في فهم ما جري من ميليشيا طلاب الأخوان
باحث مصري مختص في شئون الحركات الإسلامية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
منذ تفجرت قضية تظاهر طلاب الإخوان في زي ميليشا عسكرية والجدل لا ينقطع: هل عاد الإخوان إلي ثقافة النظام الخاص واعتماد مبدأ العنف؟ وهل يمكن أن تكون هذه الصورة "المليشياوية" العسكرية قمة جبل الجليد الذي يخفي وراءه تكوينا عسكريا موجود بالفعل أو في طور التكوين؟ وأين تقع هذه الصورة في المشهد الإخواني الذي كان قد استقر أو أوشك عند "الجماعة المؤمنة بالعمل السلمي والتعبير والتغيير الديمقراطي"؟ وهل يمكن أن نشهد في الفترة القادمة وجودا لميليشيا إخوانية تبدأ حركتها في الجامعة ولا تنتهي عند حدود أسوارها؟..لقد انفتح الباب علي قضايا كنّا نحسبها حسمت بعدما قتلت نقاشا وبحثا فإذا بالصورة تعيدنا من جديد إلي السؤال: هل عاد الإخوان إلي العنف أم أنها لقطة من خارج الكادر؟
مبدئيا أميل إلي فكرة أن ما جري تم بشكل عفوي غير مخطط له مسبقا ليس علي مستوي قيادة الجماعة فحسب بل ولا حتى علي مستوي قيادة العمل الطلابي. وهو أقرب إلي أن يمثل تعبيرا عن اندفاعة شبابية وقفزة علي السياق ربما تأتي كرد فعل علي ما جري في الأسابيع الأخيرة من اعتداء بعض البلطجية في صورة طلاب علي أعضاء ما صار يعرف بالاتحاد الحر أو الاتحاد الموازي الذي أقامه طلاب الإخوان في موازاة الاتحاد الرسمي الذي قالوا أنه جاء نتيجة عملية تزوير واسعة استبعد علي إثرها كل الطلاب المعارضين وخاصة من الإخوان.
وأتصور أن ما جرى سيحدث رد فعل سلبي لدي قادة الجماعة علي ما جري، وربما ستبدأ نوعا من المحاسبة خاصة في ضوء ما جره وسيجره هذا السلوك من حملة نقد وهجوم عنيف علي الجماعة وإضرار بما أنجزته الجماعة في تحسين صورتها في قضايا مثل القبول بالديمقراطية والعمل السلمي.
وأتصور أنه من المستبعد تماما أن يكون ما جري من مظاهرات أخذت طابعا عسكريا مؤشرا علي تحول أو توجه جديد داخل الجماعة أو حتى لدي قطاع الطلبة فيها نحو استخدام العنف أو السماح به.
فالواضح الذي صار مستقرا لكل متابع أو مختص في دراسة الحالة الإسلامية أن جماعة الإخوان حسمت علي المستوي الاستراتيجي في قضية المنهج وقطعت مع موضوع العنف، حدث هذا علي المستوي النظري منذ قبول الإخوان الدخول في العملية السياسية السلمية تحت مظلة حزب الوفد عام 1984 ثم بالتحالف مع حزبي العمل والأحرار عام 1987..وما تواتر من وقتها إلي يوم الناس هذا من خطاب إخواني يعلن ويؤكد علي نبذ العنف والتزام الأساليب السلمية في العمل السياسي وفي إدارة العلاقة مع الفرقاء السياسيين؛ وهو تواتر نستبعد معه فكرة التقية والعنف المؤجل خاصة مع استقرار الالتزام المعلن به وعلي امتداد مدى زمني ليس قصيرا.
وإذا كان قد جري تجاوز الإخوان للعنف واقعيا من حيث عدم ثبوت أي قضية عنف بحقهم وعدم توجيه لهم اتهامات جدية في هذا الصدد؛ فإن الأهم من ذلك هو أنه قد جري تجاوز الإخوان لقضية العنف علي مستوي الإمكانية أيضا. فالجماعة صارت جزءا من النسيج الاجتماعي المصري؛ وأصبح معظم أعضائها مندمجين بل وأحيانا مميزين اجتماعيا بما يستبعد معه تبني التنظيم لأي فكر انقلابي يتبني العنف طريقة للتغيير...فالقطاع الأكبر من بنية تنظيم الإخوان ينتمي إلي الطبقة الوسطي والصاعدة، وهو ما يؤكد علي صعوبة تبني التنظيم لأيدلوجية انقلابية عنفية حتى ولو كانت حاضرة فعلا لدي قطاعات منه كما هو الحال لدي بعض تلاميذ المدرسة القطبية وامتداداتها الفكرية داخل التنظيم.
