حسام تمام: "في لحظة العولمة، لا نستطيع الفصل بين الداخل والخارج"(سويس آنفو)
مع اقتراب موعد تصويت الناخبين السويسريين على المبادرة الشعبية الداعية إلى تحوير الدستور الفدرالي لتضمينه فصلا جديدا يحظر بناء مزيد من المآذن في سويسرا، التقت swissinfo.ch مع باحث عربي أتيحت له فرصة متابعة الحملة والنقاش الوطني العام الإستثنائي وغير المسبوق.
ويعتبر الباحث والصحافي المصري حسام تمام واحدا من أبرز الخبراء العرب الشبان في شؤون الإسلام السياسي ومن المتابعين لشؤون الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب وألف عدة كتب في هذا التخصص ونشر العديد من المقالات والأبحاث في الصحافة العربية والأجنبية كما في المجلات الأكاديمية المتخصصة.
في السنوات القليلة الماضية، تردد تمام أكثر من مرة على سويسرا باعتباره زميلا زائرا ومتعاونا مع مرصد الأديان (مقره فريبورغ) وسنحت له فرصة المشاركة في عدة ندوات وحوارات ونقاشات مع طلبة وباحثين ومتخصصين ما سمح له بتشكيل فكرة دقيقة عن الساحة السويسرية وما يعتمل فيها من تفاعلات وسجالات بخصوص حضور الإسلام والمسلمين عموما.
Swissinfo.ch: ما هي ملاحظاتكم الأولى حول الجدل الدائر هنا حول مسألة المآذن، بعد متابعتكم ميدانيا لما يحدُث؟
حسام تمام: أتصور أن أهم شيء اكتشفته هذه المرة، طبعا أنه كلما اقترب موعد الاستفتاء، كلما بدا أن هناك حضور أكثر للقضية، التي لم تكن بهذا الحجم من الحضور قبل شهور حيث كنت متواجد هنا.
من ناحية أخرى، هناك تركيب وتعقيد كبير في فكرة التيار الذي يتبنّـى المبادرة. لا يُـمكن أن نتكلم بالضرورة عن حالة عداء للإسلام، لكن هناك قضية ما بين السياسة والأوضاع الداخلية والأوضاع العالمية، أقصد أن الموضوع أكثرُ تعقيدا من الحديث عن تيار بعينه يُـمكن فهمه معاديا للإسلام أو له موقف منه.
هل فاجأتك مثلا اللهجة الشديدة المستخدمة في الإعلانات التعبوية؟ ثم ما رأيك في الملصقات التي ترافق هذه الحملة؟
حسام تمام: هي فاجأتني لأن فيها مستوى من التعبئة متصاعد وغريب على سويسرا. مثلا شاهدت اليوم إعلانات ببرقع مع مآذن، مع قضايا يبدو أنها غير منسجمة مع بعضها البعض.
الوضع أشبه بنقطة تتجمع حولها قضايا مختلفة، بمعنى أن بعضها له طابع ديني وبعضها متعلق بالمعمار بعضها متعلق بالدين.. بعضها أقرب إلى تعبئة سياسية على وقع المآذن، أفكر في هذه الأمور وأنا قادم من العالم العربي. الرسالة الأخيرة التي يمكن أن أنقلها، أنه ليس من المفيد وليس من السهل تلخيص ما يجري في جملة واحدة.
التقيتَ خلال هذه الزيارة وتناقشتَ مع عدد من المثقفين والنخب العلمية الجامعية، كيف وجدت تعاطي هذه النخبة من المجتمع مع هذه المبادرة ومع الإشكاليات التي تطرحها عموما؟
حسام تمام: أتصور فيما يخص المؤسسة العِـلمية أو القضائية أو الجهاز ذات الطابع الأكاديمي أو الرسمي، يبدو فيه النقاش أكثر انضباطا وأكثر تدقيقا منه في الحالة الحزبية السياسية أو في الدعاية الإعلامية.
