المغربيات.. تدين الجمال العاري!
كاتب وصحفي مصري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
بعكس كل من تكلموا عن المغرب، بل وبعكس المغاربة أنفسهم، أذهب إلى أن الفتاة المغربية هي أكثر تدينًا من أي فتاة عربية أخرى، وأن من تحدثوا عن أن المغربيات هن أكثر نساء العرب تأثرًا بموجة العلمنة والابتعاد عن الدين أخطئوا في حق العلم، فضلاً عن خطيئتهم في حق المرأة المغربية نفسها.
ليست هذه مرافعة في حق المغرب وأهله، وإن كان هذا أقل ما يستحقه هذا الشعب الذي يتدفق إنسانية يعز أن تجدها في بلاد الله الأخرى، سواء في الشرق الذي يصارع هموم الحياة وقسوتها، أو في الغرب الذي يصارع أمراض الاكتئاب والغربة والوحشة.. وكلاهما صارت المغرب ملاذًا يهرب إليه بحثًا عما يفتقده (ولكل وجهة هو موليها(!.
تجاوز المظهر
هذه السطور محاولة لتقديم مقاربة مختلفة في موضوع التدين لدى المغربيات، تتجاوز ما أراه سطحية وخفة في قياس درجة تدين المرأة المغربية عبر قياس ملابسها وحجم ما تغطيه من الجسد، وهي المقاربة التي ستنتهي حتمًا بأن حظهن من التدين محدود، بل ويكاد يكون معدومًا إذا ما قورن بأخواتهن في المشرق، خصوصًا المصريات واليمنيات ونساء بعض دول الخليج المحافظة.
لا تهدف مقاربتي بالطبع تجاوز معيار الملبس أو عدم تقديره في التعرف على تدين النساء، فهو محل اتفاق شرعي، كما أنه معتبر في منظور البحث العلمي.. غير أنها تسعى إلى كسر الربط الشرطي بين الملبس "الشرعي" غيابًا وحضورًا وبين التدين لدى المرأة المغربية تحديدًا، وقد يصلح النموذج للتطبيق في حالات أخرى.
أحسب أن التدين حاضر لدى الفتاة المغربية بأعمق ما يكون، ولكن نقطة الخلاف هي في طبيعة هذا التدين وتمثلاته أكثر مما هو نقاش حول أصل التدين نفسه، ولا يفهم ذلك إلا عبر فهم طبيعة الدين نفسه لدى المغاربة.
الدين أو الإسلام لدى المرأة المغربية -ولا يعرف المغرب دينًا غير الإسلام- هو اعتقاد بالأساس، ثم عبادة أكثر منه سلوكيات تملأ الفضاءات الاجتماعية بالضرورة، وهو نموذج للتدين يبدو خاصًّا بالمغربيات، بعكس التدين في المشرق وسأتكلم عن مصر تحديدًا؛ إذ لا بد للتدين في المشرق أن يتمثل في مظاهر تملأ الفضاء الاجتماعي بحيث يصير مع الزمن هناك ربط شرطي بين التدين ومظاهره (من حجاب ولحية وخلافه..)، ثم يتطور الأمر إلى أن يكون التدين لدى الكثيرين هو هذه المظاهر نفسها، لذلك فالحجاب وانتشاره في مصر يبدو أكثر بكثير من حجم التدين نفسه، حتى إن المرء ليصادف نساء وفتيات قد لا يؤدين الصلاة أو الصيام وقد يفرطن في بعض العبادات ولا يلتزمن في بعض المعاملات، وعلى الرغم من ذلك لا يمكنهن التخلي عن الحجاب... فالحجاب تحول من مظهر للتدين إلى تدين في حد ذاته لا يمكن التهاون فيه، في حين يسهل التفريط في أمور عبادات وفرائض أخرى.
العكس من ذلك تمامًا في المغرب، فالفتاة المغربية تدينها اعتقادي وعبادي بالأساس قد يصدقه المظهر فيؤكده ويدل عليه، ولكن لا يكذبه؛ إذ لا علاقة شرطية بين تدين المغربية ومظهرها.
