حسام تمام: انتهي عصر التنظيمات الكبري.. والمجموعات الصغيرة ستعامل " القاعدة " بندية(هيسبريس المغربية)
واقع مجموعات العنف "الجهادي" في مصر،وإلي أين انتهت ؟ سؤال أصبح مطروحاً بقوة بعد الملاحقات الشرسة التي تعرضت لها الجماعات التقليدية حتي انتهت إلي قيادات مخترقة أمنياً ومعزولة عن قاعدتها التنظيمية التي تحولت هي الأخري إلي فلول "مفرج عنها حديثاً"، ورغم ذلك لم تتوقف العمليات في مصر خلال السنوات الأخيرة التي شهدت 7 هجمات منذ تفجيرات طابا عام 2004 كان آخرها ما وقع في الحسين، وإن ظلت الأطراف المسئولة عنها غامضة، تحدثنا إلي حسام تمام- الخبير في شئون الحركات الإسلامية- حول دلالات الحدث والتحولات التي طرأت علي جماعات العنف الديني في مصر.
كيف يمكن قراءة واقعة تفجير ميدان الحسين؟
لا أميل إلى فكرة تقديم قراءة كاملة محكمة للواقعة خاصة وأن المعطيات غير كاملة حتى اللحظة، وأفضل أن نقدم مفاتيح وإضاءات للقراءة يمكن أن تساهم في رسم صورة أقرب للحقيقة..وأول ما نتوقف عنده الاستبعاد التام لأي دور للجماعات والتنظيمات الإسلامية التقليدية حتى التي كان لها تجربة سابقة في العنف وتحديدا الجماعة الإسلامية وما تبقي من تنظيم الجهاد المصري، والسبب ليس فقط البيانات الجازمة لهذه الجماعات والتنظيمات التي تدين العملية وتؤكد الالتزام بالمراجعات ووقف العنف، أو حتى الطبيعة البدائية للعملية التي تؤكد أن من قام أو قاموا بها ليس لهم خبرة ولا يتمتعون بالكفاءة أو الاستعداد، وإنما لأن الواقع يقول أن هذه الجماعات والتنظيمات تجاوزت العنف ليس فقط من حيث القناعة والاعتقاد بل ومن حيث القدرة والإمكانية وأنها لا يمكن أن تعود كجماعات للعنف حتى مع انسداد الوضع السياسي في البلاد.
نرصد أيضا أن التفجيرات تبدو امتدادا لنمط من العمليات شهدته البلاد في السنوات الأخيرة الملمح الأساس أن الفاعل مجموعة صغيرة من الأفراد لا ترقى إلا أن تمثل تنظيما له هيكلته وبنيته وتصوره وتراتبيته وما ينظم عمله وتوجهه..هي مجموعات صغيرة يجمعها الروح الجهادية الاحتجاجية أو الانتحارية بتعبير أدق والتي تمارس عملا عنفيا احتجاجيا من دون مطالب محددة..عنف يقصد إيقاع أكبر ضرر بالجهة المتوجه ضدها ( الدولة في حالتنا ) لا لهدف أو مطلب إلا " الإيلام" أو "الإثخان" فيها بالتعبير المعروف.
يمكن أن نقول كذلك أنه ليس من المهم كثيرا في هذا النمط من العمليات محاولة حصر أسبابها أو تحديدها..فهي لن تعدم سببا..هناك الاتهامات التقليدية للنظام بالحرب على الإسلام أو اضطهاد المتدينين أو العمالة لأمريكا أو الفساد ونهب الشعب..وأحيانا "كفر" الدولة نفسها!..لكن يبدو أنه من المهم هذه المرة التوقف عند أسباب تبدو جديدة..ربما بعضها يتصل بموقف النظام من الحرب الإسرائيلية على غزة والذي بدا فيه متواطئا أو شريكا في العدوان وفق خصومه وتيارات عريضة في الشارع المصري والعربي، ولكن الجديد في نظري أن ثمة رائحة مذهبية في التفجير قد تبدو من بعض المعطيات..المعلومات المتعلقة بالتحقيق لوقت حديثنا هذا غير كاملة..لكن يبدو أن هناك استهدافا للمشهد الحسيني على خلفية الاحتقان المذهبي وموجة العداء للشيعة والتشيع بفعل تأثيرات سلفية صارت حاضرة ومؤثرة في المشهد الديني بمصر يزيدها ما يبدو رغبة شيعية في الحضور واستفزاز الطبيعة السنية لمصر بل والطعن في حقيقتها استنادا على خلفية وجود تاريخي للدولة الفاطمية الشيعية.