ما حضرته من نقاشات سواء مع ممثلين من وزارة العدل أو بعض الأكاديميين، يبدو أكثر دقة وأكثر هدوءً وأقل استجابة للانفعالات، وفي اعتقادي أن هذا الأسلوب يخفف الكثير من الاحتقان، ما زالت المعالجة العامة في سويسرا تضع الموضوع في حجمه أو تضع القضية في حجمها الطبيعي، وللأمانة هي مسؤولة لأن الموضوع لم يتفجّـر. أنا شخصيا كنت طوال اليوم مع نشطين ومسلمين، لا أجد لديهم حالة تعبئة شعبية (يعني حتى لدى المسلمين)، ما يعني أن القضية ليست موضوعا للتعبئة الكبرى كما قد يُفهم من المتابعة الإعلامية.
عبّـرت قطاعات من الرأي العام السويسري عبّـرت بدرجات متفاوتة عن هواجس ومخاوف من تنامي الوجود الإسلامي في البلاد. هل تتفهم أنت شخصيا، بحكم أنك قادم من العالم العربي ومتابع من هناك لما يحدُث في الغرب عموما، هذه المخاوف وهل تجد لها أساسا في الواقع؟
حسام تمام: يعني إذا تكلمنا عن الوجود المسلم، فقد حدث تنامي ديموغرافي كبير في فترة زمنية قصيرة، بما قد يُـقلق البعض وبما يجعلني أتفهّـم هواجس البعض من تسارع النمو الديموغرافي، وإذا ما ركبنا هذا مع مسائل الهجرة وفرص العمل وغيرها، أكيد ستكون له تداعيات، لكن بالنظر إلى طبيعة المسلمين في سويسرا، أتخيّـل أن هذا مبالَـغ فيه بالنظر إلى أن التركيبة الإسلامية في الكنفدرالية إلى حد كبير مختلفة مثلا عن الحالة الفرنسية أو البريطانية.
هناك اندماج أكبر وليس هناك حالة تضخّـم في قلق الهُـوية ولا حالة تعبئة على أرضية الهُـوية، يعني هناك مؤسسات تعرِّف نفسها بأنها إسلامية في مقابل غير المسلمين، لهذا أقل بكثير مما قد نجده مثلا في فرنسا، لكن الشيء الذي يمكن أن يجعلني أتفهّـم، لا أقبل، لكن أفهم ما يجري أن المواطن السويسري ليس بالضرورة متأثرا بالحالة الإسلامية في سويسرا، بل إنه متأثر بتأثيرات عولمة وسائل الاتصال والإعلام، لأن كثيرا من القضايا أو جزء كبير من الصورة الذهنية عن الإسلام، أتصور أن الكثير من السويسريين أخذوها عن الإعلام العالمي وليس عن واقع الاختلاط والتعايُـش مع المسلمين.
في المحصلة النهائية نجد أن المواطن السويسري ليس بعيدا عما جرى في الأيام الماضية في أمريكا.. ليس بعيدا عما يجري في أفغانستان.. ليس بعيدا عما يجري من قِـبل وليبيا ونظام العقيد القذافي والأزمة التي حدثت ولا زالت مع سويسرا.. يعني أتصور أن جملة تصورات وجملة أحداث وقضايا عالمية حول الإسلام يُـمكن أن تكون أكثر تأثيرا في تنامي جبهة المعارضة للوجود الإسلامي من عوامل داخلية معينة خصوصا وأنه ليست هناك إلى حد الآن حوادث عُـنف إسلامية كما أنه ليست هناك حالة تطرف إسلامي..
حضرت قبل فترة أسبوعا حول الإسلام في كانتون فو، ولاحظت أن معظم الجدل الذي كان يتم في المحاضرات الأسبوعية التي كنت أحضرها، كان يتم عبر التاريخ والجغرافيا، التي ليس من ضمنها لا تاريخ للوجود الإسلامي في سويسرا ولا جغرافي، بمعنى أنك تجد كلاما عن الحروب الصليبية، عن التاريخ القديم، عن فكرة الجهاد عند بعض التيارات والحركات الإسلامية، أقصد أننا استغربنا أن معظم النقاش كان متوجّـها لقضايا لا تمس المواطن السويسري. فعلى سبيل المثال لا أتصور أن الكلام عن بناء الدولة الإسلامية أو إشكالات الحكم الإسلامي والشريعة، مطروحة تماما على أجندة المواطن المسلم في سويسرا أو أن مؤسسة إسلامية في سويسرا أعلنتها يوما ما. لكن يبدو أننا في لحظة العولمة، لا نستطيع الفصل بين الداخل والخارج.. لا نستطيع الفصل بين ما هو داخل سويسرا وما هو خارجها، أو وضع المسلمين وعزله عن أوضاع أخرى في مناطق ملتهبة في العالم الإسلامي.
