المسلمون في الغرب ومهمة تجديد الإسلام : حوار مع "مراد هوفمان"
باحث مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
بوعي أو من دون وعي وقعنا في فخاخ المركزية وصرنا لا نرى الإسلام إلا في اللبوس العربية وربما تدثرها بعض الحواشي الشرقية، وغاب عنا أن الإسلام رسالة الله الأخيرة إلى العالمين دونما تمركز أو انحصار في بقعة جغرافية أو تجمع حضاري بعينه حتى لو كان مكة المكرمة مهبط الوحي. ونسينا أن العالم العربي وإن ظل رائدا في حمل رسالة الإسلام فإنه لا يحتكرها. فغاب عنا أن هناك أصواتا مختلفة واجتهادات أخرى خارج المكان العربي خاصة أن اللحظة التاريخية الراهنة لا تعرف العربية.
شغلتني هذه القضية وحين قابلت المفكر الألماني المسلم مراد هوفمان في البحرين كانت فرصة أن أطرح عليه بعض التساؤلات في هذه المسألة.
ومراد هوفمان (ولد في 6 يوليو 1931) لا يحتاج إلى الإطالة في التعريف به فهو سفير سابق لبلاده قضي أكثر من 30 عاما في العمل الدبلوماسي معظمها في بلاد إسلامية تعرف فيها على الإسلام حتى كان إشهاره الإسلام عام 1980 حدثا أثار اهتماما عالميا، وإلى جانب عمله الدبلوماسي كان لهوفمان إسهامات في الفكر الإسلامي بدءا من كتابه الشهير "الطريق إلى مكة" حتى بقية كتبه التي أثارت نقاشات كثيرة في العالم الإسلامي وأوربا مثل "الإسلام كبديل" و"الإسلام في الألفية الثالثة" و"مذكرات ألماني مسلم".
تحدثنا في عدد من قضايا الفكر والفقه الإسلامي خارج المركزية العربية: سبب افتقاده لرؤية إنسانية عالمية تتسق ورسالة الإسلام الخاتمة، ضعف بل غياب إنتاج فقهي فكري غربي واعتماده بشكل رئيسي على الوافد من الشرق، فهمه لدعوة تجديد الخطاب الديني وحدود وطبيعة هذا التجديد وما إذا كان مرتبطا بالتطورات العالمية الأخيرة وانعكاساتها على الإسلام.
ربما كانت إجابات هوفمان مختصرة أو تحتاج لتفصيل لكنها مهمة في السياق الذي جاءت فيه وهي تفتح وتستحق نقاشا أكثر مما تعطي إجابات نهائية.. وهذه مقاطع من الحوار الذي بدأته بسؤال فرضه عرف استقر بعد 11 سبتمبر يقسم العالم والتاريخ إلى ما قبل سبتمبر وما بعده:
- يبدو أن الحديث لا بد أن يبدأ وربما ينتهي مع الحدث الأكبر أو أحداث سبتمبر. فالبعض يؤرخ بالحادي عشر من سبتمبر لنهاية حقبة خطاب إسلامي تقليدي ويدعو لتدشين خطاب إسلامي جديد، فما رأيك؟ وهل توافق على تقسيم الخطاب الإسلامي إلى مرحلتين: ما قبل وما بعد سبتمبر؟
** لا أعتقد ذلك ولا أظن أن أحداث 11 سبتمبر هي في غاية الخطورة أو هي شيء مهم في تاريخ البشرية، فهي على الأقل ليست أكثر من أحداث أخرى مهمة على الأقل للأمريكيين مثل قصف اليابانيين لميناء بيرل هاربور في الحرب العالمية الثانية... هذه الأحداث (تفجيرات سبتمبر) ليست في غاية الأهمية ولكنها فقط أمر مهم، وسيكون (11 سبتمبر) يوما عالميا ثم تعود بعده الأمور لنصابها؛ فهي أزمة وستنقضي؛ وأعتقد أنها كانت لصالح الإسلام وستخدم مصلحة الإسلام بشكل عام، والدليل هو أن الناس بدءوا يحاولون فهم الإسلام ويسعون إلى البحث عنه وتفهمه.. وعلى سبيل المثال فإن ترجمة معاني القرآن التي قمت بتنقيحها باللغة الألمانية بيعت منها 40 ألف نسخة خلال سنة واحدة.. وهو رقم كبير جدا ويدل على أن الأحداث والصدمات الكبيرة تترجم في نهاية الأمر لصالح الإسلام والمسلمين.
