حول الدعوة السلفية ... إجابات على أسئلة حسام تمام
طرح الأستاذ حسام تمام مجموعة من الأسئلة المهمة حول الدعوة السلفية في مقالته " أسئلة الزمن السلفي "، والإجابة عنها من أصحاب الشأن السلفي مهم للغاية حتى تتضح صورة وحقيقة الدعوة السلفية للجميع لأن من حقهم أن يعرفوا ذلك ولأنه يؤدى إلى تفاعل وتدارك لمواضع القصور والخلل كما أن هذه المعرفة توفر علينا وعلى الآخرين عناء البحث الطويل دون وصول للحقيقة ، كما حدث مع التيارات والحركات الإسلامية الأخرى فرغم أن ماكينة البحث والدراسات والمؤتمرات عن الحركات والتيارات الإسلامية انطلقت من أكثر من ربع قرن عقب ثورة الخميني ، إلا أن مخرجات هذه الأبحاث لا تزال ضعيفة ومشتتة ونتائجها متضاربة جداً ، كان أخر ما خرجت به هذه الدراسات كما يقول الباحث خليل العناني هو نفي وجود اعتدال في الحركات والتيارات الإسلامية كافة !!
من هنا أحببت أن أطرح بعض الملاحظات حول الدعوة السلفية مساهمة في توفير بعض الإجابات على أسئلة الأستاذ تمام
الدعوة السلفية في المفهوم الإسلامي تخالف مفهومها في الموروث الغربي الذي ينظر نظرة سلبية للسلفية الخاصة به وهي مرتبطة بصراع الكنسية والعلم والمعرفة والعقل، بينما في الإسلام الأمر بخلاف ذلك ففي العصر الذهبي للسلفية وهو عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده لم يكن هناك صراع مع العلم أو العقل ، بل على العكس كان فداء بعض الأسرى هو تعليم الصبيان الكتابة والقراءة ، وتم اقتباس معارف عسكرية من الفرس كحفر الخندق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، واقتباس النظم الإدارية من فارس في عهد الخليفة عمر ابن الخطاب .
وفي عصرنا الحديث لا ينكر أحد دور الرموز السلفية في محاربة الأمية والجهل والخرافة والحث على اكتساب المعارف العلمية ونشر المدارس وإصدار المجلات والصحف ، كأمثال رشيد رضا وعبد الحميد بن باديس والقاسمي وغيرهم .
و حين أنكر العلامة ابن باز رحمه الله كروية الأرض قام بعض أهل الخبرة العلمية من السلفيين بتوضيح المسألة له فتراجع عن قوله ولم يتبنى ذلك السلفيين مع إجلالهم له .
فليست الدعوة السلفية انغلاق أو جمود وتحجر كما يشيع ذلك خصومها من الداخل والخارج ، بل الدعوة السلفية هي من فرضت على الفقه الإسلامي المعاصر فتح باب الاجتهاد وطرح الفقه المقارن ، والاعتماد على في الأحكام الأحاديث الصحيحة فقط لتقليل مساحة الخلاف بين المذاهب الفقهية .
والدعوة السلفية هي التي نبهت على أهمية مقاصد الشريعة ودورها في إيجاد حلول للمشاكل العصرية ، و الباحثون اليوم لا يستغنون عن كتب رموز السلفية في ذلك كالموافقات للشاطبي و إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية .
كثيراً ما يتردد تقسيم الدعوة السلفية إلى سلفية تقليدية أو علمية ، وسلفية إصلاحية ، وسلفية جهادية .
وهذا تقسيم لعل الصديق " محمد أبو رمان " يحوز على ملكية حقوقه الفكرية ، ولكنه في نظري غير صحيح ولا سليم ، وذلك أنه ليس نتيجة دراسة واسعة ومعمقة للواقع السلفي ،بل هو قد يكون رؤية شخصية لواقع الدعوة السلفية في الأردن في لحظة ما، كما أن هذا التقسيم يواجه إشكالات كثيرة من ناحية عدم وجود فواصل حقيقية بين مكوناته و لا يوفر مكان لكثير من التجمعات السلفية فيه !! وهذا التقسيم للدعوة السلفية أيضاً يستبطن تناقض في الموقف تجاه بعض أقسامه بين الذم له بالمجمل وتأييد مواقفه بالقطعة !!
