الإسلاميون في البرلمان المغربي ..كيف اختلفت الرؤية والتجربة؟ : حوار مع "رشيد المدور" النائب الإسلامي في البرلمان المغربي
صحفي وباحث مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يعتب إسلاميو المغرب علي نظرائهم المشارقة، ويأخذون عليهم أنهم لا يهتمون بهم ولا يكلفون أنفسهم عناء –مجرد- التعرف علي الحركة الإسلامية المغربية في حين أنهم ( المغاربة) لا يتركون شاردة ولا واردة عن الحركة الإسلامية المشرقية – خاصة المصرية- إلا وأحاطوا بها علما!
كثيرا ما سمعت هذا العتاب ومن كثيرين واختبرته فوجدته في محله.لذلك كانت فرصة جيدة أن ألتقي بالنائب الإسلامي في البرلمان المغربي بالسيد/ رشيد المٌدور الذي كان في زيارة للقاهرة في مهمة عمل برلمانية. وحول الحركة الإسلامية المغربية امتد حديثنا أكثر من ثلاث ساعات كاملة يلخصها هذا الحوار الذي أخذ طابعا تعريفيا قدم فيه النائب الإسلامي صورة عامة لا تخلو من تفاصيل مهمة عن خريطة القوي الإسلامية في المغرب واتجاهاتها وروافدها الفكرية،وتاريخ مشاركتها في العمل السياسي والوزن الذي تمثله وموقعها في الخريطة السياسية المغربية ، وطبيعة علاقاتها مع الأحزاب العلمانية والنظام الملكي الحاكم والمؤسسات الدينية الرسمية...وغيرها من القضايا الهامة والمجهولة لدينا عن الحركة الإسلامية المغربية.
ورشيد المدٌور يجسد بعضا من أسرار التركيبة الفريدة للحركة الإسلامية في المغرب التي ينتمي معظم كوادرها إلي جيل الشباب ؛ قطاع كبير منهم من خريجي الكليات الشرعية أو تحصل علي دراسات شرعية معمقة بجانب عمله المهني أو الأكاديمي ، فرشيد هو أصغر نائب إسلامي في البرلمان إذ لم يتجاوز السابعة والثلاثين ولم يكن قد بلغ الثالثة والثلاثين حين نجح في الفوز بمقعده في آخر انتخابات برلمانية ( 1997) وهو خريج قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالدار البيضاء وحاصل علي الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية بالرباط ويعد الماجستير في ( أحكام السياسة الشرعية من خلال القواعد الفقهية في النظم السياسية الحديثة).
ورشيد من قيادات الجيل الثاني للحركة الإسلامية التي تحمل اسم ( التوحيد والإصلاح) يرأسها الأكاديمي والمفكر الإسلامي المعروف د/أحمد الريسوني ،وهي أول حركة إسلامية تشارك في العملية السياسية بشكل مباشر.
وهو عضو في الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يرأسه المحامي مصطفي أرميد في حين يرأس المجاهد المعروف د/عبد الكريم الخطيب الحزب الذي يعد امتدادا لحزب (الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية) الذي تأسس في الستينيات عن انشقاق كان قد قاده الخطيب نفسه ضد حزبه القديم( الحركة الشعبية) احتجاجا علي قبول رئيسه أحمد أحرداني بالقوانين الإستثنائية( الطوارئ) التي كان قد أدخلها الملك الحسن الثاني ،بعد أن رأي فيها خروجا علي الديمقراطية ومخالفة للدستور.
