الإخوان والنظام المصري: امتحان الانتخابات البرلمانية شرط العبور السياسي!
باحث في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
ملخص
تمثل الانتخابات البرلمانية التي ستجري هذا العام (2010) محطة بالغة الأهمية في مستقبل الحياة السياسية في مصر، وإذا كانت الانتخابات السابقة (2005) كرست اقتسام الحزب الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين المعارضة والمحجوبة عن الشرعية للمشهد السياسي على حساب الأحزاب السياسية، فإن الانتخابات القادمة تؤشر على إمكانية حدوث تغييرات جديدة وجذرية باتجاه النظام لإبعاد الإخوان من المشهد تماما لضمان تحكمه في مسار الانتخابات الرئاسية القادمة (2011) التي ستكون حاسمة في مسار الدولة المصرية ومستقبلها، وهو ما يمكن أن يغطى بعودة "شكلية" للحياة الحزبية.
هذه الدراسة نشرتها مبادرة الإصلاح العربي على موقعها بالعربية والأنجليزية،
ليست مبالغة القول أن الانتخابات البرلمانية التي ستشهدها مصر العام الجاري 2010 استنثائية وربما الأهم في تاريخ مصر المعاصر، وأنها ستترك بصماتها على مجمل الحياة السياسية وربما على الدولة المصرية بأكملها.
لا تكمن أهمية هذه الانتخابات فقط في أنها يفترض أن تؤكد أو تعيد تحديد شكل البرلمان القادم والقوى المتحكمة فيه بعد أن كانت قد تعرضت تركيبته لتغييرات مهمة في آخر انتخابات (2005) من حيث تراجع أو حتى تآكل الأحزاب السياسية بما فيها الكبيرة والتاريخية منها، مثل الوفد والتجمع والناصري، التي لم تتجاوز حصتها ثمان مقاعد من أصل 450 مقعدا، أو من حيث الصعود الكبير لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا والتي حازت 88 مقعدا تمثل نحو 20% مقاعد البرلمان! وتكريس وضعها كأكبر قوة سياسية معارضة صارت تتقاسم والحزب الحاكم واجهة المشهد السياسي في مصر دون معارضة
بل تتمثل أهمية هذه الانتخابات بشكل أساس في أنها ستلعب الدور الأهم في الانتخابات الرئاسية القادمة (2011)، ومن ثم حسم قمة هرم السلطة في مصر التي تنتمي إلى نمط الجمهوريات الرئاسية حيث تتركز معظم السلطات في يد رئيس الجمهورية، ووفق التعديلات الدستورية الأخيرة (2007) فإن أي مرشح، من خارج الأحزاب، للانتخابات الرئاسية سيكون بحاجة إلى تأييد 250 عضوا من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات منها على الأقل 65 عضوا من مجلس الشعب، ومن ثم يسعى النظام لضمان أن تركيبة المجلس القادم لن تسمح للإخوان بشكل خاص ممارسة أي تأثير خاصة مع ضعف أي إمكانية لتأثير حقيقي للأحزاب حيث لا يحق لأي منها ترشيح أحد تقديم مرشح للانتخابات ما دامت لا تحوز 5% من عضوية مجلسي الشعب والشورى على الأقل وهو ما لم يتحقق في الانتخابات الماضية ومن غير المتوقع تحققه!
وإذا كان النظام قد حسم سيطرته التامة على المحليات ومجلس الشورى (الغرفة الثانية) فإن التحدي الأكبر بالنسبة له ضمان سيطرة تامة على البرلمان كضمانة وحيدة لتحكمه المطلق في الانتخابات الرئاسية سواء في تحديد المرشحين المحتملين أو احتمالات فوزهم، خصوصا بعد أن تعاظمت إمكانية بناء تحالفات سياسية واسعة للاتفاق على مرشح له قبول شعبي ومن مجمل الحركة السياسية وهو ما تأكد بعد دخول أسماء مهمة ووزانة سباق الترشيحات في مقدمتها محمد البرادعي الرئيس السابق للهيئة الدولة للطاقة الذرية، وهو ما قد يفتح الباب لتأثير الإخوان أو القوى السياسية غير الشرعية، بنظر الدولة، في اختيار الرئيس القادم لمصر،.
