فتحي يكن ..والتساقط على طريق الدعوة!
باحث مصري في الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
من يعرف تاريخ الحركة الإسلامية لابد أن يتوقف كثيرا أمام شخصية هذا الرجل وأفكاره. ومن يدرس حياته وما انتهى إليه موقعه السياسي ستتأكد له سنة من سنن الله في الحركة الإسلامية تقضي بأن كل من كان متشددا في أفكاره عنيفا في خصومته مع المختلفين فيها ومعها كان الأقرب إلي الزلل والوقوع فيما كان يأخذه علي مخالفيه بل والخروج علي الحركة نفسها بعدما كان سيفا مشرعا ضد كل من توجه إليه هذه التهمة حتى ولم تثبت بحقه!
الأستاذ فتحي محمد عناية أو فتحي يكن ( نسبة إلي جده لأمه ) أشهر رموز الحركة الإسلامية في لبنان وربما العالم الإسلامي في العقود الخمس الأخيرة، ولد في التاسع من فبراير عام 1933، وكان من الرعيل الأول بين مؤسسي الحركة الإسلامية في لبنان، والتي نشأت في عقد الخمسينيات متأثرة بجهود الإخوان السوريين وعلى رأسهم الشيخ مصطفي السباعي. وكان أول مستشار – أمير - للجماعة الإسلامية في لبنان الفرع القطري لتنظيم الإخوان المسلمين.
ورغم أنه جمع بين الفكر والحركة فقد غلبت علي الأستاذ فتحي يكن النزعة الفكرية على العمل الحركي، خاصة بعدما حصل علي الدكتوراه في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وتطور الحال بعد ذلك فأسس مع زوجته جامعة إسلامية خاصة ( جامعة الجنان في طرابلس )، وزوجته هي ابنة خاله الداعية الأستاذة مني حداد يكن. وهي من القليلات بين نساء الحركة اللاتي عرفن بجهدهن الفكري والدعوي.. وله منها أربع بنات وولد.
وتعد كتابات فتحي يكن في الدعوة والحركة من أهم ما شكل عقل ووعي الحركة الإسلامية في العقود الثلاث الأخيرة ليس في لبنان وحدها بل وفي معظم أنحاء العالم الإسلامي وخارجه أيضا، وساعد علي ذلك أن كثيرا مما كتبه كانت الحركة تدرسه في أطرها التنظيمية والتربوية الخاصة فضلا عن توسعها في نشره في فضاء الدعوة العام.
للأستاذ فتحي يكن كتب كثيرة معروفة مثل: مشكلات الدعوة والداعية، وكيف ندعو إلى الإسلام؟، ونحو حركة إسلامية عالمية واحدة، وحركات ومذاهب في ميزان الإسلام، ونحو صحوة إسلامية في مستوى العصر، والمناهج التغييرية الإسلامية خلال القرن العشرين، والشباب والتغيير، و الموسوعة الحركية ....لكن كل من انتسب للحركة أو درس تاريخها سيتوقف كثيرا أمام بعض كتبه التي تحمل بصمات منهجه ومنها: الإسلام فكرة وحركة وانقلاب، وأبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، وقطوف شائكة من حقل التجارب الإسلامية و المتساقطون على طريق الدعوة وماذا يعني انتمائي للإسلام.
في هذه الكتب تبدو روح الشهيد سيد قطب أوضح ما تكون، ويتجلى صدى أفكاره التي تدعو الحركة الإسلامية إلي القطع مع تصورات مجتمعاتها والانقلاب عليها في الروح والتصور والسلوك، كما تشرح متون قطب التي تتبنى المفاصلة مع الخصوم والاستعلاء عليهم بالإيمان بما يؤسس لعزلة الحركة الإسلامية عن مجتمعها.
في السبعينيات من القرن الفائت وفي فورة الصحوة الإسلامية كان الأستاذ فتحي يكن ينشر في مجلة الدعوة لسان حال الإخوان المسلمين في مصر سلسلة متصلة من المقالات تحمل عنوان ( ماذا يعني انتمائي للإسلام ) طبعت بعد ذلك مرات عديدة في كتاب يحمل العنوان نفسه، وكان له أثر سلبي على الحركة مازالت تحتاج إلي عقود أخرى حتى تمحوه وتتعافى منه. فقد كان هذا الكتاب تحديدا من أسوأ ما أنتجته أدبيات الحركة الإسلامية في نزعتها للتوحد مع الإسلام وعدم التمييز بين الإسلام كدين وبين رؤيتها الخاصة واجتهادها البشري في فهمه. ومن ثم كان مسئولا عن موقف التشدد حد التكفير غير الصريح لكل من يختلف معها. فوفق ما كتبه الأستاذ يكن لم يكن هناك فارق بين "ماذا يعني انتمائي للإسلام" و"ماذا يعني انتمائي للإخوان"؟
كان الأستاذ فتحي يكن قاسيا في موقفه ليس من خصوم الحركة فقط بل ومن المختلفين معها أو حتى داخلها، وأزعم أنه كان مسئولا بكتاباته عن ضيق صدر الحركة الإسلامية تجاه الاختلاف والتعددية عموما. وكانت كتاباته ( خاصة كتابه : المتساقطون علي طريق الدعوة ) تمتلئ قسوة وعنفا فكريا مع كل من يختلف مع الحركة، وتنضح سخرية وشماتة ممن انتهت علاقتهم بالحركة حتى ولو بسبب خلافات مشروعة أو اختلافات في وجهات النظر.. لم يكن الأستاذ فتحي يؤمن بالاختلاف في الحركة أو حولها، كانت الحركة عنده شعب الله المختار..وكان يصف كل من يختلف معها ب"المتساقطون"!