هل ترجح أن يكون تنظيم سلفي وراء التفجير؟
- أنا لا أتكلم عن تنظيم سلفي ..قلت أن فكرة التنظيم هذه مستبعدة بالمرة فضلا عن أن يكون تنظيما سلفيا.. ليس هناك تنظيم سلفي في مصر بالمعني الدقيق للكلمة ..السلفية دائما محل متابعة مدققة وتحت ضغط أمني لا يسمح لها بتأسيس تنظيم ..وهناك دائما ما يمكن اعتباره ضربات استباقية وإجهاض مبكر لأي ميلاد محتمل لهذا التنظيم.. كما أن فكرة التنظيم نفسها صارت خطا أحمر لا يفضل السلفيون تجاوزه إذا كانوا راغبين في مجرد البقاء وليس الدعوة لأفكارهم!..لو صح تقديري أن هناك أسبابا مذهبية فإن السلفية التي أتكلم عنها هي مزاج أو حالة سلفية قد لا ينتمي أصحابها إلى التيارات السلفية الموجودة في الساحة.. السلفية –بنظري- مزاج ونمط تفكير وذهنية متجاوزة ليس للتنظيم فقط بل وللتيار..ونحن لدينا الآن مزاج سلفي يخترق الحالة الدينية بقوة..ولو صح تقديري فإن من فعلها ليس سلفيا بالمعني المعروف بقدر ما هو متأثر بالحالة السلفية.
مزاج العداء للشيعة وللتشيع صار واضحا كما لم يعد قاصرا على المنتمين للتيار السلفي..ثم إن التفاعلات السياسية والدينية الأخيرة في مصر والعالم العربي تعزز هذه الروح..نتكلم عن حديث مستمر حول البعث الشيعي والمد الشيعي..في سورية واليمن والسودان والمغرب والجزائر..وفي مصر هناك حديث عن مد شيعي وحالات تشيع ومطالب شيعية بل وحسينيات شيعية ..بل صرنا نسمع عن شخصيات وجمعيات بل وصحف مدعومة لنشر التشيع..هناك تقارير تكلمت عما يسمي بالمال الشيعي في الصحافة المصرية وهي تستدل ببعض الكتابات والملفات الصحفية التي انتقدت الصحابة وأم المؤمنين عائشة وانحازت لأفكار وتصورات شيعية..أيا ما كانت دقة ذلك أو حجم المبالغة فيه فقد خلق روحا عدائية ضد الشيعة والتشيع وما له صلة بهما...هذه العدائية ربما استمدت الجزء الأكبر من التيار السلفي ودعاته..لكنها في النهاية تجاوزته لتصبح حالة أو ظاهرة..خاصة بعدما جرى في العراق من مذابح طائفية لأهل السنة قامت بها ميليشيات شيعية ..ثم اقتحام ميليشيات حزب الله لبيروت السنية والسيطرة عليها ..