اتفقنا أن يبدأ حديثنا بعرض بانورامي لخريطة القوي الإسلامية المغربية فحددها بثلاث اتجاهات رئيسية بحسب الصفة الغالبة علي كل منها ، الأول: جهادي عنيف ذو ميول تكفيرية تمثله حركة الشبيبة الإسلامية ويمثل أقلية في مجمل الحركة التي تجاوزت مأزق الفكر التكفيري كما يؤكد رشيد، والثاني : اتجه تربوي صوفي تمثله حركة العدل والإحسان ، فيما يمثل الأخير حركة التوحيد والإصلاح التي تعد الوريث الفكري لحركة الإخوان المسلمين في عمومها ، مع وجود تنظيمات أخري لكنها أقل تأثيرا وتتقاطع مع الاتجاهات الثلاثة في كثير من الأفكار، ويحدد رشيد سنة1975 التي وقعت فيها حادثة اغتيال الزعيم الاشتراكي عمر بن جلون كبداية للتمايز بين هذه التنظيمات حيث اتهم في الحادث أعضاء من حركة الشبيبة التي يتزعمها عبد الكريم مطيع وتتبني أفكار العزلة عن المجتمعات التي لا تحتكم للشريعة الإسلامية باعتبارها(جاهلية).فقد انفصل عنها مجموعة من الشباب الرافض لتكفير المجتمعات المسلمة من أشهرهم عبد الإله بن كيران وعبد الله بها وسعد الدين العثماني.. ثم أسسوا جمعية ( الجماعة الإسلامية) سنة1981 للعمل والدعوة الإسلامية بشكل علني سلمي وعلي أساس من احترام سلطة القانون ونصوص الدستور بما فيها النص علي ملكية النظام والتي كانت محل رفض القوي الإسلامية الناشئة في هذا الوقت، ثم تغير الاسم إلي (حركة الإصلاح والتجديد) بعد أن تنازلت المجموعة عن اسم ( الجماعة الإسلامية) باعتباره غير ملائم للعمل في مجتمع مسلم ومتجانس دينيا ومذهبيا وفقهيا أيضا مثل المغرب التي يزيد تعداد المسلمين فيها 99% من إجمالي السكان كلهم من السنة وغالبيتهم يتبعون المذهب المالكي، كما كان الهدف- بحسب رأي رشيد- تطمين القوي الأخري علي عدم رغبتهم في مصادرة صفة الإسلامية لمصلحتهم، وبذلك تمايز الاتجاه السلمي عن الاتجاه التكفيري العنيف خاصة بعد إعلانه المتكرر عن رفضه للمنهج الانقلابي وأفكاره النزاعة للعنف، ثم حدث التمايزالآخر حين طورت الحركة أفكارها ونشاطها فتخلت عن نشاطها التقليدي الذي كان قاصرا علي عقد الندوات والمؤتمرات وإصدار البيانات والنشرات، إلي الإعلان عن رغبتها في الدخول إلي الحلبة السياسية فرفضت حركة العدل والإحسان مبدأ المشاركة السياسية قبل إدخال تعديلات وإصلاحات جوهرية علي النظام السياسي برمته في حين قبلت الحركة،التي كان اسمها قد تغير إلي (لتوحيد والإصلاح) بعد اندماجها مع رابطة المستقبل الإسلامي، المشاركة وفق قوانين النظام وآلياته المستقرة باعتبار أن تحقق هذه الإصلاحات لن يأتي وحده وإذا أتي فلن يكون هناك ما يستدعي بقاءهم في المعارضة! وعلي ضوء ذلك تقدمت الحركة بطلب لتأسيس حزب سياسي باسم ( التجديد الوطني) تم رفضه من النظام، ثم جرت مفاوضات مع عدد من الأحزاب انتهت بالتحالف مع حزب عبد الكريم الخطيب الذي تغير اسمه في أول مؤتمر عام له بعد التحالف إلي حزب العدالة والتنمية.
** سألته: ألم يكن لتحولكم إلي حزب سياسي تأثيرات سلبية أقلها إخضاع حركة إسلامية لمقتضيات العمل السياسي التي لا تخلو بالضرورة من مساومات تتناقض وطبيعة الحركة الإصلاحية ؟ ثم كيف أتيح لكم التفاوض مع أكثر من حزب سياسي لكل منها أفكار وتوجهات غير الآخر؟!