هل معنى هذا أن الوجود الإسلامي في سويسرا وفي الغرب عموما، أصبح محلّ رهان بين تيارات عنصرية متطرفة مناهضة لكل ما هو أجنبي، والإسلام من بينها، وبين الأطراف الأخرى التي تحرص على التمسك بالأسس التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة؟
حسام تمام: برأيي أن مشكلة أو مأزق الجالية المسلمة في الغرب، هو قريب مما تطرح، هو أنهم دائما يكونون منصة لتجريب الإشتباك مع قضايا هم ليسوا طرفا فيها، بمعنى كأن نقطة الصدام ما بين الغرب وجملة من الأفكار المتعلقة بالإسلام، تتم تجربتها في الجالية المسلمة في الغرب ومساءلتها عليها، رغم أنها طول الوقت ليس طرفا فيها، مثل قضايا الحدود وقضايا الشريعة وقضايا التاريخ، والقضايا المتعلقة بالصراعات التاريخية والمفاهيم المتعلقة بالصراع، هذه القضايا لم تكن الجالية المسلمة طرفا فيها وهي غير معنية فيها لزمن طويل، ولا أتصور أنها جزء من أجندتها، لكنها ما بين أزمة تيارات، كما قلتَ تيارات متطرفة عنصرية، كانت دائما معادية للمهاجرين والأجنبي، ثم جاءت اللحظة ليتوجه هذا العداء للإسلام، وما بين عولمة لمجموعة من الأفكار الدينية ونقل خلفيات الصراع الديني والمذهبي والفكري من العالم الإسلامي إلى الغرب.
الروائي المصري المعروف علاء الأسواني كان في موفى شهر أكتوبر في سويسرا واسترعى انتباهه من كل المسألة، توسع السويسريين في الاستشارة وفي الاستفتاء وفي الإدلاء بالرأي حول كل المواضيع، مهما كانت كبيرة أو صغيرة، وكذلك هذه المساحة الكبرى المتاحة لمجموعات الضغط أن تفرض على الجميع استفتاء حول قضية ما.. ما هو رأيك؟
حسام تمام: فكرة الديمقراطية المباشرة مثل أي فكرة أخرى لها أهمية كبيرة، لكن لها بعض التداعيات، من أهميتها الكبرى، إمكانية تمثيل ومشاركة شرائح لا تحظى بتمثيل سياسي كبير، في طرح مبادرات سياسية من خارج المؤسسات التمثيلية كالبرلمان وغيره، هذا من خارج الأحزاب، وهذا برأيي ميزة أنه يجعل طول الوقت لدى المؤسسات السياسية قدرة على أن لا تتجمّـد وفق رهانات أو تقسيمات سياسية كبرى، كم حزب يسيطر على البلد وتصبح هناك تراتبية سياسية معينة، تمنع تمثيل اتجاهات وأفكار موجودة في الشارع، لكن غير معبّـأة أو مؤطّـرة في حزب سياسي.
هذه ميزة أساسية تُحمد وتُشكر للديمقراطية المباشرة، لكن بالأكيد طبعا أن لها تداعيات، ممكن ان صوتها لا يمثل الشارع يستطيع التحرك مثل المبادرة، انه يطرح قضية ليست على أجندة النخب السياسية ولا أجندة الحركة السياسية ويقلب الحياة، يعني ما جرى أن مجموعة هامشية ضعيفة نجحت في تجميع الأصوات، ثم حولت مسارات النقاش السياسي في سويسرا كلها. لا أستطيع أن أطالب بإلغائها أو شيء من هذا القبيل، لكن هذه تظل إحدى الآثار الجانبية للديمقراطية المباشرة.
ماذا يُقصد بمصطلح: الديمقراطية المباشرة ولكنها تبقى على كل أفضل بكثير من الاستبداد بالرأي والانفراد بالقرار...