لكي ندرك ما سبق يجب العودة إلي طبيعة النشاطات الطلابية الإخوانية في السنوات الأخيرة إلي لحظتنا هذه التي تحركت فيها مظاهرات طلاب الإخوان في صورة ميليشيا عسكرية.
فالواقع يقول أن الفاعليات الطلابية الإخوانية تراجعت في السنوات الأخيرة في موضوعاتها ومظاهرها إلي الحد الأدني فلم تصل إلي ما كانت عليه في أوج قوتها في عقدي السبعينيات أو الثمانينيات..بل ولم ترق إلي ما حدث في المظاهرات الطلابية ضد حرب التحالف الدولي علي العراق بعد غزوه الكويت..وظلت الحركة الطلابية الأخوانية دون السقف في أحداث كانت تستدعي فيما قبل ردا طلابيا يخرق السقف كما هو الحال في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وإلي وقت اندلاع مظاهرات الإصلاح التي بدأت في ربيع العام الماضي 2005 والتي عرفت بربيع القاهرة..كان أهم ما قام به طلاب جامعة الإسكندرية – علي سبيل المثال- تظاهرة احتجاجية تتبني مطالب أخلاقية ضد الفيديو كليب أو العري كليب بتعبير لافتات التظاهرة..أما نظراؤهم في جامعة القاهرة فكان أهم نشاطاتهم للعام الجامعي تنظيم يوم الحب الإسلامي أو محمد داي الذي يمثل أسلمة لعيد الحب ( فاللانتاين داي)!..وأتصور أنه لولا دخول الجماعة مباشرة لأسباب مختلفة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح ما اهتمت الحركة الطلابية الإخوانية أو اضطرت لتنبي أجندة الإصلاح.
والسبب أن قضايا الاهتمام الحقيقية للحركة الطلابية الإخوانية لا تتطابق تماما مع قضايا الإصلاح الدستوري والسياسي وإن تقاطعت معها جزئيا..فالطالب الإخواني في هذه اللحظة هو ابن بيئته الشبابية غير المسيسة حتى ولو أعطاه الغخوان جرعة سياسية أكبر من نظرائه..واهتماماته الحقيقية تتصل بتكوينه من حيث كونه ابن العولمة وثقافة الاستهلاك والتكوين السياسي الخفيف أو "الدايت"..وفي حين كان مطلب التعديل الدستوري علي رأس مطالب الحركة الطلابية الإسلامية حتي بدايات عقد التسعينيات..صار أهم مطالب الحركة الطلابية الإخوانية في العام الماضي هو التصدي للفيديو كليب وما يجره من إثارة جنسية ورذائل أخلاقية!
أما إذا تكلمنا عن قطاع الطلاب في جماعة الإخوان؛ فالذي كان مستقرا قبل فترة – عقدين تقريبا- أن الحركة الطلابية كانت الأعلى صوتا والأكثر صخبا في الجماعة والوحيدة التي بإمكانها خرق الخطوط الحمراء في علاقة الجماعة بالنظام بما في ذلك ممارسة شكل من شكل العنف الذي غالبا ما يكون رمزيا أكثر منه واقعيا، وقد يتطور إلي صدامات لا تأخذ شكل مواجهات صريحة وإنما مناوشات ومماحكات محدودة وليست مواجهات مفتوحة؛ كما كان يحدث في تعدي بعض طلبة الإخوان – كانوا يعملون وقتها تحت لافتة الجماعة الإسلامية- علي قيادات من ضباط الحرس الجامعي أو أعضاء هيئة التدريس...وغالبا ما كانت تنتهي بنهاية هذه الوقائع دون أن تتحول إلي مسلسل مواجهات عبر تفاهمات بين قيادات الطلاب من الإخوان ( أو من خارج الطلاب أحيانا ) وبين القيادات المعنية في النظام.
ولكن حدثت تطورات مهمة في الحركة الطلابية الإخوانية عززت فرصة السيطرة علي الطلاب الإخوان بما يقلل من احتمالية تحولهم إلي العمل العنيف الذي يخرجهم من الخط الاستراتيجي للجماعة. كان أهمها أنها فقدت استقلاليتها التي كانت عليها والتي كانت تحمل في داخلها إمكانيات التورط في العنف.