* فأجاب:للدقة أشير أن الذي تحول لحزب سياسي هو قطاع من حركة ( التوحيد والإصلاح) التي ما زالت موجودة وتعمل في إطار قانوني في مجالات أخري غير سياسية، وهو قطاع مسيٌس بطبيعته وممارسته للسياسة سابقة علي انضمامه للأحزاب.
الشيء الآخر أنه كان لابد شريطة المشاركة السياسية أن ننضم لحزب سياسي حيث أدخل النظام تعديلات علي المشاركة بالقوائم الفردية حاصرت العمل السياسي المستقل فتقدمنا بطلب لتأسيس حزب خاص بنا باسم التجديد الوطني رفضه النظام رغم استكمال كل الإجراءات القانونية وتوفر اللوائح والهياكل اللازمة، وقد كان مدفوعا إلي ذلك بالأحداث والمستجدات الإقليمية والدولية التي خلفتها حرب الخليج الثانية بجانب التطورات الدامية التي أعقبت فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات الجزائرية، فكان الحل الوحيد البحث عن التحالف مع حزب سياسي قائم ، ورغم ذلك لم نختر أي حزب بل اتجهنا إلي أقربها لنا من حيث التوجه الإسلامي ، فبدأنا مفاوضاتنا مع حزب ( الإستقلال) الذي أسسه المجاهد الكبير علال الفاسي والمعروف بنزعته الإسلامية، ولكن قيادته اشترطت دخولنا الحزب كأفراد لا كتجمع ، وهو ما لم يكن من الممكن قبوله باعتبارنا كتلة لها وزن ورصيد ومصداقية في الشارع المغربي لا يمكن التضحية بها، ثم اتجهنا لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية لاعتبارات كثيرة منها التوجه الإسلامي لزعيمه عبد الكريم الخطيب والذي كان واضحا منذ بدايته حين رفع مذكرته الشهيرة للملك الحسن الثاني سنة1974 يطالبه فيها بتأكيد مرجعية الشريعة الإسلامية وفي قوانين البلاد والإسراع في أسلمة كافة مجالات الحياة، كما كان إيمانه بالديمقراطية وسيادة القانون غير محل شك لدي الجميع وهو الذي استقال من رئاسة البرلمان ودخل في صراع مع الملك احتجاجا علي القوانين الاستثنائية ( الطوارئ)، وقد رحب الرجل بفكرة التحالف معنا ككتلة خاصة وأنها يمكن أن تنعش حزبه الذي كان قد تجمد فعليا ولم تعد لديه كوادر أو هياكل أو نشاطات جماهيرية . وطوال تجربتنا الحزبية لم نضطر للتخلي عن أفكارنا أو تغيير جلدنا كما قد يتصور البعض رغم أننا التزمنا تماما، وبشهادة الجميع، بكل القواعد المنظمة للعمل الحزبي ولم نحاول الخروج أو التحايل عليها ، فكل ما حدث من باب التحالفات السياسية المشروعة واستفاد من هذا التحالف فعليا في إحياء حزبه كما استفدنا نحن في الحصول علي وضع قانوني يتيح لنا المشاركة السياسية.