فمثلاً ما يطلق عليه التيار السلفي التقليدي ويراد به العلماء والمشتغلون بالتأليف والتحقيق ، ويوصمون بأنهم منعزلون عن الشأن العام وأنهم في قبضة السلطة ومتأخرون عن حركة المجتمع ، هؤلاء ليسوا كتلة واحدة تحمل نفس الخصائص في كافة الدول البلاد ، و هذا التيار الذي يسمونه تقليدي تجد أن "المثقفون والمتنورون من الإسلاميين" سواء من خرج من عباءة تنظيمه أم من تولى منصب رسمي باسم تنظيمه حين يصطدم بالواقع يعود لنفس المواقف التي يتبناها التيار " التقليدي " والتي لا تجد شعبية في الشارع ، كفتوى الشيخ ابن باز بجواز السلام مع اليهود أو الاستعانة بأمريكا في تحرير الكويت ، فهل التيار " التقليدي " سابق ومتقدم بمواقفه على الآخرين الذين يدعون الاستنارة والمعاصرة !!
وهذا التيار فيه كثير من المدركين لأهمية الإعلام والتصدي لإرشاد الناس في دينهم ودنياهم فبرزوا على الفضائيات وقدموا خطاباً سلفياً مميزاً ، أسقط كثير من مقولات بعض الإسلاميين باستحالة وجود إعلام لا يتقيد بقواعد الإعلام الغربي العامة.
ما سموه " التيار السلفي الجهادي "يقصدون به جماعات القاعدة ومن سار على نهجها ، و هذا اسم غير صحيح فلا هم سلفيون ولا هم جهاديون .
فالسلفية هي إتباع الكتاب والسنة على طريقة الصحابة الكرام في العقيدة والفقه والأخلاق والمنهج أو السياسة الشرعية .
وهؤلاء في تبنيهم لتكفير بعض المسلمين ليسوا على منهج السلف ،وفي منهجهم القائم على القتل والتفجير ليسوا على منهج السلف ، وطريقتهم في الجهاد لا توافق أحكام الشريعة الإسلامية ، التي منعت من قتل الأبرياء وتخريب المنشئات .
وإذا كان هذا هو التيار السلفي الجهادي ، فماذا نسمي الجماعات السلفية التي قامت بالجهاد ضد المحتلين لديارها كما في الشيشان والفلبين أرتيريا وأفغانستان والعراق دون أن تتورط في التكفير أو القتل للمسلمين أو الأبرياء ؟؟؟
والعجيب أنهم لا يسمون أنفسهم بهذا الاسم ، ومن تسمى به في الجزائر نبذه لينظم للقاعدة ، مع أنه من المعلوم أن غالبية قادة هذه الجماعات من خلفيات حركية وحزبية غير سلفية .
هناك تغافل وتجاهل لوجود تيار سلفي كبير يؤمن بالعمل الجماعي وبعضه يمارس العمل السياسي ، كما في الكويت والبحرين والسودان ، والهند وباكستان وغيرها .
وهذا التيار قدم حقيقة الطرح السلفي في رؤيته السياسية والاقتصادية ، فلماذا لا تدرس هذه التجارب والتي عمر بعضها ربع قرن بدل ترويج الشائعات عن سلوكيات السلفيين إذا وصلوا إلى السلطة ؟؟؟
أظن أننا بحاجة لوضع معايير جديدة لتقسيم وتصنيف التجمعات السلفية ، وهذا الاختلاف نابع من كون السلفية دعوة لها أسس نظرية متفق عليها وهي : توحيد الله عز وجل ، إتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، تزكية النفس بالأخلاق الفاضلة
وللدعوة السلفية أصول عملية متغيرة بحسب الزمان والمكان والبيئة المحيطة والنظرة للدور الممكن القيام به ، ولذلك قد تتباين التوجهات حتى في نفس البلد .
وهذا التقسيم يمكن جعله على المحاور التالية :
العلمية ، الدعوية ، الجماعية أو التنظيمية ، السياسية ، البرلمانية ، الجهادية.
مثال :
1- ماعة أنصار السنة المحمدية في مصر يمكن توصيفها بأنها جماعة سلفية علمية إلى حد ما ، دعوية نشيطة ، منظمة ، وليست سياسية أو برلمانية أو جهادية .
2- جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت يمكن توصيفها بأنها جماعة سلفية علمية إلى حد ما ، دعوية نشيطة ، منظمة ، سياسية و برلمانية .
3- مركز الألباني 1في الأردن يمكن توصيفها بأنها جماعة سلفية علمية جداً ، دعوية إلى حد ما ، ليست منظمة ، وليست سياسية أو برلمانية أو جهادية .