- لكنها بالتأكيد تركت تأثيرات عميقة على الفكر والخطاب الإسلامي وعلى صورة الإسلام أيضا خاصة مع الضغوط الأمريكية والحملة المتصاعدة على الإسلام؛ فكيف ترى هذا التأثير، وهل تعد آثاره ونتائجه سلبية أم إيجابية؟
** أنا في واقع الأمر أعيش هذه التأثيرات، وبالتأكيد فأنا كذلك أواجه شكوكا كبيرة حتى لو كنت من بين المسلمين الذين يلتزمون بالقوانين والقواعد والأنظمة في البلدان التي نعيش فيها.. فقد صار المتعارف عليه هو أنك كمسلم إن لم تكن إرهابيا فأنت "خلية إرهاب نائمة"! يعني أنك كمسلم تمثل دائما خطرا.. لذلك فعندما تسافر مثلا إلى أمريكا فإنك تعامل الآن بشكل مختلف؛ حيث يتم حجزك في المطارات وتنتظر حقائبك لعدة ساعات.. ولكن ما أريد أن أتحدث عنه وهو الأمر الإيجابي ما جرى بعد الأحداث مباشرة؛ ففي مؤتمر "الإسنا" وهو مؤتمر المسلمين في أمريكا الشمالية اجتمع نحو 42 ألف مسلم جاءوا من كل أمريكا الشمالية واجتمعوا في واشنطن وكان معظمهم من الشباب والسيدات اللاتي كن يرتدين الحجاب.. وهذا -في رأيي- هو الرد الإيجابي وهو عدم الاختفاء بل إثبات وجودك وتأكيد موقفك.
- لكن ما هو تقييمك للخطاب الإسلامي الذي قدمه المسلمون من العالم الإسلامي ومن خارجه تجاه الغرب وغير المسلمين عموما في الفترة الماضية؟
** أعتقد أن الدعوة حتى تؤتي ثمارها يجب ألا تكون مركزية بل يجب أن تكون محلية، والسبب في ذلك هو أنه إذا تحدثت بالإسلام بلغة غريبة فإن الناس سيعتبرونه غريبا وسيعامل على أنه غريب، فلا يمكن أن تنشر دعوة إسلامية هندية في ألمانيا فكثيرا ما تصلنا كتب من باكستان والهند مطبوعة باللغة الإنجليزية، فيكون التجليد سيئا والكتابة مغلوطة ومليئة بالأخطاء والورق من نوع غير جيد.. وهو ما يؤدي إلى عزوف الناس عن قراءتها.. وهذه نقطة الضعف الأساسية في الخطاب الإسلامي تجاه الغرب؛ ولذلك ينبغي ألا تكون مستوردة بل لا بد أن تكون من منطلق محلي، بلغة الناس وتقرأ ثقافتهم وتعرف عادتهم حتى تستطيع أن تتحقق الدعوة بشكل فعال.
- الدعوة الآن لا تتوقف لتجديد الخطاب الإسلامي ولا تكف المؤتمرات والندوات والمطالبات الأمريكية والعالمية للمسلمين بتجديد خطابهم.. فما رأيك في هذه الدعوة؟ وكيف ترى تجديد الخطاب الإسلامي؟
** أعتقد أن التجديد يأتي بأن تعيد الأجيال الجديدة قراءة القرآن باستمرار وتسعى دائما لتطبيقه على ما يستجد من أمور، وأعتقد أن كل جيل جديد يأتي بعد الجيل الذي سبقه يجب أن يعيد اعتناقه للإسلام.. وهو ما يعني إعادة فهمه للإسلام ويعيد قراءته.. وللشاعر الألماني المعروف "جوتة" حكمة يقول فيها: إنه يجب عليك الحصول على إرثك حتى تمتلكه؛ يعني لا يكفي أنك ترث الإسلام بل عليك أن تمتلكه وتكتسبه بجدارة.
- كمفكر إسلامي غربي يؤمن بالإسلام ويعيش في الغرب وخارج نطاق العالم الإسلامي؛ ما رأيك في القول بأن خطاب الإنجاز الفكري والفقهي الإسلامي كان وما زال ضعيفا فيما يخص الدائرة الإنسانية والعالمية؟
** أوافق تماما فيما طرحته، وأعتقد بأن هذا هو التوجه المثالي والمفترض؛ فالإسلام دين للعالمين ولا بد أن يكون هناك خطاب عالمي إنساني.. وإذا تحدثنا عن الخطاب الإسلامي في الغرب فإنك لكي تتعامل مع الغرب لا بد أن تعرف الشرق والغرب معا.. ولا يكفي أن تعرف ما يتعلق بخلفياتك الحضارية فقط، فحين تدعو إلى الإسلام في الغرب لا بد أن تكون على معرفة بالغرب والغربيين وبالديانة المسيحية وهذا يساعدك على فهم هذا الغرب والتفاعل معه، وهذا ما أحرص عليه شخصيا في كتاباتي؛ فأنا أتعايش مع الجميع وأعيش الشرق والغرب معا، وأستطيع أن أشرحهم لبعضهم.