وما صلة ذلك بتفجير ميدان الحسين وهو في النهاية مكان سياحي لا يوجد به شيعة، كما أن كل الضحايا والمستهدفين سياح أجانب ليس فيهم شيعي واحد؟
رغم أن ميدان الحسين هو مكان سياحي لكن أتصور أنه يبدو الأنسب لعملية كهذه إن صح ما أذهب إليه من وجود دوافع مذهبية..ضريح الحسين ومشهده ومشاهد آل البيت التي تنتشر في الأزقة المجاورة له ولا تبعد عنه إلا مسافات بسيطة هي مقصد معروف للشيعة باختلاف طوائفهم..ستجد حضورا كبيرا للزوار الشيعة..وستجد أيضا حضورا كبيرا لطائفة البهرة الإسماعيلية التي تتردد على مسجد العزيز بالله الفاطمي في نفس المنطقة..هناك تجمع سكني كبير وفخم لهم قريب من الحسين..يمكن رصد حركتهم وتجمعاتهم بسهولة في الحي.. هذا واضح للعيان في ملابسهم وأشكالهم خاصة أن غالبيتهم غير مصري..ومشهدهم يبدو بالنسبة لذوي المزاج السلفي مستفزا وأقرب إلى حملة منظمة لتغيير عقيدة المصريين السنة..ولا ننس أن سيدنا الحسين هو رمز الشيعة وعنوان مشروعهم ..ومعظم التعلق الشيعي بمصر له أسباب باحتضانها لمقام الحسين..وأذكر أنه وقبل أسابيع كانت هناك معركة كبيرة حول تغيير لون كسوة مقام سيدنا الحسين من الأخضر الذي ظل تاريخيا لون كسوة المقام إلى الأسود وهو لون الشيعة ورمزهم وهو ما اعتبره البعض تجسيدا للنفوذ الشيعي..لقد كانت معركة ساخنة اضطر معها وزير الأوقاف للتدخل ونفي ذلك !..هذه الرمزية للمكان..وهذا الواقع الجديد ..إذا أضفنا إليه ما يراه البعض من إهانة تتمثل في تحويل هذا المكان إلى قبلة للسياح الأجانب بما تحمله السياحة من دلالات سلبية في الوعي السلفي والديني المحافظ عموما تحيل إلى الخروج على الأخلاق والدين..يمكن أن يعزز ذلك كله القول بأنه المكان الملائم لتفجير يجمع الدوافع المذهبية إلى جانب الأسباب التقليدية..
أما كون أن كل الضحايا أجانب وسياح ولا شيعة فيهم فلا أهمية له..فهذا النمط من العمليات كما قلت هو احتجاجي عشوائي أقرب للفعل الانتحاري.. ولا مطالب له..فقط الضرب والإيلام في مكان له رمزية!
إذن أنت ترجح أن يكون تفجير ميدان الحسين امتدادا لمجموعة عمليات "بشندي" وشركاه التي شهدناها من قبل ولكن بنكهة مذهبية؟
بالطبع..وأتصور أن هذا النمط هو الذي سيسود في الفترة القادمة..وإذا كان هناك عنف "إسلامي" في المستقبل فلن تقوم بها تنظيمات كبري ..بل مجموعات صغيرة مثل التي نتكلم عنها..بشندي وإخوانه!...مع تنويعات لأسباب كل مجموعة أو دوافعها أو المؤثرات التي غلبت عليها..لكن الملمح الأهم هو تجاوز أنها لا تنتمي إلى عنف التنظيمات..كما أنه عنف غير سياسي.
ربما يبدو مفهوما أنه ليس العنف التنظيمي..لكن كيف أنه ليس عنفا سياسيا؟
هو عنف غير سياسي بعدة معان..أولها أن من قاموا به ليسوا كيانا سياسيا ولو بدائي، وليس لهم مطالب سياسية، بل وليس لهم أي تصور سياسي ..ليس لهم تصور لفكرة الدولة أو التغيير أو حتى العالم..نحن لسنا بإزاء جماعات لها رؤى ولو كانت طوباوية للعالم..هذا عنف منزوع السياسة..وعموما أنا أميل إلى أن العنف القادم في مصر لن يكون على أرضية سياسية أو لمطلب سياسي ولن يمارسه السياسيون.ليس هناك تنظيمات يمكن أن يكون أجندتها في العمل المسلح إقامة دولة وفق تصور مختلف عن الواقع الحالي.. تصور إسلامي أو غير إسلامي..القوى السياسية بكل أطيافها والإسلامية بشكل خاص تجاوزت العنف عن قناعة أحيانا ولعدم الإمكانية في أغلب الأحيان..العنف القادم في مصر سيكون عنفا اجتماعيا حتى ولو اكتسي ثيابا إسلامية..المحرض فيه مطلب أو معاناة اجتماعية وليس تصور أو طموح سياسي!\
طيب وما الأسباب والظروف الموضوعية التي أفرزت هذه الظاهرة؟
نحن بإزاء تغير جذري في الحالة الإسلامية المصرية انتقل فيها التدين من الإطار الجماعي إلى الفردية..هذا سبق وأن كتبت عنه قبل عامين.. لقد تراجع دور التنظيم أو المؤسسة في الفعل والتوجيه الديني في السنوات الأخيرة في مصر. فالحالة الإسلامية مع الإقرار باستمرار فاعليتها ونشاطها، تغيرت تمامًا فيما يشبه الانقلاب، حيث لم يَعُد القوة الأولى فيها التنظيمات أو الجماعات (المؤسسة) وإنما تحولت باتجاه دور أقوى وتنام للفردانية أو النموذج الفردي في التدين...لقد تراجع تأثير الحركات والتنظيمات الإسلامية التي كانت تحتكر المشهد الإسلامي قبل هذا الوقت.