** لكن ألم تحدث مشاكل وخلافات بين الحزب والحركة؟
* لا... لأنه لم يجر أي تعديل علي مستوي التوجهات العامة للحزب والتي نتفق معه فيها إجمالا حيث تؤكد علي المرجعية الإسلامية وتحكيم الشريعة، كما أننا آثرنا التركيز علي البرامج والممارسات أكثر من إعلان المبادئ والتوجهات.لذلك حدث اتفاق عام في المؤتمر العام للحزب سنة1996 الذي أقر التحالف وغير اسم الحزب إلي العدالة والتنمية وخضنا بعدها ولأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية المغربية الانتخابات البرلمانية 1997
** البعض اعترض علي هذه الخطوة ( دخول الحزب والانتخابات) باعتبار أنها أعطت فرصة تاريخية للنظام الحاكم في معرفة وزنكم الحقيقي ومصادر قوتكم بحيث أصبحت الحركة بعدها مكشوفة تماما له، فوقعت بذلك في الفخ أو السيناريو الذي تنصبه أنظمة العالم الثالث لاختبار قوة القوي المجهولة المعارضة لها. ما رأيك؟
* نحن نرفض هذا المنطق تماما ونعتبره أحد إفرازات العقلية الإنقلابية التي سيطرت يوما ما علي الحركة الإسلامية. نحن في حركة التوحيد وفي حزب العدالة نلعب علي المكشوف وليس لدينا ما نخفيه من مناهج وأفكار أو خطط وتنظيمات للتحرك الدعوي أو السياسي ولا نفضل أن ندخل مطلقا في أطر السرية أو نتبني الخطابات ذات الوجهين ..وأحسن لنا أن نكون معروفين تماما للجميع حتي ولو أفقدنا ذلك الكثير مما يعتبره البعض ميزات كالانضباط التنظيمي والقدرة علي الحشد والتجنيد ، وهو ما تتقدم علينا فيه حركات أخري إسلامية مثل العدل والإحسان وإن كنا عوضنا الضعف التنظيمي بقوة الحضور الثقافي والفكري والسياسي في الشارع وفي العقل المغربي كمدرسة فكرية وتربوية معتدلة يتبني خطابها عموم الشعب حتي وإن لم يندرج في أطرها وهياكلها.
** هناك خصوصية للنظام المغربي تتمثل كونه يستمد شرعيته من تبنيه المرجعية الإسلامية، هل أثر ذلك علي وضع وقوة الحركة الإسلامية المغربية؟
* بالتأكيد وأضعفها كثيرا، فالأسرة العلوية المالكة تؤكد دائما علي شرعيتها الدينية ،حتي ولو شكليا،فالأسرة تنتسب لسلالة النبي، والملك هو أمير المؤمنين، والشريعة حاكمة بنص الدستور ..كل هذا أفقد الحركات الإسلامية وسلب منها أخص مبررات وجودها وأعني :إعادة المرجعية والسيادة الإسلامية ، والتي جعلتها في الأنظمة العلمانية ملاذا للجماهير المتدينة بطبعها وحولتها إلي القوة الأولي جماهيريا، لذلك يعد إنجازا وجود حركة إسلامية بالمغرب تماما مثلما هو الحال في المملكة السعودية التي لا يمكن الحديث فيها عن حركة إسلامية بالمعني المعروف.
** إذن كيف تعاملتم مع هذا الوضع؟
نحن أدركنا منذ البداية أنه لا حاجة لنا في التنافس مع النظام علي المرجعية الإسلامية، وفضلنا التسليم له بها بل وتدعيمها وتأكيدها لصالح المشروع الإسلامي ؛ خاصة مع وجود حركات سياسية أخري كانت تريد أن تخلع عن النظام هذه المرجعية لصالح مرجعيات أخري علمانية ، وقد لا تجني حركتنا من وراء ذلك مكاسب مباشرة وربما أفقدتها مكاسب سياسية، لكن هذا لا يهمنا طالما تحققت مصلحة المشروع الإسلامي ككل.