- ولكن أيضا هناك غياب لهذا الخطاب فيما يخص المشاركة في قضايا ومشكلات إنسانية عالمية، وعلى سبيل المثال فإن الحركة العالمية المناهضة للعولمة والهيمنة والمنحازة للمستضعفين والمقهورين رغم تقاطعها مع التوجهات والمقاصد الإسلامية فإننا لا نرى حضورا إسلاميا فيها، فما السبب؟ وكيف يمكن -برأيك- بناء خطاب إسلامي عالمي يستوعب هذه التوجهات الإنسانية العالمية أو يتقاطع معها على الأقل؟
** هذا صحيح وهذه ملاحظات حقيقية، هناك توجهات إنسانية تستحق أن نتفاعل معها ونبادلها نفس الاهتمام؛ فالسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين -مثلا- والدعم غير المحدود الذي تلقاه إسرائيل من قبل الولايات المتحدة هما محل سخط وانتقاد في أوربا وهناك تحركات عالمية مناهضة لهما، في حين أن هناك غيابا مخجلا للمسلمين في مثل هذه القضايا، فلا نسمع عن أي مشاركة إسلامية أو تحرك ضد انتهاكات حقوق الإنسان في رواندا أو أمريكا اللاتينية أو غيرها... بل لا تجد حضورا إسلاميا في هذه الحركة حتى في قضايا تخص المسلمين أنفسهم مثل الشيشان وكشمير وفلسطين، وحتى في حالة البوسنة مثلا فإن الذي تدخل في النهاية لم يكن المسلمين بل الأوربيين والأمريكان، وكذلك في كوسوفو... وأعتقد أن السبب ليس فكريا أو فقهيا بالضرورة بل يتعلق بانقسام المسلمين على أنفسهم وما يعانونه من قمع تحت حكم الاستبداد والديكتاتورية.
- هناك مشكلة أخرى فنحن نتحدث عن وجود المسلمين وجودا إسلاميا في الغرب قارب نصف قرن لكن الملاحظة أنه لم يتأسس فكر وفقه إسلامي مستقل خاص بهذا الوجود، ولا يزال مسلمو الغرب يعيشون على نتاج ما يبدعه أو يقدمه له العالم الإسلامي المشرقي، فما السبب؟ ومتى نتحدث عن فكر وثقافة وفقه إسلامي غربي مستقل بهم ويعالج مشاكلهم؟
** أنا لا أعتقد ذلك ولا أوافقك الرأي على أنه لا يوجد فكر أو فقه إسلامي مستقل في الغرب، بل على العكس من ذلك هناك نتاج فكري وفقهي في الغرب أكثر من الشرق.. فعلى سبيل المثال هناك كتب تنشر باللغة الإنجليزية أكثر مما ينشر بالعربية عن الإسلام.. وفي الغرب هناك مراكز ضخمة يقوم على إدارتها فقهاء ومفكرون كبار يبذلون كل الجهد لخدمة الفكر والفقه الإسلامي مثلا في واشنطن هناك طه العلواني، وفي لندن زكى بدوي... وغيرهم، أقول ذلك عن اطلاع؛ فأنا أقوم منذ فترة بمراجعة الكتب التي تكتب عن الإسلام في الغرب وهو ما يتطلب مني قراءة، وهذا يعني أني أقرأ الكثير مما يكتب عن الإسلام كل يوم وأراجع عشرات الكتب في هذا الموضوع.. وأود أن أقول بأن هناك مفكرين مسلمين في الغرب يعملون ويكتبون بدون رقابة ولا حجر عليهم، وإنتاجهم أساس -في رأيي- لتطوير الإسلام ولتحديد معالمه. إن المسلمين في أمريكا وأوربا سيصبحون -كما أتوقع- قادة لتجديد الحضارة في الشرق. ولتأكيد ما قلته فإنني أضرب مثلا على ذلك؛ فقبل 3 سنوات وجهت لي مؤسسة العبيكان التي تنشر كتبي في السعودية دعوة لإلقاء محاضرة، فكان مما يثير العجب أن نحو 800 طالب استمعوا للمحاضرة وبعد انتهائها تم شراء 1500 نسخة من الكتابين التي قمت بتأليفهما (الإسلام كبديل، ورحلة إلى مكة) والدلالة هنا في أن هناك عدم ممانعة بل رغبة تصل إلى التعطش لقراءة إنتاج فكري إسلامي من الغرب. وتتأكد الدلالة حين تأتي الرغبة من طلاب وأتباع المذهب الوهابي في السعودية! المثال الآخر هو ترجمة المفكر الأوربي محمد أسد لمعاني القرآن والتي صارت من أهم وأكثر الترجمات في العالم.
