدد دون خلق الله..فكان شديد النقد لكل الملابس " الدينية " فانتقد الزي الأزهري وزي جماعة التبليغ..وكان يري أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يختص بزي بعينه بل كان يلبس ما يلبسه الناس حتى أن الغريب إذا دخل عليه مجلسه كان يتحير أي الناس محمد..فكان الحاج رشاد غانم يرتدي البدلة أو اللباس الشائع في بيئته.
ينتمي الحاج رشاد غانم إلي جيل معظم أبنائه من جماعة أنصار السنة التي تولت عبأ الدعوة الإسلامية في فترة صدام المشروع الناصري مع الإخوان ..ومن أبرز أبناء هذا الجيل الأساتذة عكاشة أحمد عبده رئيس وبخاري أحمد عبده و محمد علي عبد الرحيم ورشاد الشافعي والشيخ عبد السلام الطباخ إمام مسجد العطارين، والشيخ صلاح رزق إمام مسجد النبي دانيال، والشيخ محمد زيد الأشقر، والشيخ إسماعيل حمدي الذي كان صوفيا ثم اتجه للسلفية وكان خطيبا مبرزا شبيه بالشيخ الغزالي في الخطابة، والشيخ عبد الحليم حمودة وهو من أبرز رموز الدعوة في المدينة وكانت له محاورات شهيرة في موضوع الشهيرة.. والدكتور أمين رضا وكان طبيبا في الأصل لكنه كان يشارك في الدعوة بالكتابة في مجلة أنصار السنة الهدي النبوي ثم التوحيد وتولي منصب سكرتير جماعة أنصار السنة..وكانت والدته السيدة نعمات صدقي أول من كتبت في نقد السفور والدفاع عن الحجاب
وقد اتصل الحاج رشاد غانم مبكرا مع أعلام ورموز الدعوة السلفية عصره فاتصل بعلماء الحجاز وخاصة ذوي الأصول المصرية مثل الشيخ عبد الظاهر أبو السمح الذي كان من أعلام أنصار السنة في منطقة الرمل بالإسكندرية والشيخ عبد المهيمن أبو السمح وكلاهما عمل إماما للحرم الشريف فترة الأربعينيات من القرن الماضي؛ العشرين..كما كانت تربطه صلة وثيقة بالشيخ عبد الرزاق عفيفي ( من محافظة المنوفية ) الذي كان من أبرز علماء أنصار السنة بعد مؤسسها الشيخ حامد الفقي، وكان عفيفي قد هاجر للسعودية واستقر بها وصار عضوا بهيئة كبار العلماء بها ولكن ظل يحفظ للحاج رشاد غانم فضله ويراه من أعلم أهل مصر.
كما اتصل بالشيخ عبد الله بن يابس صاحب المعركة الشهيرة مع القصيمي ( أو ملحد القصيم ). وأقام صلات علمية بابن حجر آل بوطامي العالم السلفي في قطر. والشيخ محمد المبارك في الشام
وامتدت صلاته العلمية إلي شبه القارة الهندية فاتصل بجمعية أهل الحديث هناك وهم أقرب إلي منهج أنصار السنة ويسمون بالسلفية وكانوا يمدونه بكتب الحديث ومخطوطاته..وكانت له صلات علمية في السودان وممن عرفوا بصحبته الشيخ أبو الحسن رئيس فرع أنصار السنة في مدينة كسلا والشيخ أبو زيد حمزة رئيس فرع مدينة الخرطوم والشيخ الهدية الرئيس العام لأنصار السنة في السودان.
كان الحاج رشاد غانم شديد التأثر بالشيخ محمد رشيد رضا وكان أول من اقتني فتاواه التي جمعها صلاح المنجد وعبره توثقت صلته بابن تيمية وتعمقت علاقته بالسلفية ومصادرها..وكان يري أن رشيد رضا هو مجدد الإسلام في عصره وباعث الفكرة السلفية التي تجسدت في تلامذته المختلفين الذين أسسوا لدعوات مختلفة كلها تقوم علي الأساس السلفي مثل تلميذه الشيخ خطاب السبكي الذي أسس الجمعية الشرعية، وتلميذه الشيخ حامد الفقي الذي أسس جمعية أنصار السنة، وتلميذه الشيخ حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين,,هذا فضلا عن تلامذته الآخرين مثل الشيخ عبد المجيد سليم والشيخ عبد الله دراز..وغيرهم من العلماء ذوي الاتجاه السلفي في الأزهر الشريف.
وعبر رشيد رضا توثقت علاقته بابن تيمية فكان دائم التعريف به والتنويه بأهميته قبل أن يشتهر لدي جمهرة الباحثين حتى يقال أنه إذا كان الشيخ حامد الفقي مؤسس أنصار السنة أبرز من نشروا تراث ابن تيمية وذلك بالتعاون مع الشيخ محب الدين الخطيب في مكتبته ( المكتبة السلفية )..فإن الحاج رشاد غانم هو أهم من عرف بها الباحثين وطلاب العلم خاصة في الإسكندرية.
وبقدر محبته لابن تيمية وتأثره به فقد كان شديد المحبة والتأثر بالفقيه الأندلسي ابن حزم الظاهري وكان يراه أهم فقهاء الإسلام وكان يقول عن نفسه أنه حزمي الهوي
كان الحاج رشاد غانم صاحب فكر ومتمسك بفكره لكنه منفتح علي الآخرين وله في أدب الخلاف، بل كان لديه المقدرة علي أن يتبني الفكرة ويعتقدها دون أن يروّج لها فهو كان يرفض تماما حديث سحر النبي وكان ممن يذهبون مذهبه ويلتزمون مجلسه الشيخ أبو الوفا درويش صاحب كتاب ( صيحة الحق ) الذي يرفض فيه السحر وأحاديثه.