ولا تقل الانتخابات البرلمانية أهمية لجماعة الإخوان المسلمين، فالجماعة التي كانت قد نجحت في الانتخابات السابقة في تكريس وضعها كأكبر قوة سياسية معارضة للنظام تواجه تحديا خطيرا يتمثل ليس فقط في وضعية الحظر القانوني التي لم تفلح الجماعة، كما لم تسع جديا، في تغييرها، وهو ما جعلها في مواجهة سؤال وجودي يتصل بمدى إمكانية استمرارها في الحياة السياسية كقوة أمر واقع يعترف بها واقعيا ولكنها ممنوعة قانونا في مفارقة صارخة؛ إذ حازت الجماعة في آخر انتخابات أكثر من عشرة أضعاف ما حصلت عليه الأحزاب السياسية المعارضة مجتمعة من مقاعد البرلمان!. حيث تؤكد كل المؤشرات على أن التغييرات التي تجري على الأرض تمهد لاستبعادها تماما ولأمد غير محدد من الحياة السياسية وعدم السماح لها بالمشاركة والتأثير بعدما كانت التوقعات تسير في اتجاه السعي لصيغة إدماج تتوافق معها ومع طبيعة النظام السياسي المصري.
إن الانتخابات القادمة لا شك تمثل تحديا وجوديا للجماعة إما تعبر معها لتأسيس وجود حاسم في الحياة السياسة يصعب معه التفكير في حياة سياسية بدونها أو بوابة خروج منها لأمد غير بعيد، بعدما لم تفلح 20% من مقاعد البرلمان في حصول الإخوان على الشرعية القانونية، بما يؤشر إلى أن بناءها السابق من دون استثمار قانوني كان أقرب لحمل خارج الرحم!
إن محاولة جدية لقراءة مشهد الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر لابد وأن تتم في ضوء وضعية القوتين الأبرز في الحياة السياسية بعد أن تحولت في غيبة أحزاب سياسية قوية إلى منافسة ثنائية بين النظام والإخوان يوشك أن تنقلب إلى صراع أشبه بمعادلة صفرية!
لا يمثل الموقف الاخواني من المشاركة في العمل العام ظرفا استثنائيا ارتبط بإرادة الجماعة ذاتها فقط؛ بقدر ما هو أيضا وفي جزء كبير منه نتاج للتحولات الممتدة التي تشهدها الجماعة في تفاعلها مع أحداث ومستجدات الساحة السياسية. وتقع المشاركة في الانتخابات على راس المواقف الاخوانية العامة من الحياة السياسية إذ لم يعد الأمر يتعلق منذ نهاية السبعينيات بمدى وجود الرغبة لدى الإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية بقدر ما صار الأمر متعلقا بطبيعة الفرص التي يتيحها النظام للإخوان وفق قواعد اللعبة السياسية التي يحددها مسبقا. لذلك يمكن اعتبار الانتخابات البرلمانية القادمة حالة منعرج حاسم حقيقي تمر به الأطراف الثلاثة في البنية السياسية المصرية: الإخوان والنظام وطبيعة العلاقة بينهما.
سياق المشاركة
المشاركة الانتخابية للإخوان لها فعلا تاريخ ممتد تلوح فيه استراتيجيات متعددة اتبعتها الجماعة للوصول إلى المنافذ السياسية المتاحة بدء بانتخابات 1984 و1987 التي تشكل مرحلة مفصلية تبعتها جهود الإخوان للسيطرة على النقابات المهنية. لا يمكن اعتبار هذه المرحلة مفصلية سوى عبر الإشارة إلى بداية التغيير الذي عرفه التنظيم بفعل الدماء الجديدة التي ضخت فيه بعد انضمام ما بات بعرف لاحقا بتيار العمل العام الذي ينتمي في مجمله لجيل السبعينيات. وهو الجيل الذي انشأ الجماعة الإسلامية في حرم الجامعات المصرية بحيث دخل الطلبة الذين أسسوها ميدان التنافس النقابي المهني بعد أن انضموا إلى الإخوان المسلمين وأحيوا فكرة المشاركة من داخل النظام كما كان قد دشنها أول مرة مرشد الجماعة الأول حسن البنا، وبعد أن كانت جهود الجماعة قد ركزت عقب خروج كوادرها من السجن للناي بنفسها عن تداعيات انتشار الأفكار الانعزالية في مواجهة الدولة والمجتمع كما كان قد اختطها سيد قطب المنظر الأول وربما الوحيد داخل الجماعة.