** لكن هذا حولكم في نظر البعض إلي تابع للنظام يفتقد لطرح مستقل في مواجهة الأحزاب العلمانية المنافسة؟
* هذا ما يردده أنصار النهج الانقلابي قصار النظر المغرمون بالصدام بزعم التميز ، أو بعض العلمانيين الذين يضيرهم ذلك المنهج العاقل ويريدون توريطنا في خصومة مع النظام تصب لمصلحتهم في النهاية كما حدث للأسف في كثير من الدول العربية الأخري . من جانبا نحن انتهينا إلي أن إعلان تمسك النظام بالمرجعية الدينية ، حتي ولو كان شكليا في كثير من الأحيان، شيئ جيد لنا ويجب أن ندعمه لا أن نشكك في جديته أو ننازع عليه لأنه من ناحية يفتح جسور التواصل والتفاهم والتناصح مع النظام ويصحح الصورة الإنقلابية التي ترسخت عنا لديه بالحق والباطل خاصة حين يتأكد له أننا لا ننازعه سلطانه.كما أن التأكيد علي المرجعية الإسلامية يعطي ثقلا للمشروع الإسلامي الذي يواجه خطر استبداله بآخر علماني إذا ما استطاع العلمانيون خلع هذه المرجعية عنه هذا إذا ما استبعدنا قدرتهم علي خلع النظام نفسه! وللصراحة فإن الحركة الإسلامية غير مؤهلة لاحتلال المقعد بديلا عن النظام ، الذي ينتظر العلمانيون أن يتلقفوه في أيديهم.
** هل يعني هذا أنكم احتفظتم بمساحة مشتركة مع المؤسسات الدينية الرسمية ولم يحدث بينكم صراع علي المرجعية كما حدث من حركات أخري؟
* بالعكس .. نحن تفهمنا دورهذه المؤسسات ( جامعة القرويين، دار الحديث الحسنية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية،الشعب الإسلامية بكليات الآداب..) وسلمنا لها به بل واعتبرناها أحد أطياف الحركة الإسلامية لأننا يجمعنا هدف موحد هو تكريس دعائم الدين الإسلامي والدفاع عن الهوية ، ولم يحدث أن اصطدمنا معها رغم وجود موجبات الصدام ، وأذكر أن وزير الأوقاف كان قد أصدر قرارا بمنع برلمانيي الحزب من الخطابة في المساجد بحجة تحويلها لمنابر سياسية ورغم ما بالقرار من إجحاف إلا أننا تقبلناه ولم نحولها لمعركة رغم قدرتنا علي ذلك ، لأننا اعتبرنا أن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا.
** وهل استفادت الحركة فعلا من هذه الاستراتيجية؟
* إلي حد كبير..والاستفادة الكبري هي نزع فتيل الصراع بين النظام وبين مجمل الحركة الإسلامية بعد أن كانت منذ بدايتها في صراع مع النظام جعلها مطاردة ومحاصرة.،وكان آخر مكاسبنا الحصول علي الترخيص القانوني للحركة(التوحيد والإصلاح) قبل سنة مضت والذي يسمح لنا بالتواجد والعمل الرسمي بعد أن كنا في إطار التواجد الواقعي فقط، وكان ذلك في حسابات البعض من المستحيلات خاصة مع وجود دوائر في النظام تعارض ذلك بقوة وتتبني إزاءنا دعاوي استئصالية..وقد جاءت هذه المكاسب كمحصلة للسياسات والاستراتيجيات العاقلة التي اتبعتها الحركة والتي تقوم علي الالتزام التام بالقانون ونصوص الدستور ، والرفض القاطع للنزعات العنيفة والتكفيرية والانقلابية إضافة إلي أن تجربتنا البرلمانية أكدت للجميع أننا نغلب المصالح الوطنية والعامة علي الحزبية والطائفية.