فقد كانت الحركة الطلابية الإسلامية في حقبة السبعينيات (عرفت باسم الجماعة الإسلامية في جامعات مصر) ذاتية في انطلاقتها وهيكلتها ولم يكن لها شيوخ أو قادة من خارجها..كانت هذه الميزة من عوامل قوتها وإن أدت في بعض الأحيان إلي تورط بعض تياراتها في العنف والعمل المسلح..ولكنها ومع تخرج الجيل المؤسس وابتعاده تدريجيا عن العمل الطلابي وروحه ومناخه بدأت بعدها تفقد هذه الذاتية والاستقلالية حيث تولت أجيال جديدة مسئولية قيادة الحركة الطلابية ولكن علي طريقة ومنهج بل وأحيانا بروح الجيل المؤسس وهو ما أفقدها القدرة علي اختيار مسارات أخري غير التي خطها جيل التأسيس...ودائما ما خضعت مسارات هؤلاء المؤسسين إلي حسابات أبعد من حسابات الحركة الطلابية وخضعت لمنطق أكثر هدوءا واتزانا منها.
لقد تسارعت عملية إعادة بناء الجماعة وهيكلتها التي جرت في عقدي الثمانينيات والتسعينيات علي قدم وساق وكان من تداعياتها أن ربطت الطلاب بالتنظيم مباشرة ومن ثم ألزمته بحدوده ومدي حركته مع الإبقاء علي مساحة مرونة تستدعيها طبيعة الحركة في أوساط الشباب وما تستلزمه من ارتفاع في وتيرة العمل وتشدد في نبرة الخطاب.
لقد صار طلاب الإخوان الجدد ينتمون إلي تنظيم إسلامي يعمل داخل الجامعة وليس إلي حركة طلابية ذات توجه إسلامي؛ كما صار هناك مسئولون هن الحركة الطلابية من خارجها بل ومن خارج الجامعة وصارت الحركة الطلابية تدار من غير الطلاب، فتعين لكل جامعة وبل ولكل كلية مسئولون ومشرفون تربويون غالبا ما يكونون ممن أنهوا دراستهم وتخرجوا من الجامعة، وصارت هناك لجان مركزية للطلاب تتبع المكاتب الإدارية في المحافظات..وصار هناك مشرف علي قطاع الطلاب في مكتب الإرشاد الذي يمثل أعلي سلطة تنظيمية في الجماعة غرضه وضع المحددات العامة واستراتيجية عمل الجماعة في قطاع الجامعات.
ما حدث أن الوضع صار مختلفا فلم نعد نتحدث عن حركة طلابية إسلامية وإنما عن جناح طلابي تابع للإخوان المسلمين ..أفكاره واستراتيجيته وقراره جزء من أفكار الجماعة واستراتيجيتها وقرارها..بل إن قيادة هذه الحركة الطلابية تلتقي في تراتبية تنظيمية لا تنفصل مطلقا عن أي قطاع آخر في الجماعة ..لم تعد الحركة الطلابية الإسلامية نتاج تصور أو رهن قرار طلابي شبابي بل رهنا لحركة الإخوان بمجملها..وهو ما يمكن أن نفهمه حين نعرف أن المشرف علي قطاع الطلاب في الجماعة والشخص الأكثر تأثيرا فيه هو الدكتور رشاد البيومي الأستاذ الجامعي الذي جاوز عمره السبعين!.
بافتقاد الحركة الطلابية لاستقلاليتها داخل جماعة الإخوان المسلمين فقدت أيضا قدرتها علي أن تغرد خارج سرب التفاهم المستقر بين الإخوان السلطة..فالتصور العام واحد والاستراتيجية واحدة والسياسات واحدة ولا يبعد القطاع الطلابي الإخواني كثيرا عن الموقف الرسمي للجماعة إلا في شكل التنفيذ أو الإخراج الذي يجب أن يتلائم مع طبيعة المسرح الجامعي ذي النكهة الشبابية.
وعليه فمن المؤكد أنها ستظل رهنا لمنطق العلاقة بين الإخوان والسلطة والذي قد نقول من دون جزم أنه لم يصل يوما إلي درجة التحالف والوفاق ولكننا سنؤكد وبيقين أنه لن يصل يوما إلي درجة الصدام والحرب المفتوحة التي تستدعي تأسيس ميليشيات والقيام باستعراضات عسكرية في قلب الجامعة!