لقد كان دخول الجماعة ساحة العمل العام نتاجا بنيويا وفكريا لهذين العاملين بحيث ستظهر نتائج الاستراتيجية الانتخابية الجديدة على مستويين أيضا: في بنية الجماعة وفيما يمكننا تسميته بالتحول الفكري الذي كان يعقب الوقائع على الأرض في غالب الأحيان. فعلى المستوى البنيوي يمكن الحديث فعلا عن ظهور تيارين كبيرين يقتسمان الجماعة: الأول تيار العمل العام (المنفتح أو الإصلاحي) الذي تكون في فضاء العمل الطلابي والنقابي والسياسي المفتوح، وهو المعروف بالتيار (الإصلاحي)، والثاني هو تيار العمل التنظيمي الذي يدير البناء التنظيمي للجماعة ويمسك بمفاصلها وهو تيار يوصف بـ(المحافظ). على مستوى الأفكار سنلاحظ كيف اختارت الجماعة لنفسها فعلا مربع الجماعات السياسية المجتمعية بحيث نأت بنفسها عن استخدام العنف كوسيلة للتغيير بل واتجهت إلى بناء شرعية واقعية كانت في كثير من الأحيان تتعالى على أهمية الشرعية القانونية التي لم يفلح الإخوان في الحصول عليها رغم ذلك حتى وهم يحصدون خمس نسبة أعضاء البرلمان في الانتخابات الأخيرة وهي الانتخابات التي كرست الجماعة، "المحظورة" قانونا، كأكبر قوة سياسية معارضة في ظل تراجع واضح للقوى السياسية الأخرى التي لم تتمكن من اجتياز الامتحان الانتخابي.
سياق النظام
لكن سياق المشاركات الذي كان يخضع للشد والجذب من فترة لأخرى تغير وتعدلت وجهته، ربما نهائيا، مع بداية العام 2007، كانت البداية مع التعديلات الدستورية التي استهدفت بوضوح استبعاد الإخوان من الحضور السياسي مستقبلا بالتأكيد على منع تأسيس أحزاب ذات صبغة دينية أو توظيف شعارات دينية وتعزيز الحضور الحزبي في الانتخابات على حساب صيغة الترشح الفردي التي كانت بوابة الإخوان المفضلة وأحيانا الوحيدة للمشاركة في الانتخابات في ظل عدم وجود حزب سياسي لهم فضلا عن إلغاء الإشراف القضائي الذي كان أهم ضمانة لنزاهة الانتخابات، ثم جاءت انتخابات التجديد في مجلس الشورى (2007) إشارة إلى المنع التام لفكرة تكرار سيناريو مجلس الشعب، ثم كانت الانتخابات المحلية (2008) رسالة نهائية بأن لا مكان للإخوان في المشهد السياسي.. وكان استمرار الاعتقالات والمحاكمات العسكرية وتصفية المؤسسات الاقتصادية التي تدعم الجماعة والحملات الإعلامية التي سبقت ذلك وصاحبته من أوائل العام 2007 إيذانا بان التحضير للمرحلة التي نعيشها الآن كان قد بدا مبكرا.
وبالفعل فالتعديلات التي مست العديد من مواد الدستور بدء بالمادة المتعلقة بانتخاب الرئيس ووصولا إلى تلك الخاصة بالنظام الانتخابي انتهت إلى تكريس أهمية خاصة للانتخابات البرلمانية القادمة إذ سيتحدد بناء عليها انتخاب من سيتولى منصب رئيس الجمهورية الذي يمثل أعلى سلطة في البلاد في نظام رئاسي يتجه إلى تكريس أكثر وضوحا لهيمنة السلطة التنفيذية. لم يعد ممكنا بالنسبة للنظام أن يسمح بتكرار سيناريو انتخابات 2005 لسببين رئيسيين: أولا لأن حالة الاستقطاب السياسي كانت بالغة الكلفة بالنظر إلى ما شهدته الجماعة من نشاط إعلامي وظهور علني أظهرها بشكل الجماعة القوية اجتماعيا ومجتمعيا والقوة المعارضة الأولى سياسيا وان كانت محظورة من الناحية القانونية. ثانيا لأن السياق الذي كان مواتيا لهذا السيناريو قد ولى مع تراجع فترة حمى التغيير التي اجتاحت مصر والمنطقة عموما. وهي الفترة التي ارتبطت بشكل واضح بصعود الإخوان المسلمين كأكبر القوى الإسلامية الرابحة من مسلسل الانفتاح السياسي بعد 2004. وهو سياق له ارتباط واضح بتوازنات دولية محددة وانطلاق مشاريع الإصلاح الشرق أوسطية، بحيث حدث تغير لافت صب باتجاه التخفيف من رفض الدوائر السياسية الغربية للحركات الإسلامية والتي أصبحت أكثر قبولا لفكرة التعامل معها بل وإدماجها في النظم السياسية لدولها. وهو ما كان يعني أن خطاب التخويف من الإخوان لم يعد كافيا لمحاصرة الحضور السياسي للجماعة العتيدة وما صاحبها من تطور في الخطاب والممارسة؛ الشيء الذي صار فعلا مصدر تهديد واضح للنظام.