مثلا لو رجعنا تاريخيا يمكن أن نقول أنه وقبل عشرين سنة مثلا لم يكن بإمكان الشاب المتدين أو الساعي للتدين أن يدخل في التدين إلا بعد أن يمر عبر بوابة التنظيم الإسلامي؛ أيًّا كان توجه هذه التنظيم وأفكاره، وكان يندر أن يلتزم شاب (وحده) ومن دون جماعة أو تنظيم إسلامي، سواء أكان التزاما سلميًّا (كالإخوان المسلمين) أو جهاديًّا (كالجماعة والجهاد)، بل كان الانتماء لتنظيم والعمل فيه أحد أهم أركان التدين والعمل الإسلامي.
فيما مضى كانت "التنظيمية" هي أهم سمات العلاقة بين الناشطين والمتدينين الإسلاميين الذين كان لا بد أن يؤطروا في بنية تنظيمية معينة. لذا فقد ظلت الجماعات والتنظيمات الإسلامية تتسيد المشهد الديني وتتحكم في مساره طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات وحتى النصف الثاني من التسعينيات.
تغير المشهد الديني في مصر وبرزت أنماط التدين الفردي الذي لا يتطلب الارتباط بعلاقة مؤسسية من أجل الدخول في تجربة الالتزام الديني، بل يقوم على التعامل المباشر مع ما يمكن تسميته "سوق العرض الديني" الذي أصبح متعددًا ومتاحًا، دون فرض نموذج بعينه أو إعطائه صفة إلزامية.
وفي حالتنا هذه يمكن لهذه المجموعات الصغيرة أن تتعامل بسهولة وحرية مع الأفكار الدينية المتشددة وتختار منها ما يناسبها وتنفذها فعليا دون الارتباط بتنظيم..يكفيها وجود الإنترنت..الذي صار لدي الكثيرين شيخا وإماما وتنظيما!
إذن كيف تعمل هذه المجموعات الصغيرة وتنظم نفسها ومن أين تستمد أفكارها وتحصل على التمويل؟
كما قلت ..يمكن لأي من أعضاء هذه المجموعات أن يدخل في تجربة التزام ديني ويعيشها كاملة دون ارتباط مباشر بواحد من التنظيمات الإسلامية التاريخية أو المهمة ولو كان تنظيم القاعدة. بل صار واردًا ألا يحتاج إليها أو يرتبط بها يومًا ما في حياته، وهو لن يفتقد الزاد الديني أو الأيديولوجي اللازم لتأطيره في ظل التدفق الهائل للعرض الديني من المعلومات والأفكار والذي تتيحه له ثورة المعلومات وتطور وسائل الاتصال خاصة الإنترنت الذي لا يخضع لقيود، وتنوعها بشكل مذهل يسمح بالحصول على الأفكار التي تناسبه وتقترب منه...أما طبيعة هذه العمليات فلا تستلزم تمويلا ولا إعداد عسكريا بالمعني المتعارف عليه..تكاليفها بسيطة جدا ومكوناتها متاحة من أي صيدلية ..كما أن طريقة إعدادها يمكن الحصول عليها من الإنترنت.
ولكن هل ترجح وجود صلات بين هذه المجموعات أم أنها تعمل بشكل منفصل تماما؟
لا أتصور وجود صلات تنظيمية بينها..هي أضعف من بناء تنظيم..والعلاقة بين أعضاء هذه المجموعات لا يمكن اعتبارها علاقة تنظيمية..هي مجموعات ليس فيها هيكلة..ليس فيها مسئوليات وتراتبية..ولو وجدت فهي من نمط بسيط..الأغلب هو صلات القرابة أو الجوار أو الزمالة أو الصداقة..الصلات الاجتماعية الطبيعية وليس الصلات التنظيمية.