يطاردها التدين
لدى المغربية تدين فطري عميق جدًّا تراه في العبادات وخاصة الصيام الذي يندر أن تتجرأ المغربية عليه، ومن النوادر التي تُروى في هذا المجال أن سوق الدعارة تكاد تتوقف في رمضان، ليس بسبب إحجام الرجال عنه فقط، بل بسبب أن الفتيات المغربيات اللاتي يعملن في هذه المهنة يرفضن العمل في رمضان، ومن تلجئها الحاجة تؤجل عملها لما بعد الإفطار وتقضي النهار صائمة!.. طبعًا سيتهكم البعض على هذا المسلك ويراه تناقضًا وله في ذلك كل الحق، ولكن بنظرة أخرى يمكن أن نراه تدينًا يطارد هذه الفتاة التي ضلّت طريقها، فيتمكن منها وهي في أسوأ حالاتها ويعيدها إلى طبيعتها حتى وهي في أحط درجات الانحراف.
ومن المظاهر اللافتة أنه قد يمر المتسول أمام فتاة وهي في مكان مريب بلباس لا يقل ريبة وتفاجأ بأنها تكون معه أجود من الريح المرسلة، مقابل أن يدعو الله لها بالرحمة والمغفرة تعطيه الصدقة، وتقول له بإحساس المذنب المقصر الذي يرجو الغفران: "الله يرحم بها الوالدين!".. إن هذه الفتاة التي غلبت عليها شقوتها أو دفعتها الظروف لهذا الطريق ما زالت تحمل في قلبها مشاعر العطف، بل وترجو أن تكون صدقتها ودعوة هذا المتسول طريقًا إلى المغفرة والتوبة مما هي فيه.
تحكي لي زميلة صحفية أنها لما كانت بالجامعة كانت الفتيات من غير المحجبات في المدن الجامعية الأكثر تنافسًا في الصوم ورد الدين، خصوصًا في الأيام التي يستحب فيها الصيام، ويذكّرن بعضهن البعض، وتكاد رائحة الوجبات الرمضانية لا تغادر أجنحة الفتيات بمن فيهن بعض المدخنات ومتعاطيات الكحول وحتى متعاطيات الدعارة، وأنه -وفي شهر رمضان- تتوقف أغلب الفتيات عن كل السلوكيات المخلة احترامًا للصيام، وتعتبر نسبة المفطرات عمدًا ضعيفة جدًّا بينهن.
تدين فريد
أول ما زرت المغرب صدمني مظهر الملابس المكشوفة، بل والفاضحة أحيانًا لدى الفتيات حتى المراهقات منهن، واستفزتني هذه الجرأة -إذا ما قورنت بمصر- في علاقات المغربيات بالرجال.. ولكن ما إن يتصادف دخولي في حوار مع إحداهن حتى أفاجأ بتدين غريب قد لا أبالغ إذا قلت إنني لم أصادف مثله في حياتي.. فوراء المظهر الصارخ والانفتاح الكبير ستجد اعتقادًا راسخًا في الله، وإيمانًا بالإسلام لا حدود له، تترجمه عناية فائقة بأداء الفروض والعبادات، وكثرة التصدق والحرص على أعمال البر.
أكاد أجزم بأن المغربيات أقل نساء المسلمين جرأة على الإفطار في نهار رمضان، وأنهن الأكثر حرصًا على أداء الصلوات بشكل فطري لا علاقة له بالالتزام الديني ضمن جماعة أو تيار إسلامي، بل إنه الأقرب إلى التدين، حتى لو كان عبر عادات قد لا تبدو وثيقة الصلة بالدين، لكنها -عند التدقيق- تعكس عمقًا في التدين.
مثلاً لا يمكن أن تنادي مغربية اسم محمد إلا مسبوقًا بتشريف؛ فتقول: "سيدي محمد". حتى ولو كانت تنادي ولدها! بل لربما فوجئت بامرأة تنهر ابنها وتصرخ فيه وتعنفه، بل وربما تسبه، ولكنها تحرص -في ذات الوقت- على مناداته بـ"سيدي" أو "سي" اختصارًا, تشريفًا لاسم النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه.
ولا يكفّ لسان المغربية عن ألوان من الدعاء والذكر تأتي طبيعية مرسلة دونما تكلف، حتى لكأنها جزء من الفطرة التي لا يعدو عليها تلون.. تسمع دائمًا في حديثها: تبارك الله.. الله يرحم والديك.. الله يعاونك.. الله يعفو عنك...
