كيف يغطي الإعلام الإسلامي النزاعات؟ : رؤية وتجربة ''إسلام أون لاين''
باحث في الحركات الاسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
يفرق موقع "إسلام أون لاين.نت" بين نوعين من النزاعات؛ أولهما نزاعات يعلم ويعلن الموقع تحيزه المبدئي فيها لأسباب واعتبارات تتعلق برسالة الموقع الإسلامية والقيم الحاكمة والأهداف والسياسات التي تترتب عليه من التزامه برسالته، وهو انحياز واضح ومعلن لكنه ليس لطرف بقدر ما هو انحياز لما يمثله من قيم إنسانية مشتركة بين البشر جميعًا، لكنها تتأسس عند الموقع وتنطلق من إدراكه للإسلام.
ومن أبرز النزاعات التي تندرج تحت هذا النوع -والتي ستناقشها هذه الورقة تفصيليًّا- العدوان الأمريكي على العراق، والصراع الصهيوني الفلسطيني كنماذج لنزاعات مسلحة، والحظر الفرنسي لحجاب المسلمات كنموذج لنزاعات ثقافية وحضارية لم تتطور إلى النزاع المسلح.
وهي ثلاثة نزاعات يعلن الموقع دائمًا وينطلق في تغطيته من انحياز تام للحق العراقي في مقاومة المحتل الذي وطئ أرضه في حرب غير عادلة، والحق الفلسطيني في مقاومة المغتصب وتحرير أرضه، وحق المسلمة في ارتداء حجابها باعتباره حق اختيار متاحا من جهة الارتداء أو عدمه.. وكلها تُعَدّ في رؤية الموقع "حقوقا مطلقة" في ذاتها يجب الالتزام بالتحيز التام لها على طول الخط.
أما النوع الثاني من النزاعات فهي نزاعات لا يتحيز فيها الموقع ابتداء، ويكون المحدد فيه والمنظم للتغطية الإعلامية هو: العمل لخير البشرية جمعاء وهو الهدف الأول في الأهداف العشر للموقع، وفي ضوء العمل لتحقيقه تجري وتتم المتابعة الإعلامية مع جملة أهداف أخرى كلها تصب لمصلحة إعلاء القيم الإنسانية المشتركة ومصلحة البشرية كلها، وحيثما ظن المصلحة مع طرف كان انحيازه له بقدر المتاح من معلومات، والمتحقق من قدرات واقعية، ووقوع هذا النزاع في دائرة متابعته واهتماماته، مثلما هو الحال في قضايا التسلح وأسلحة الدمار الشامل وحماية البيئة وقضايا الحريات وحقوق الأقليات.. وهي قضايا ينحاز فيها جميعًا لما فيه مصلحة الإنسانية عمومًا.
على أن هذا التمييز بين نوعين من النزاعات يستحق تفصيلا أكبر وشرحًا أوفى للنوع الأول الذي أظنه الجدير بالحديث والأكثر تجسيدًا بين القضايا والنزاعات التي نعيشها فعلا، وتمتد باتساع أوطاننا وعالمنا. إذ إن ثمة محددات وقواعد حاكمة لهذا الانحياز المبدئي الذي يعلنه ويلتزم به الموقع - تجعله غير مطلق أو خال من الضوابط وهي محددات وقواعد يمكن إجمالها في الآتي:
أ- التحيز في هذه النزاعات ليس لأطراف وإنما لقيم، وهي ليست قيما إسلامية خاصة بقدر ما هي قيم إنسانية مشتركة ومطلقة، مثل الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان ونصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض وغيرها من القيم المطلقة والتي يمثل دعمها الهدف الثامن من الأهداف العشر التي حددها الموقع في رؤيته (طالع: رسالة شبكة إسلام أون لاين.نت وأهدافها) حق الاستقلال والتحرر الوطني وتقرير المصير.
على أن التحيز لهذه القيم "كمطلق" لا ينطبق على آليات تحقيقها التي يُعِدّها الموقع "نسبية" يمكن الاختلاف فيها وعليها بين أصحاب هذه القيم المطلقة؛ فحق مقاومة الاحتلال الصهيوني حق مطلق لأبناء الشعب الفلسطيني تقره الشريعة وكافة المواثيق الدولية، لكن هذا الإطلاق لا ينسحب بالضرورة على آليات ووسائل المقاومة التي هي نسبية في نظرنا.
فالعمليات الاستشهادية في رأي الموقع آلية مقاومة معتبرة، ولكن يجوز الخلاف حولها لا من منطلق التحريم أو القبول بها بالضرورة (وهي في رؤية الموقع جائزة شرعًا)، ولكن من منطلق جدواها وفائدتها في تحقيق المقاومة المثلى باعتبار أن تحقيق المصلحة هو أساس الحكم.