من جهة ثانية يمكن ملاحظة أن التعديلات ستمس إلى حد كبير هيكلة الحياة الحزبية في مصر. فالانتخابات الرئاسية في (2011) ستتوقف كثيرا على نتائج الانتخابات البرلمانية التي ستحدد خريطة المرشحين للرئاسة وعلى عدد المقاعد التي ستحصل عليها الأحزاب المعارضة وعلى رأسهم حركة الإخوان المسلمين، وهو ما يعني أن النظام سيسعى إلى ضمان تركيبة للبرلمان الجديد بما يحول دون حصول الإخوان على ما قد يؤهلهم ليصبحوا مصدر تحالف محتمل، لا سيما بعد أن أعلن المرشد الجديد للجماعة استعداد الاخيرة للتحالف مع القوى السياسية والاجتماعية والثقافية ( كما كان الحال مع مبادرة التحالف التي طرحتها الجماعة في مارس 2004، والتي انتهت كما هو معروف إلى تشكيل الجبهة الوطنية للتغيير التي شاركت فيها أحزاب المعارضة الرئيسة ومعها حركة كفاية)؛ تحالف قد يساعد على ترشيح محتمل للانتخابات الرئاسية وفقا للشروط التي وضعتها التعديلات الدستورية؛ وهذا هو مصدر التهديد الكامن الثاني بالنسبة للنظام.
سياق الوضع الداخلي
باستثناء مرحلة الجمود السياسي التي شهدتها الفترة من 1995 (تاريخ انطلاق حملة الاعتقالات والمحاكمات العسكرية تجاه الإخوان) وسنة 2005 (تاريخ أهم انتخابات برلمانية شاركت فيها الجماعة)، فان تياري الحركة سيتمظهران بقوة خلال السنوات الخمس الماضية وسيشهدان منعرجا واضحا وحاسما في خلال انتخابات مكتب الإرشاد وانتخاب المرشد العام التي جرت أواخر سنة 2009 بحيث انتهى الأمر إلى إبعاد الرموز الإصلاحية داخل الجماعة لصالح القابضين على مفاصل التنظيم. وهو تطور متوقع بالنظر إلى سياق الإصلاحات الدستورية التي تبناها النظام السياسي والتي بدا من خلالها أن مستقبل الإخوان في الحصول على مقاعد كافية داخل البرلمان قد تقلصت.
ولم تكن التفاعلات بين جناحي الجماعة (التنظيمي المحافظ والإصلاحي المنفتح) وليدة الانتخابات الداخلية الأخيرة التي أسفرت عن اختيار المرشد الثامن للإخوان من تيار ينسب إلى ما يعرف بالاتجاه القطبي ( نسبة لأفكار سيد قطب المتشددة) وسيطرة صقور الجماعة على مكتب الإرشاد، فحسب، بل إن من الممكن الجزم بان هذه الانتخابات كانت تكريسا وترسيما لتطورات سابقة كانت قد بدأت داخل صفوف الحركة منذ تزايد حضور الرموز الإصلاحية الإعلامي ونزولهم الكثيف إلى ساحة التفاعل مع الحساسيات السياسية والثقافية؛ ما حدث هو أن مسار الانتخابات الداخلية رفع الجدل الدائر في صفوف الأخوان إلى حالة من العلن بدت غير مسبوقة.