وما حجم الدور الإعلامي والتنظيمي الذي تقوم به شبكة الانترنت في عمل التنظيمات السلفية الجهادية بشكل عام؟ وكيف تستفيد منها الخلايا الصغيرة منقطعة الصلات بالتنظيمات الكبرى؟
أنا أفضل تسميتها مجموعات وليس خلايا.. مصطلح الخلايا له ارتباط وثيق بفكرة التنظيم المحكم في بنيته ووظيفته....لكن وبشكل عام هناك دور متعاظم للإنترنت في عمل السلفية الجهادية..على مستوي التنظيم ربما كان الدور محدود..لكن الأقوى هو على مستوي خلق الحالة الجهادية وبثها واجتذاب مؤدين وأنصار لها..لكنني لا أميل إلى المبالغة في الربط العضوي بين هذه المجموعات وبين تنظيم مثل القاعدة..مثلما تعرف السلفية الجهادية أهمية الشبكة في نشر الحالة الجهادية..فهي تعي أيضا خطورتها في اصطيادها واختراقها..نسبة الأمن تقريبا منعدمة في العمل التنظيمي عبر الشبكة..لا قيادات القاعدة بإمكانها الثقة في ذلك..ولا المجموعات الصغيرة يمكن أن تبقي طويلا بعيدة عن الوقوع في فخ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية إذا ما لجأت لمحاولة الاتصال بتنظيمات أو شخصيات محسوبة علي القاعدة...أكثر من ذلك أنا أذهب إلى أن علاقة تنظيمات جهادية محسوبة علي القاعدة مثل جيش شباب المجاهدين في الصومال بتنظيم القاعدة لا تعدو التقدير واستلهام التجربة والفكرة ..وهي لا ترقي إلى العلاقة التنظيمية..فضلا عن أن نتكلم عن علاقة مجموعات صغيرة كما في حالتنا بالقاعدة.
وكيف ترى موقف القاعدة وفروعها الإقليمية من عمليات كهذه؟ تستفيد منها بوصفها زخماً يرسخ "الحالة"؟ أم ترفضها كمبادرات فردية غير مأمونة العواقب من أطراف غامضة ؟
لا أتصور أن القاعدة لا ترفض أي مبادرة تغذي الحالة الجهادية..ليس هناك ما تخشي القاعدة منه في حال ادعاء مجموعات جهادية الصلة بها..ليس لها مشروع سياسي محدد تحافظ عليه وتضبط مساره وتتحكم بخطواته..وليس لها صورة إعلامية تروج لها وتدافع عنها...وإن وجد ذلك فهو بقدر محدود ويكون موجها في الغالب لجمهورها وليس للرأي العام..تماما كما في مسألة الشيعة وما ارتكبه أبو مصعب الزرقاوي بحقهم من مجازر في العراق..حرص القاعدة لاحقا على تصحيح صورتها وتوضيح موقفها الرافض للقتل العشوائي للشيعة كان له صلة بالتساؤلات الشرعية التي طرحها جمهورها وخزانها البشري من السلفية الجهادية وليس انتقادات الرأي العام ووسائل الإعلام..وفي حالة مثل مصر التي صارت مستعصية أمنيا فالأرجح أن القاعدة لن ترفض يدا تمتد إليها بعملية يمكن أن تسجل لها نقطة في مباراة الصراع مع النظام المصري.
إذن هل نشهد نهاية عصر التنظيمات الكبرى و وتفككها إلى مجموعات صغيرة أو "خلايا بير السلم" أم أن التنظيمات الكبرى كالقاعدة باتت تعمل بنظام "الفرانشايز" وتمنح تراخيص ممارسة "جهادية" لوكلاء محليين؟
هذا بالضبط التوصيف المناسب..والمستقبل يمكن أن يضيف فاصلا جديدا تتجاوز فيه المجموعات الصغيرة هذه المنحة أو الوكالة...وتتحرك منفردة دون ارتباط أو إعلان ولاء أو انتماء..طبيعة السلفية الحركية والجهادية منها بوجه خاص طبيعة انقسامية..تحمل داخلها فيروس التشظي..ومن ثم بإمكانها ممارسة الانقسام إلى ما لا نهاية...ولا يستبعد أن تأتي مجموعات صغيرة تتعامل مع القاعدة بندية ..وترى أن قادة القاعدة رجال وهم رجال!.