ورغم أنه عمّر طويلا في قيادة الحركة في لبنان – الجماعة الإسلامية- إلا أنه لم يمكث حتى غادرها إثر خلافات تنظيمية. ليس لدى معطيات كاملة عن تفصيلات الخلاف داخل الجماعة الإسلامية والتي انتهت به خارجها، وإن كان المؤكد لدي أن الأمر يتعلق بموقفه من الشورى التي يراها غير ملزمة ومن ثم فلا يلتزم بها خاصة وأنه ربما كان يرى نفسه أكبر من الشورى أو أن الجماعة تتجلى فيه. ولا أريد أن أتوقف عند أمور تنظيمية ربما صارت من أسرار الجماعة وأسرار الأستاذ يكن نفسه..ليس هذا المشكل الآن وإنما المشكل في أن الأستاذ فتحي يكن حين غادر الحركة الإسلامية لم يغادر منهجه في التعامل مع الخصوم والمختلفين والذي يقوم على تجريدهم من أي أساس للشرعية.
فمنذ أن غادر الأستاذ فتحي يكن موقع المسؤولية في الجماعة عام 1993 وهو يتبنى مواقف سياسية لا تتموقع إلا في الخط السياسي المضاد لجماعته حتى ولو كان في موقفها الصواب الذي يرتجي للحركة الإسلامية ولأهل السنة والجماعة ولعموم لبنان.
لن أقف أمام مواقفه السياسية التي يناوئ فيها جماعته من مثل ترشحه أو دعمه لمرشحين ينافسونها في الانتخابات البرلمانية مثلما فعل حين قرّرت الجماعة مطلع عام 2005 مقاطعة الانتخابات، فأعلن حرمة ذلك شرعاً، ودعم ترشيح أحد أقربائه بطرابلس ..فهذا مما قد يفسر أو يؤول. ولكن ما يستحق التوقف عنده هو موقفه الأخير الذي انحاز فيه صراحة ورمي بتاريخه الحركي والدعوي وراء مجموعة 8 آذار أو التحالف الشيعي الموالي لسوريا وإيران.
كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري أكبر ضربة نالها السنة في لبنان، وكان من آثارها العكسية انسحاب سوريا اضطرارا من لبنان بعدما اشتد رفض الشارع اللبناني لها..لقد صار التحالف السوري الإيراني لأول مرة معزولا تماما عن المحيط السني اللبناني. فجاء الأستاذ يكن ليؤسس في مايو الماضي ما سمّي بـ "جبهة العمل الإسلامي" وهو تحالف يضم كل الموالين للنظام السوري، ليصبح جزءاً من التحالف لإيراني السوري على الساحة اللبنانية، بالضد للتوجهات السنية التي اجتمعت على رفض تمكين هذا التحالف من إكمال السيطرة علي لبنان كساحة إضافية مع العراق في إدارة معاركها وصراعاتها.
يقبل الأستاذ فتحي يكن أن يكون محللا سنيا للتحالف الإيراني السوري ( مع أن العلاقة صارت استلحاقا إيرانيا للنظام السوري وليست تحالفا معه) ويسمح باستعماله كرمز إسلامي سني بفضل سابقته في تأسيس الجماعة الإسلامية، من أجل تسويق هذا التحالف وتعويم مواقفه في الشارع الإسلامي السني..وهو يفعل ذلك متعمدا أن يغطي علي خلافاته مع جماعته أبرز تنظيمات الحركة الإسلامية السنية في لبنان..وهو يأتي من مقره في طرابلس إلي ساحة الشهداء في بيروت لإمامة الصلاة المشتركة بين الشيعة والسنة معمّيا علي حقيقة الموقف من أن هناك انقسام وفرز طائفي حقيقي تعيشه لبنان أن هناك تحالفا من المعارضة الشيعية مع إيران وسوريا يروم ليس مجرد إيقاف المحاكمة الدولية لقتلة الحريري فحسب بل وتحويل لبنان إلي فناء خلفي لهذا التحالف. وليته كان تحالفا حقيقيا يقود الأمة في مواجهة المشروع الإمبريالي الأمريكي وإنما هو مشروع براجماتي انتهازي طائفي لا يرى أبعد من ذاته، وهو على استعداد دائما لأن يقايض بالأمة كلها في سبيل مصالحه الخاصة وما العراق وما يجري فيه عنّا ببعيد.