وحق المقاومة مكفول ومطلق للشعب العراقي ضد الوجود الأمريكي والغربي على أراضيه والذي هو احتلال صرف لا خلاف عليه، لكن آليات ووسائل المقاومة نسبية يحددها العراقيون وفق مصالحهم التي هم أعرف الناس بها، ومن ثَم فالموقع يدعم كل طرق المقاومة ويعتبرها جهادًا في سبيل الله، ولا يفرق بين سلمي ومسلح ما دام منحصرًا ضد الاحتلال وملتزمًا بقواعد وأخلاق الجهاد، ويرفض أن يفرض فصيل عراقي رؤيته ومنهجه على الطرف الآخر أو يتهمه في دينه أو وطنيته؛ فالفيصل عنده "مظنة المصلحة"، وإن لم يمنع هذا من التزام الموقع بتحديد واضح لكل وسيلة بحيث تظل محتفظة بنقائها والهدف الذي شرعت من أجله (الجهاد غير استهداف المدنيين، عدم جواز التمثيل بالجثث أو عرضها مشوهة... إلخ).
ب- التحيز لا يمنع من الالتزام بالقواعد المهنية والأخلاقية للعملية الإعلامية: تحري الصدق في الأخبار/ إتاحة المعلومات كاملة/ عدم المبالغة أو المراوغة في العرض/ توفير مبررات الأطراف مع إعلان الانحياز/ الالتزام بآداب المخالفة (الملمح الثامن في الملامح العشرة للموقع: تتعامل مع الناس -حتى المخالفين- باللين لا بالغلظة، وبالرفق لا بالعنف، وبالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن).
وأتصور أن هذا ما التزم به الموقع تفصيليًّا في الملف الخاص بالحظر الفرنسي على الحجاب (إتاحة كل الوثائق والقرارات بما فيها تقرير اللجنة الفرنسية التي اتخذت قرار الحظر وخطاب الرئيس الفرنسي/ نقد الموقف والممارسات الإسلامية التي ساعدت بالدفع في اتجاه قرار الحظر/ محاولة فهم الدوافع والأسباب الفرنسية/ تفكيك الموقف الفرنسي والموقف الإسلامي وإبراز تناقضاته حرصًا على النأي بالتغطية عن منطق الاستقطاب والمعادلات الصفرية/ تعدد جهات وزوايا الرؤية حتى لا تصبح قراءة الحدث من منظور وحيد/ الالتزام بمرجعية ثابتة ترفض الحظر والمنع كما ترفض القهر والإجبار عليه أيضًا كما حدث في ماليزيا... كل ذلك في أسلوب ليّن مع الالتزام بموقف مبدئي رافض لهذا الحظر، كما يرفض أيضًا فرضه قهرًا كما حدث في ماليزيا).
جـ- تبني نظرة مركبة غير سطحية لطرفي النزاع بحيث لا يتحول إلى معادلة صفرية أو معركة بين طرفين، بل تظل فيه التفاصيل الدقيقة والتناقضات الداخلية والتنوعات حاضرة حتى ولو كان ذلك ضد الحشد والتجييش الذي قد يدفع أصحابه إلى تجاوز الدقة.
وهو ما التزم به الموقع في تغطيته للغزو الأمريكي للعراق، فالنزاع -كما في رؤية الموقع الحاكمة للتغطية- ليس حربًا دينية صرفة (وإن لم تستبعد وجود أسباب دينية بل وضعها في حجمها) وطرفاها لا يمثلان الإسلام والمسيحية بالضرورة (فهناك أطراف مسيحية كانت ضدها، وأطراف مسلمة كانت معها)، ويجب عدم التغافل عن التناقضات الداخلية حتى في الطرف صاحب الحق (مشكلات النظام والقيادة العراقية ومظالمها). وأهمية إدراك تعددية وتركيبة كل معسكر وتعددية الأسباب (الشعب الأمريكي غير السلطة الأمريكية مثلاً، والشعب العراقي غير قياداته..).
يبقى القول بأن هناك نزاعات يؤمن فيها الموقع بعدالة الأسباب التي تبعث عليها، ولكنه يرفض وقوعها ابتداء، ويدعو ويتبنى فكرة تسويتها سلميًّا ما أمكن، وهو ما يحكم سياسة الموقع في قضايا الأقليات المسلمة والدينية المضطهدة عمومًا؛ فهو مع تأكيده التزام حفظ وصيانة حقوق هذه الأقليات جميعها ضد مبدأ انفصالها عسكريًّا عن الدولة الوطنية ما دامت جزءًا أصيلا منها وفق القوانين الدولية، رغم أن كثيرًا من حركات الانفصال لديها ما يبرر منطقها من أسباب عادلة. فالموقع يؤمن بأن هناك أساليب ووسائل أكثر اتساعًا وجدوى من الانفصال يمكن للأقليات المسلمة أن تحقق بها مصالحها وتحفظ هوياتها، ولكن يظل الإيمان بهذه الأساليب أيضًا رهنًا بقدرة قيادات الوطنية في هذه الدول على استيعاب ودمج المسلمين في أوطانهم.
*قدمت هذه الورقة للمناقشة بندوة "دور الإعلام في حالات النزاع" التي نظمها منتدى التنمية والثقافة والحوار بمكتبة الإسكندرية - مصر في الفترة من 11 - 12 يوليو 2004.