** لديكم 14 مقعدا من 325 هي إجمالي مقاعد البرلمان ، هل يمثل هذا الرقم وزنكم الحقيقي في المعادلة السياسية؟
* كنا قد رشحنا في الانتخابات 40 كادرا وقد يكون من غير المجدي القول بأن التزوير أسقط غالبيتهم رغم حصولهم علي أعلي الأصوات في دوائرهم بشهادة المراقبين لكن ذلك ما حدث فعلا .وللتوضيح أقول أن الأرقام ليست معبرة في كل الأحوال ، قد كانت انتخابات 1997 الأولي لنا كحركة وبشكل مباشر وعلني ،لذا كان الأفضل أن نعتمد فكرة التدرج حتي لا نحدث تصدعا في البنية السياسية للبلاد وهي بطبيعتها هشة لا تحتمل أي تغيير استثنائي يمكن أن يخلخلها بل ويلغي التجربة الديمقراطية برمتها كما حدث في الجزائر، خاصة وأن هناك من كان يتربص بها من دوائر النظام نفسه لذا كانت مشاركتنا تمهيدية نستفيد منها ونعطي فرصة للنظام أيضا لدراسة الوضع عن كثب وتقييم التجربة والتيقن من صدق توجهاتنا السلمية .ولكن لا نخفي أيضا أننا لا نملك العدد الكافي من الكوادر السياسية التي تغطي دوائر الانتخابات فنحن تيار جديد ، وليس من المناسب التحرك بأكثر من إمكاناتنا الحقيقية . ونفضل دائما ألا نستجيب لوهم القوة الزائف الذي يصوره التفاف الجماهير بنا لأنها كثيرا ما تدفع بك لخطوات واسعة ثم تتركك ومصيرك الذي تحدده إمكاناتك الفعلية.
** ولكن رغم ما يبدو من عقلانية في حركتكم السياسية إلا أنكم تورطتم في المعركة التي أثيرت حول خطة إدماج المرأة في التنمية ونزلتم بكل قوتكم في معركة يري البعض أنها كانت مفتعلة من النظام بقصد التغطية علي أزماته الطاحنة ولتمرير تغييرات اقتصادية وسياسية أساسية كان يمكن أن تلقي معارضة شديدة في الأوضاع العادية..علي نحو ما يتهمكم البعض !
* هذا غير صحيح نحن واعون جيدا بنوعية كل معركة ومتي نخوض ومتي نحجم ، ومعركة المرأة هذه فرضت علينا ولم نختر ساحتها ولا ساعتها، كما لم يكن ممكنا تجاوزها أو إهمالها لأن الإصلاحات المقترحة في هذه الخطة كانت فوق مرونة أي حركة إسلامية وتسامحها وخارج أي مفهوم للإجتهاد أو التجديد في الدين كما هو الحال في دول عربية مثل قانون الخلع في مصر أو مباشرة الحقوق السياسية في الكويت فهي قوانين يحتملها التجديد والاجتهاد بل إننا أيدناها وقتها ونصحنا التيار الإسلامي بقبولها لأنها فعلا من وجهة نظرنا لا تصادم الدين بينما الوضع مختلف عندنا ، لذا لم يكن هناك بد من التصدي لها وبكل قوة حتي لو نشبت بسببها المعارك لأن هذه أصول وثوابت لا يمكن التخلي عنها تحت أي ادعاء بالحكمة والتعقل، ورغم ذلك فلم نكن نحن من هيٌج الشارع، بل الحكومة العلمانية اليسارية التي رفضت اقتراحنا بحصر النقاش في الغرف المغلقة بعيدا عن الشارع والتفاوض حول تعديل بعض بنود الخطة الصرخة في الصدام مع الشريعة لكنهم أصروا علي عدم التغيير ونقلوا المعركة للصحف ودوائر الإعلام ووزعوا علينا اتهامات بالتخلف والرجعية ومعاداة المرأة فلم يكن ممكنا السكوت واضطررنا لتوضيح موقفنا وحكم الدين في الخطة وفضح النوايا السيئة لمن أعدوا الخطة التي كانت مجرد محطة لقوانين أخري أكثر خروجا علي الدين.الشيئ الآخر أن النظام لم يكن بحاجة لهذه المعركة لأنها كانت في بداية عهد الملك محمد السادس وهي فترة تسليم وتسلم لم تكن بحاجة لأزمة شعبية بل الذي فعلها العلمانيون الذين كانوا يريدون استغلال الفرصة لتمرير مثل هذه القوانين قبل أن يستقر الملك الجديد ويأخذ بزمام الأمور وكذلك لابتزاز النظام ودفعه للتخلي عن مرجعيته الدينية خاصة وأن الخطة كانت مدعومة من مؤسسات عالمية.