حسام تمام: الديمقراطية المباشرة أو التمثيلية في كل الأحوال، هي أفضل من الديكتاتورية والاستبداد بالرأي، وهي في كل الأحوال نِـعمة، ولكن في الأخير كل شيء له تداعيات، وما جرى مثلا يفتح النقاش: هل كان من الأفضل أن يعتمد النظام السياسي الديمقراطية التمثيلية، بحيث تكون المبادرة في هذه القضايا صادرة عن قوى وأحزاب سياسية كبرى لها تمثيل ولها وزن وبمكن أن تحدد الأجندة السياسية بنوع من النضج والدقة، أو أن يبقى للهامش السياسي أو للمبادرات غير الحزبية، أهميتها واعتبارها. أنا شخصيا إذا حكمت انطلاقا من هذه الحالة، أرى أنها سلبية، لكن وجود آثار جانبية للديمقراطية المباشرة لا يعني بالضرورة أنني أطالب بإلغائها.
التاريخ السياسي الطويل لسويسرا أقام الدليل على أن حوالي 90% من المبادرات الشعبية من هذا القبيل لا تمر، لأن المواطن السويسري، يُـحكِّـم رأيه، لكنه يثق في الحكومة وعادة ما يتبع رأيها ..
حسام تمام: أنا أوافقك، لكن القضايا ذات الطابع الرمزي والثقافي، هي مثل كرة الثلج قد تراها في بدئها، ولكن لا يمكن التحكم في مسارها وإلى أي شكل ستنتهي. أتمنى أن يستمر الشعب السويسري في نضجه في إدراك طبيعة المبادرة وما إذا كانت تستحق الموافقة عليها أم لا.
حسب رأيك، لو أقِـر يوم 29 نوفمبر حظر المآذن في سويسرا من طرف الناخبين، كيف ستكون ردود الفعل في العالمين العربي والإسلامي؟
حسام تمام: للأسف ستكون سلبية، بمعنى أنه رغم الرفض التام للمبادرة، وفي اعتقادي أنها تعبِّـر عن شيء سلبي كبير، لأنه يتحرك في الغرب وفي سويسرا، لكنني أتصور أن الاهتمام وردود الفعل والتداعيات في العالم الإسلامي ستكون بحجم رمزية الفعل وليس بتأثيره الحقيقي على حقوق المسلمين أو ما يتعلق بوجودهم في الغرب، بمعنى أنه لن تمر الأزمة باعتبارها مجرد منع لمئذنة وأن هذا لا يمس الحقوق الأساسية ولا يمس فكرة حقوق العقيدة والتعبّـد، لكن سيتم التأثر برمزية المبادرة ورمزية المنع، أكثر مما ينبغي.
يخشى البعض هنا من احتمال تعرض المصالح السويسرية للخطر في العالم العربي والإسلامي إذا ما وافق الناخبون على المبادرة. هل تشاطر هذه المخاوف؟
حسام تمام: أنا أتوقع أنه إذا تم إقرار المبادرة وعلى غرار ما يجري (أي مثلما كانت المبادرة نوعا من التوظيف السياسي لحزب الشعب السويسري أو الاتحاد الديمقراطي الفدرالي، وأنها كانت جزءً من إعادة تموضعه سياسيا، وبناء إستراتيجية للحضور السياسي أكثر منه موقف ديني)، فأتصور أيضا في المقابل هناك من يمكن أن يوظف الإستفتاء على المبادرة توظيفات سياسية واقتصادية، يعني أن المقاطعة الاقتصادية في العالم العربي والإسلامي، لا يمكن السيطرة عليها أو التنبُّؤ بها وبمسارها ويمكن أن تأخذ طابعا شعبيا، بالنظر إلى طبيعة إدارة هذه المقاطعات.
يعني هي تبتدئ كحملات أيضا على الفيس بوك والإنترنت والمجموعات البريدية وفي التجمعات الجماهيرية وبعض القنوات الدينية والسياسية، فتتحول أيضا إلى حالة غير مسيطر عليها، قد لا تعبر بالضرورة عن رأي أو توجهات القوى السياسية والإسلامية الكبرى في الشارع العربي والإسلامي، لكنه في نفس الوقت لا يمكن التحكم فيها، وهذه هي المشكلة، أنه إذا ما تم – وهذا ما لا أتمناه – الإقرار، ففكرة التحكم في مسار النقاش وأبعاده وما قد ينتهي إليه رد الفعل العربي والإسلامي، صعب وليس مستبعدا منه فكرة انطلاق حملات للمقاطعة الاقتصادية.