- لكن ما زال الاعتماد الأساسي في إنتاج الفكر والفقه الإسلامي في الغرب على المشرق حتى لو تمت الصياغة النهائية في الغرب، والأسماء التي ذكرتها تؤكد ذلك ولا تنفيه؛ فطه العلواني وزكي بدوى وفتحي عثمان.. كلها أسماء تكونت فكريا داخل الشرق، وحتى مجلس الإفتاء الأوربي الذي تأسس لهذا الغرض يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي وهو مصري والشيخ فيصل المولوي وهو لبناني وغالبية أعضائه من علماء المشرق.. لذلك أنا أسال: هل أوشك أن تتكون بنية لنخبة إسلامية غربية من كتاب ومفكرين وفقهاء مسلمين غربيين وليسوا مطلعين على الشأن الغربي؟
** أعتقد أن ما قلته صحيح، لكن أذكرك بأن هذه الأسماء التي ذكرتها تأثرت كثيرا في بنائها وتكوينها الفكري أكثر بالغرب من خلال وجودهم بالغرب وتفاعلهم معه، وأن تأثيرات الغرب كبيرة وطيبة على نتاجهم الفكري.
- مستقبل المسلمين الغربيين بعد هذه الأزمة 11 سبتمبر ومستقبلهم.. كيف تراه؟
** لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بدون التمييز بين مجموعتين من الناس في الغرب، هناك أناس يعرفون بالملحدين حيث لم تعد الكنيسة تؤثر على حياتهم ولا يترددون على الكنيسة، بينما هناك أناس يؤمنون جدا بالديانة ويزورون ويترددون على الكنائس؛ فمثلا في الولايات المتحدة التي تعرف بأنها بلد ديني حتى إنه لا يمكن للشخص أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة ما لم يكن يتردد على الكنيسة، ولكن على العكس في أوربا مثلا الناس إيمانهم بالديانة ضعيف، فمثلا المستشار الألماني نفسه يعتبر ملحدا ويعلن ذلك؛ ولذلك فإن الأمر متروك للإسلام للتعامل مع هاتين المجموعتين.
العنصر الآخر للإجابة على هذا السؤال هو من الذي يشكل الأغلبية المسلمة في أوربا؛ مثلا في ألمانيا الأتراك يشكلون أغلبية، وفي فرنسا يشكل الإخوة من شمال أفريقيا الأغلبية، بينما بريطانيا يشكل الإخوة الهنود والباكستانيون الأغلبية المسلمة، وقد جاءت كل جالية من هذه الجاليات لأسباب مختلفة؛ فمثلا الأتراك جاءوا لأسباب اقتصادية ولا شيء يمنعهم من العودة إلى بلادهم لأنهم لم يكونوا لاجئين سياسيين، بينما في فرنسا نجد أن مهاجري شمال أفريقيا جاءوا لأسباب سياسية، ومع ذلك ورغم اختلافهم فإنهم جميعا انصهروا مع المجتمعات التي عاشوا فيها رغم أن بعضا منهم كان يفتقد للمعرفة حتى بلغة البلاد التي استقروا بها مثلما هو الحال مع الأتراك الذين هاجروا لألمانيا.
ولكنني استكمالا لذلك أقول إن الفارق سيكون لصالح مسلمي أمريكا أكثر من مسلمي أوربا الذين جاء معظمهم لأسباب اقتصادية وكانوا غير مؤهلين أو مدربين، في حين كان غالبية مسلمي أمريكا طلابا تدرجوا بعد ذلك في الحياة وأصبحوا أطباء ومهندسين... وتبوءوا مناصب عليا حتى صارت كلمة مسلم عند بعض الأمريكان تقترن بالمليونير وتعني الثراء والغناء، ومن الجميل أنه في واشنطن ونيويورك وبعض المدن الأخرى فإن واحدا من بين كل خمسة أطباء هو من المسلمين.