القنوات الدينية في مواجهة أسئلة نقدية: استثمار تجاري أم خطاب عقابي ترهيبي؟( القدس العربي)
أثار برنامج (ترانزيت) على قناة 'أخبار المستقبل' اللبنانية، قضية القنوات الفضائية الدينية، من خلال لقاء مع الباحث الإعلامي المصري حسام تمام، الذي قدم الكثير من الأفكار الهامة والجريئة في تحليل ظاهرة القنوات الدينية، والإعلام الإسلامي الذي وصفه بـ (سوبر ماركت كبير).
ومن أهم ما قاله حسام تمام في ظاهرة الدعاة الجدد، أنه ميز بين حالتين، حالة الشيخ يوسف القرضاوي الذي هو عالم وفقيه في الدين اتخذ من الإعلام أداة لإيصال رسالته لأكبر عدد ممكن من الناس، وحالة الدعاة الجدد، الذين اتخذوا من الإعلام رسالة بحد ذاتها، فاكتسبوا وجودهم من خلال الإعلام، وحولوا الأداة إلى رسالة، وجعلوا الحالة التلفزيونية الجماهيرية هي الحامل لما يقولون... وقد وصفهم حسام تمام، بأنهم أشبه بمعدي برامج تلفزيونية، لكنهم على دراية أكبر بمسائل الدين من المعدين الآخرين.
وقد أشار الباحث إلى تحول القنوات الدينية إلى حالة استثمارية، فباقة قنوات 'روتانا' التي تحوي قنوات السينما والموسيقى والفيديو كليبات الفاضحة، تضم قناة دينية اسمها 'الرسالة' وباقة قنوات 'إي. آر. تي' التي تبدو نسبياً أكثر احتشاماً، تضم أيضاً قنوات المسلسلات والموسيقى والحكايات والرياضية، وتضم قناة دينية اسمها 'إقرأ' وقناة 'الناس' كانت مشروع قناة فنية، لصاحب قناة 'خليجية' التي كانت قناة فيديو كليب، قبل أن تتحول إلى قناة فنية عامة، وتصبح قناة 'الناس' قناة دينية!
وقد سخر الباحث من بعض الشعارات التي ترفعها بعض القنوات الدينية من قبيل (رنة تدخلك الجنة) التي تستخدم لتشجيع الناس، على تحميل رنات الموبايل ذات المضمون الديني، بأجر مادي دنيوي... دفع بعض المطربين المشهورين إلى الاتجاه إلى الغناء الديني بسبب ازدياد الطلب على التدين!
في المحصلة قدم البرنامج قراءة موضوعية في ظاهرة القنوات الدينية، مبنية على خلفية معلوماتية ومتابعة إعلامية للضيف، الذي سعى لتقديم (توصيف) بعيد عن إطلاق أحكام القيمة، إلا في حالات محددة كتلك المرتبطة بالاستثمار التجاري... وأعتقد أن هذه القنوات الدينية، معنية بمناقشة واقعها بمثل هذه الجرأة والصراحة، إذا كان مالكوها ودعاتها معنيين بتفعيل دورها الحقيقي والتنويري بعيداً عن البهرجة الإعلامية، والسعي وراء هاجس النجومية... وأقول (التنويري) لأن صورة الإسلام الحقيقية، أفضل وأكثر انفتاحاً وواقعية بكثير مما نراه على أرض الواقع في كثير من المجتمعات الإسلامية... وعلى سبيل المثال لا الحصر، وضع الإسلام شروطاً تعجيزية غاية في الصعوبة لإثبات حالات الزنا، تتطلب وجود أربعة شهود من الرجال، المعروفين بحسن السيرة، والذين رأوا واقعة الزنا في زمان ومكان حدوثها رؤية العين المجردة... وقد أوقع الإسلام عقوبة الجلد على من يأتي بشاهدين أو ثلاثة بدل أربعة، وهي عقوبة تطال صاحب الادعاء والشهود معاً، كي لا يتجرأ أحد على توزيع الاتهامات على هواه... ومع ذلك ورغم أن هذه الأحكام من الأحكام الواضحة والمعروفة في الشريعة والتي تكاد تكون لا لبس فيها، فإننا نجد أن جرائم الشرف تنتشر في العالم الإسلامي، وترتكب على مجرد الشبهة أو الشك... والسؤال: لماذا لا تلعب هذه القنوات، دوراً تنويرياً في مثل هذه المسائل وسواها، من التي يظن البعض أنها تستند الى مرجعية إسلامية والإسلام بريء منها؟! ولماذا لا نجد قنوات تغربل ما علق بالإسلام من نزعات التشدد والتطرف، التي نراها تنتشر وتصبح قوة ضاربة، لتقدم صورة مسيئة للإسلام، سبق أن حذر الرسول الكريم منها حين قال: هلك المتنطعون... هلك المتنطعون... هلك المتنطعون... أي المتشددون، الذين جعلوا الإسلام حالة عقابية ترهيبية، ليس فيها سوى التهديد والوعيد والويل والثبور، إلى جانب كم كبير من المحاذير والمحظورات وقيم التحريم!
سؤال يستحق الإجابة، لأن القنوات الدينية مثل أي قنوات اختصاصية أخرى، يجب أن تخلص لرسالتها، ويجب أن تقوم بدورها في التوعية والتنوير، والارتقاء بأذواق الناس وأحاسيسهم... والدين ليس بعيداً عن هذا أيضاَ!