كانت الطائرة مكتظة بالمغربيات وكان ملبسهن بين الغربي المكشوف والتقليدي الذي لا يعكس التزامًا دينيًّا مقصودًا.. وكانت الأجواء مليئة بالضحكات العالية والنقاشات المفتوحة والتباسط مع الجنس الآخر، ثم لما بدأت الطائرة تحط بنا في مطار الدار البيضاء تعالت زغاريد النساء والفتيات، ثم دخل الجميع في دعاء خاشع وصلوات فريدة بالدارجة المغربية على الرسول الأعظم يكاد يذوب لها القلب خشوعًا.. "الصلاة والسلام على رسول الله.. لا جاه إلا جاه سيدنا محمد.. الله مع الجاه العالي".
أما الانفتاح الزائد عند المرأة المغربية فهو ليس علامة تحلل من الدين وتعاليمه بقدر ما هو مكوّن أساسي في الشخصية المغربية التي لم تشهد تصادمًا قط بين الوافد والموروث، وكان لديها القدرة دائمًا على تجاور التقليد مع الحداثة بصورة مذهلة، فالمغرب لم تعش يومًا أزمات الهوية وظلت دائمًا تنهل من تفاعل تاريخي مع حضارات وثقافات شتى بما فيها الحضارة الغربية.. لهذا تتجاور لدى المغربية عادات شتى وأنواع من الملابس كان من المفترض أن تتنافر، لكنها تتعايش بهدوء وتناسق لدى المغربية يحتار المراقب معها.. هل هو بإزاء فتاة غربية من قلب باريس أم أمازيغية من سوس لم تجف الحناء بعد على قدميها!.
إن الفتاة المغربية تقبل على الأزياء الغربية كاستجابة فطرية طبيعية لديها وميل غريزي لاكتشاف الممتع والجميل في كل شيء وإعادة تركيبه وتسكينه ضمن عالمها الخاص؛ سواء ملبس أو مأكل... ولا تفعل ذلك كموقف فكري أو ثقافي يحمل انتقاصًا من دينها وإسلامها. بعكس ما يحدث في بلاد عربية أخرى تلوذ فيه الفتاة بالملبس الغربي كموقف حضاري.
تدين الدولة
إن تدين المغربية مثل تدين الدولة المغربية نفسها على مر التاريخ، هو تدين اعتقادي وطقوسي لا يفرض مظهرًا أو سلوكًا معينًا عليها، فالدين في الدولة المغربية هو نص أصيل في الدستور، وكذلك الحال بالنسبة للمغربية وهو لا يتحول إلى سلوك إلا في لحظات معينة غالبًا ما تكون تلك التي تتصل بسؤال الإيمان والكفر، ودون ذلك فالحياة مفتوحة أمام سلوكيات ومظاهر مختلفة يمكن أن تتعايش وتتجاور في الأسرة الواحدة، بل ولدى المرأة الواحدة!.
ولذلك وعلى الرغم من أن المغربية قد تأتي من السلوكيات الاجتماعية ما هو مستهجن، بل وربما يجاوز الشرع والأخلاق فإنها نادرًا ما تتحول عن دينها، وعلى الرغم من موجات التأثير الغربي والتنصير التي اجتاحت المغرب ظل المغاربة -نساؤهم قبل رجالهم- متمسكين بالإسلام اعتقادًا لا يتحولون عنه، بعكس بلاد إسلامية أخرى انتشر فيها التنصير كالنار في الهشيم في أول هزة عنيفة ضربت مجتمعاتها، كما الحال في العراق أو شرق آسيا.
يعيب الناس على نساء المغرب الملابس المكشوفة والانفتاح الكبير في التعامل مع الرجل، ولن أدافع عن ذلك بالطبع أو أبرره، لكن ما أريده هو فهم هذا المسلك، فالمغربية بشكل عام محبة للحياة وللمتعة، ومنفتحة إزاء كل جديد، بل ولديها القدرة على توطين هذا الجديد في منظومتها الحياتية بدون قلق أو توتر كالذي يحدث في المشرق تجاه كل شيء جديد، وهي دائمًا قادرة على الجمع بين الحديث والقديم، والتقليدي والعصري في مكان واحد، ومهما اقتربت من التحديث تظل ممسكة بتقاليد راسخة تستطيع أن تبثها في أي مكان تذهب إليه.