إذا أردنا تلخيص مشروع الرجل فيمكن أن نقول أنه كان يقوم علي ثلاثة محاور:
رفض التأويل الكلامي، وتوحيد الألوهية، والتحرر من المذهبية
فكان الرجل من أكثر الناس نقدا للأشعرية ولكن عن دراية بها ، ويقول عنه أصدقاؤه وتلامذته أنه كان أعلم بها من الأزهرية أنفسهم الذين يتحيزون له..وكان الحاج رشاد يميز بين ثلاث مراحل للإمام الأشعري الأولي المرحلة الاعتزالية التي يجسدها كتابه " اللمع " الذي يحاول فيه التوفيق بين أهل السنة والمعتزلة، والثانية مرحلة التأويل التي اشتهر بها وصاغ فيها مذهبه المنتشر في مصر والمغرب العربي وتركيا..أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة أهل السنة التي يجسدها كتابيه "الإبانة عن أصول الديانة" و"مقالات الإسلاميين" وفيها يعود إلي مذهب أهل الحديث علي طريقة الإمام أحمد بن حنبل.
كما كان الحاج رشاد صاحب موقف معارض للتصوف علي طول الخط باعتباره طريقا يناقض التوحيد، وكان دائم النقد للتصوف ولم يكن يلتزم في هذا الهدوء بل كان يري أن خطر انحراف الصوفية أشد علي الأمة من السكوت عنها...وكان مجلسه لا يخلو من النقد والتندر بل والتجريح بالإمام الشعراني وكتابه طبقات الشعراني الذي كان يشنّع بما يراه فيه من تجاوزات وشطحات..
وكان له موقف سلبي من المذهبية ومن اتباع المذاهب والتعصب لها وربما كان هذا سبب اقتراب الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي منه فالنجدي هو صاحب تيسير الوحيين الذي يرفض فيه المذهبية ويدعو للتعامل المباشر مع المصادر، كما أنه- النجدي- صاحب الطواغيت المقنعة التي هي في رأيه المذاهب!
لم يوثق الحاج رشاد غانم لنفسه ولم يهتم بأن يكتب أو يدّون وليس له تراث مكتوب سوي مقدمته لكتاب تيسير الوحيين بالاقتصار علي القرآن والصحيحين لعبد العزيز النجدي المطبوع في مكتبة الإمام ( كتبها بالاشتراك مع الحاج سعد خميس ) وكذلك بعض التعليقات البسيطة في مجلة ( الهدي النبوي ) التي كانت تصدرها جماعة أنصار السنة أيام الشيخ حامد الفقي قبل أن تتوقف وتصدر بدلا منها مجلة (التوحيد).
وقد كان الحاج رشاد يري أن دوره الحقيقي ليس في إنشاء التنظيمات الإسلامية أو التعصب لبعضها ضد البعض وإنما في توجيه وتربية العاملين في الدعوة الإسلامية وتعريفهم بالمنهج السلفي علي اختلاف الجماعة أو التنظيم الذي ينتمون إليه
فكان من أوائل من تصدوا لتيار العنف فانتقد مجموعة الفنية العسكرية وأبرز رموزها في الإسكندرية وقتها طلال الأنصاري وكان يتهمهم بالشطط وقلة العلم ..وكان له موقف حازم وحاد من التكفير أو استباحة الدماء..ولما قام شباب الفنية العسكرية بالعنف وكانوا من قبل يترددون علي مساجد أنصار السنة وقف الرجل مدافعا عن منهج الجماعة وشارك في مناقشات موسعة مع مندوبين عن وزير الداخلية سيد فهمي لبيان براءة أنصار السنة من التكفير واستباحة الدماء وكانت له كلمة مسموعة لما عرف به من استقلالية وإنصاف.
كما انتقد الإخوان المسلمين لما رآه إغراقا في السياسة علي حساب الدعوة والاهتمام بالعلم الشرعي وكان دائما ما يوجه بعض أبنائهم ممن يحضرون مجلسه إلي ضرورة الاهتمام بالدعوة وعدم الانجرار وراء السياسة.
ورغم أنه كان سلفيا إلا أنه لم يتورع عن أن ينتقد الشباب السلفي الذي قاد العمل السلفي في السبعينيات وكان يراهم أطفالا مقلدة ومن دون فهم للمدرسة السعودية الوهابية وللمذهبية الحنبلية..كما دار بينه وبينهم خلاف . حيث كان يرفض فكرة المهدي المنتظر ويشكك في أحاديثه..وساند الشيخ عبد المعطي عبد المقصود في إصدار كتاب بهذا المعني .وهو الكتاب الذي أشعل معركة بينه وبين التيار السلفي تولي فيها الرد عليه الشيخ محمد إسماعيل المقدم أبرز رموز السلفية .
ندر الحاج محمد رشاد غانم معظم حياته للعلم ولم يتزوج إلا متأخرا فلم ينجب إلا بنت واحدة ( فاطمة الزهراء وتعمل طبيبة ) وحين توفي ( 1992 ) خلّف مكتبة زاخرة بكتب التراث تحتاج من يعيد ترتيبها وتصنيفها والاستفادة مما تحويه من مئات المخطوطات والكتب النادرة التي ترسم – فضلا عن قيمتها- مسار حركة الفكر الإسلامي في القرن العشرين، خاصة الفكر السلفي.