لقد بدا أن هذا الجدل كان قد عرف أوج مراحله مع صدور البرنامج السياسي للإخوان المسلمين سنة 2007. ورغم أن البرنامج اعتبر رد فعل إخواني مناسب للمرحلة التي شهدت انطلاق الحديث حول الإصلاح السياسي في مصر ودور الإخوان المفترض فيه إلى جانب انه أوضح رغبة الجماعة أو على الأقل عدم ممانعتها في التحول إلى حزب سياسي مرخص له مع ما يترتب عن ذلك من قبول بقواعد اللعبة السياسية، وهو البرنامج الذي بدا واضحا انه يعكس حضور التيار الإصلاحي بقوة واستفادته من سياق الربيع الذي عاشته البلاد بين سنوات 2004 و2006. لكن اللمسات النهائية فيه والإخراج النهائي له أثبت أن القرار النهائي وفي المراحل المفصلية هو بيد التيار المحافظ؛ بحيث أبدى التنظيم تمسكه بالتوجه الاخواني العام الذي يحظر على المرأة وعلى الأقباط تولي منصب رئاسة الجمهورية ويطالب برقابة دينية على أداء الهيئة التشريعية. وهي النقاط الرئيسية التي ظلت محل انتقاد منذ طرح الإخوان مشروع البرنامج. واستمرت محاصرة التيار الإصلاحي في مؤسسات الإخوان أيضا حيث شهدت الجماعة في الانتخابات التي جرت في منتصف سنة 2008 تصدر رموز التيار التنظيمي لانتخابات مجلس الشورى ناهيك عن تصعيد خمسة أعضاء جدد لعضوية مكتب الإرشاد كانوا كلهم من التيار التنظيمي المحافظ. وسينتهي مسار إعادة ترتيب البيت الاخواني خلال الانتخابات الداخلية في ديسمبر 2009 والتي انتهت إلى عزل التيار الإصلاحي تماما بعد أن خرج كل من مكتب الإرشاد أهم رموزه؛ عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب، وإن اضطر التيار التنظيمي لتصعيد العريان كحل ثان مرة لامتصاص ردة الفعل المعارضة ومرة لقدرته على احتواء التوجهات الإصلاحية للعريان الذي يبدو دائما أقرب للتفاهمات.
سياق العلاقة الجديدة
تسير سلسلة الضربات التي يوجهها النظام الى الإخوان وفق استراتيجية واضحة تستهدف إضعاف الجماعة في المراحل المفصلية. ربما كانت حملة الاعتقالات والمحاكمات العسكرية الأولى التي تعرضت لها الجماعة في منتصف التسعينيات نتاجا متوقعا لما بات يعرف بقضية سلسبيل في نهاية سنة 1992 والتي أرّخت لتحول نوعي في العلاقة بين الحركة والنظام، بحيث انتقلت سمة التفاعلات بينهما من المهادنة إلى المواجهة الدائمة لكن المتدرجة والمحدودة أحيانا بحسب السياقات المحيطة. لكنها تشترك في نقطتين هامتين، أولا الرغبة في سحب كل المكتسبات الاخوانية لكل مرحلة وغلق مساحات الحضور والانتشار التي تحققها الجماعة. وهو ما يفسر استهداف النظام، لاحقا، لقواها الاقتصادية ومحاصرة مصادر تمويل التنظيم عبر اعتقال ثم سجن اكبر رجال الأعمال المنتسبين إلى الجماعة على نحو ما أصاب الرجل الثاني في التنظيم المهندس خيرت الشاطر وشريكه حسن مالك في مايو 2008. وثانيا أن الضربات الموجهة للإخوان لا تحفل كثيرا بالسياق الدولي بقدر ما تركز على مناطق النفوذ التي تتوسع ضمنها الجماعة ومدى علاقتها بمسار تطور النظام السياسي، وان حدث بين الأمرين تزامن أحيانا كما حدث خلال الانتخابات الأخيرة (2005).
يمكن أن يكون الملمح الأبرز للمواجهة الحالية (2010) هو طبيعة الشخصيات الاخوانية التي استهدفتها الحملة والتي تنتمي إلى صفوف القيادات العليا في الجماعة داخل مكتب الإرشاد (وعددهم ثلاثة) بما فيهم نائب المرشد العام محمود عزت. ولا توازيها في الحجم تقريبا سوى الضربة التي طالت النائب الثاني للمرشد المهندس خيرت الشاطر سنة 2007. لكن الإصرار على استهداف قيادات تنظيمية بعينها وان كان بينها العريان تشير الى استمرارية في إستراتيجية النظام التي تستهدف إحداث هزات تنظيمية متواترة داخل التنظيم دون التهديد بانشقاقه او انكفائه تماما تمهيدا لمرحلة التغيير المرتقبة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة.