** وهل نجحتم في هذه المعركة؟
* أعتقد ذلك بدليل أن الملك ألغي الخطة وشكل لجنة من القانونيين والفقهاء للنظر في التعديلات ..ووجود هؤلاء ضمانة لعدم الخروج علي الشريعة..وأعتقد أن النظام لم يكن ليفعل ذلك لو لم يؤازره دعم سياسي وشعبي.
** وكيف تديرون علاقتكم مع القوي والأحزاب السياسية العلمانية ؟
* نحن نفضل دائما العلاقات الناضجة التي تستهدف الصالح العام والبعيدة عن الاستقطاب السياسي والصراع الأيدلوجي ، فرغم أننا كنا أكبر ضحية في الانتخابات ؛ إلا أننا رفضنا الطعن فيه بالتزوير أو مهاجمتها إعلاميا بما يسيئ لها أو يقلل من نزاهتها تدعيما للتجربة الديمقراطية الجديدة ، ثم دعمنا حكومة عبد الرحمن اليوسفي الائتلافية رغم عدم مشاركتنا فيها ورغم أنها اشتراكية يسارية؛ فقط لدعم فكرة التناوب التي تجعل تشكيل الحكومة لأول مرة من الحزب الفائز، حتي تترسخ القيم الديمقراطية ومنها التبادل السلمي للسلطة ،كما تجاوزنا الخصومة الأيدلوجية مع اليوسفي وساندناه باعتباره مناضلا قديما مشهود له بالنزاهة ووقلنا أنه لا يصح أن نرفضه دون سابق تجربة له في الحكم.واستحدثنا لأول مرة في الساحة السياسية المغربية ما أطلقنا عليه موقف ( المساندة النقدية) ونعني به الدعم مع حق النقد. كل ذلك جعل حركتنا مثالا علي النضج السياسي وأقنعت خصومنا بحقيقة إيماننا بمبدأ التعايش والتعاون وليس الإقصاء والنبذ، وكان من نتائج ذلك مثلا اختياري أمينا لمكتب رئاسة البرلمان رغم أننا نمثل أقلية حزبية ضئيلة.
** تفصيلات كثيرة تحدث عنها رشيد قد لا تسعها المساحة لكن ما ختمنا به الحوار سؤال عن الروافد الفكرية للحركة الإسلامية المغربية وما تتمايز به عن نظيرتها المشرقية؟
* فأجاب:إذا تحدثنا عن التوحيد والإصلاح أقول أنها تستمد اتجاهاتها الفكرية العامة من أفكار الإخوان المسلمين مع التركيز علي ما نسميه بتيار الوسطية الإسلامية الذي تجده في كتابات الغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة وسليم العوٌا وعمر عبيد حسنة.. وخصوصيتنا ربما في تجاوزنا للأفكارالتي أوقعتنا في مأزق الاعتزال والتكفير.التي مازالت رائجة عند البعض.إضافة إلي انفتاحنا علي أفكار لشخصيات لم تأخذ حقها في المشرق مثل مالك بن نبي وراشد الغنوشي وخالص جلبي والطاهر بن عاشور وفهد النفيسي ..كما أن لدينا مفكري الحركة أنفسهم مثل :أحمد الريسوني ومحمد اليتيم و العثماني وبن كيران ..وهناك ميزة أخري تتمثل في كوننا أقل حساسية في علاقتنا بالغرب وخطابنا نحوه أكثر هدوءا وعقلانية من خطاب إخوتنا المشارقة ربما لأننا أكثر انفتاحا عليه واتصالا بتياراته الفكرية والسياسية بسبب قربنا منه واتساع نشاط الترجمة وتعليم اللغات الأجنبية، والحال نفسه في قضايا المرأة والديمقراطية والقضايا الاجتماعية