المغربية -مثلاً- تحب السفر أو على الأقل تقبل به حتى تكاد تكون الوحيدة بين نساء العرب التي يمكن أن تسافر وراء رزقها أو رجلها إلى أقصى الأرض دون أن تشتكي الغربة؛ لذلك فلن تجد بلدًا في أرض الله ليس بها مغربية، ولن تجد أمة من أمم الأرض لم ترتبط مع المغربيات بنسب وصهر؛ إذ وطن المغربية رجلها وحيثما استقر الرزق طاب لها المقام، ولكن المغربية التي تعشق السفر هي في نفس الوقت أكثر النساء بحثًا عن الاستقرار العاطفي والإنساني والعائلي الذي تكاد معظم المغربيات يشتكين فقدانه، ولهن الحق إذا ما علمنا تركيبة المجتمع المغربي.
أزعم -مع خالص التقدير للمغاربة والاعتذار المؤكد عن التعميم- أن الرجل المغربي يعاني الأنانية، أو هو أقل من نظيره المشرقي -والمصري خاصة- في الإحساس بالمسئولية تجاه المرأة، أمًّا أو أختًا أو زوجة.. الشاب المغربي ما إن تواجهه أزمة البطالة وقلة الرزق حتى يفكر في الهجرة بحثًا عن الخلاص الفردي.. يهاجر الشباب -هناك أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر- غير عابئ بأسرته؛ لتتحمل المرأة وخاصة الأخت المسئولية الكبرى ليس في إدارة البيت وإنما في نفقاته أيضا ومهامه الكبرى، كثير من الأسر تعولها فتيات ونساء، وغالبية بنات المغرب يتحملن مسئولياتهن كاملة، ويتخذن وحدهن القرارات الحاسمة والمصيرية في الحياة من دون أب أو أخ، وما أقسى أن يكون الإنسان -وخاصة الفتاة- وحيدًا في مواجهة الاختيارات المصيرية، ومن هنا تسعى البنت المغربية إلى البحث عن زوج بأي طريقة، وهي على استعداد لأن تهب له نفسها بثمن زهيد، مقابل وعد -مجرد وعد- بالاستقرار، وتدفع في مقابل ذلك الكثير.
العلاقة مع الرجل
ليست لدى المغربية جرأة على حدود الله وأوامره، كما أنها لا تتبنى أطروحات تصادم الدين مباشرة وعن قصد، خاصة في القضية التي دائمًا ما كانت موضع غمز لها واتهام وهي قضية العلاقة مع الرجل، ولكنه ربما كان الضعف أمام ظروف الحياة القاسية وغياب الرجل الذي تشعر معه بالأمان (وهناك انطباع عام لدى الفتيات المغربيات أن الرجل المغربي من أكثر الرجال عنفًا مع زوجاتهم وأقلهم قيامًا بالمسئولية الأسرية)، فإذا ما أشعرها رجل -ولو عابر سبيل- بهذا الأمان أو وعدها به أعطته نفسها وللأبد!. قد يبدو هذا تفاهة وقلة عقل -في رأي نظيرتها المصرية أكثر حرصًا-، ولكن الحقيقة أنه يعكس احتياجًا كبيرًا للأمان والعطف، يجب أن يقابل بالتقدير أو التفهم وليس بالازدراء والتهكم.
تنظر المشرقية إلى المغربية كصائدة رجال، وكثيرًا ما تحذر رجلها من المغربيات وربما زادت فحذرته من السحر الذي يلجأن إليه للإيقاع بالرجال، والأغلب في ظني أن الأمر لا علاقة له بأعمال الغواية والسحر بقدر ما له صلة بقدرة خاصة تتفرد بها المغربية على النفاذ إلى الرجل والدخول إلى أعماقه تعجز عنها غيرها من نساء المشرق، أو لا تكلف نفسها مجرد محاولته، وهو أمر تفعله المغربية زوجة كانت أو باحثة عن الزواج، ولعله سر حالة الهوس بالمغربيات التي تجتاح الرجل العربي والغربي على السواء.
إن هذا الاهتمام بالرجل من المغربية والسعي إليه لا يعني بالضرورة أنها قليلة الدين أو ضعيفة الإيمان، بل هو في رأيي نوع من الاتساق مع الذات والصدق مع النفس، وما أحسنه لو التزم شرع الله، المغربية محبة للحياة باحثة عن متعتها ومن ضمنها الرجل المناسب، لو وجدت هذا الرجل فهي من أخلص النساء له، وإلا فهي عرضة للتردي في مزالق ومهاوٍ غير أخلاقية تدفعها إليها قسوة الحياة ووحشة الطريق... هذا والله أعلم.