نقطة الاختلاف الأكثر أهمية هي إذن في نمط رد فعل النظام الذي يكاد يوازي فعل الجماعة السابق؛ فالحضور العلني والإعلامي الكثيف للجماعة والأضواء التي بات الإخوان يستثمرونها للتعبير عن مواقفهم من قضايا الساحة السياسية المصرية(بما فيها قضية فلسطين)، جعلت الضربة بحجم الكلفة المتوقعة لا سيما منذ تاريخ إجراء الانتخابات الداخلية للإخوان التي شهدت اكبر تغطية إعلامية في تاريخ الحركة.إضافة الى ما أعلنه المرشد الجديد في حفل التنصيب من إشارات الى الرغبة في التحالف مع مختلف القوى والأطراف السياسية على الساحة. لقد جاءت طبيعة المواجهة الحالية أشبه بمسالة وجود وان لم تصل الى مرحلة الاستئصال؛ فالنظام يعرف أن كلفة استئصال الجماعة ستكون بالغة في غياب بديل مجتمعي يوازيها ناهيك عن غياب مشروع سياسي ممكن بدونها. وفي هذا الحالة فان الضربة نستهدف محاصرة الوجود المجتمعي برمته وهو وجود لا يضاهيه من حيث الأهمية سوى مصير النظام نفسه الذي يقف على عتبة الانتخابات الرئاسية التي ستحدد مستقبل نظام يقوم على مركزية منصب رئيس الجمهورية. نمط المواجهة بهذه الجدة يفسر لم اتجهت الاتهامات الموجهة للإخوان هذه المرة نحو استحضار الخبرة التاريخية في العلاقة مع الحركة الإسلامية المصرية ونعني بها المفردات المتعلقة بالعنف والتكفير والتأمر على النظام واستدعاء نموذج التنظيم الخاص والسري والفكر القطبي...، وهي مفردات لها علاقة مباشرة بالمرحلة الناصرية حيث وقعت أكبر حملة استئصالية للجماعة التي اعتبرت مصدر تهديد لنظام الثورة الوليد.
ولا يمكن تفسير هذه الضربة بالتالي سوى بأنها تميل الى تجريد الجماعة من طابع الشرعية الواقعية التي اكتسبتها خلال العقود الماضية والانتقال بها الى من مربع الجماعات المحجوبة عن الشرعية إلى مربع الجماعات الخارجة عن الشرعية. في هذه الحالة فان إصرار الإخوان على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى ثبات التغييرات التي حصلت داخل الجماعة في الثلاث سنوات الأخيرة في مواجهة التراث الممتد المكتسب في ساحة العمل العام منذ عقود.
يمكن المجادلة بالقول أن التطورات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة ليست مجرد رأس جبل الجليد الذي يتمظهر في صورة صعود هذا الجدل الإخواني الداخلي الذي ظهر على السطح. لقد جرت مياه كثيرة في نهر الممارسة السياسية الإخوانية تجعل من فكرة التفريط في المكاسب التي حققتها الجماعة على الأرض أمرا مستبعدا حتى في حالة إمساك تيار التنظيم بمفاصل الجماعة العتيدة. بل إن المفترض أن الحركة الإخوانية تسير وفق منطق المد والجزر الذي يرتبط بالسياق السياسي والمجتمعي. فالحركة تتأرجح بين الظهور بصورة الحزب السياسي الساعي إلى الحصول على الشرعية القانونية في سياقات الانفتاح، وتميل إلى العودة إلى نمط الجماعات السلطانية التي تفضل الحفاظ على الوضع الراهن طالما يحول دون الوصول إلى حالة الفتنة التي تهدد مكاسب الجماعة والنظام على حد سواء. وفي هذه الحالة يمكن القول أن خيار التواجد في قلب النظام السياسي والعمل من داخله هو خيار مبدئي لكنه سيتحدد بما تملكه الجماعة من إمكانات لامتصاص إفرازات المرحلة الراهنة سواء ما تعلق منها بنتائج التطورات التي هزت الصف الداخلي، آو ما تعلق منها بإستراتيجية التحجيم التي سيتبعها النظام الى حين إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة.
38 مبادرة الاصلاح العربي
مارس 2010
http://arab-reform.net/spip.php?article2962