الإسلاميون والرقص على إيقاعات العولمة
باحث مصري.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لمعرفة موقف الإسلاميين من العولمة يبدو أن الأفضل هو الابتعاد عن دراسة مقارباتهم النظرية والفكرية التي تبدو غير واضحة، وربما متناقضة أحيانا، والاقتراب مباشرة من تفاعلاتهم الواقعية مع العولمة عبر دينامياتها المختلفة.
فالمقاربة السوسيولوجية لتفاعلات الإسلاميين والظاهرة الإسلامية عموما مع العولمة تنبئنا أن الإسلاميين هم أكثر تيارات المجتمع المصري بل والعربي تفاعلا مع دنياميات العولمة، وأن البوابة "الإسلامية" ربما كانت هي التي سيؤذن للعولمة بالدخول منها إلى العالم العربي على النقيض مما قد يتبادر للوهلة الأولى.
يمكن أن نرصد العلاقة بين الإسلاميين والعولمة عبر مستويين؛ الأول بما كان يقترحه الإسلاميون من "إسلام عالمي صالح لكل زمان ومكان"، وهم يعنون به إسلاما غير ضارب بجذوره في مكان محدد؛ هو ما يضرب في العمق فكرة الثقافات المحلية والتقليد السائد والتي هي أهم العقبات التي تؤدي إلى شل فاعلية ديناميات العولمة.
أما المستوى الثاني، في العلاقة بين الإسلاميين والعولمة، فذلك الذي يتصل بكون الإسلاميين حين يتخلون عن فكرة الإسلام غير الضارب بجذوره في مكان ويدخلون في عالم الثقافة ويتفاعلون ثقافيا فإنهم يميلون إلى التفاعل مع الثقافات الفرعية في مجتمعاتهم، وليست الثقافات التقليدية المستقرة، وهو ما يظهر في الملابس مثلا؛ فبعدما أقلعوا عن الزي الباكستاني الذي كانوا يرونه الزي الشرعي حينا من الدهر يفضل الإسلاميون المصريون الملابس الحديثة، وليس الجلابية البلدي -مثلا- التي هي الأقرب إلى الثقافة التقليدية، وفي الغناء والموسيقي مثلا؛ فالإسلاميون الذين دخلوا في الأغاني والموسيقى اشتغلوا على النموذج الشبابي والحديث مثل الراب وقاسوا عليه، كما في سامي يوسف ونظرائه، ولم يقلدوا مثلا الغناء التقليدي مثل أم كلثوم أو حتى الإنشاد الديني الصوفي المستقر في مصر، كما هو الحال في غناء ياسين التهامي أو النقشبندي.
من الأفضل لمعرفة الموقف "الإسلامي" من العولمة أن ننظر إليها ليس كرؤية أو نظرية ثقافية وإنما كصيرورة اجتماعية لا يتوقف فعلها في المجتمعات، وذلك من خلال ثلاث ديناميات رئيسية يمكن الاتفاق على كونها الديناميات الأساسية للعولمة، وهي: ثورة الاتصال والمعلومات، والتحول نحو اقتصاد السوق، ثم ظهور أنماط جديدة للمجتمع مع تآكل فكرة الدولة الوطنية.. في هذه الحال سيتأكد لنا أن الإسلاميين هم أفضل من يجيد الرقص على إيقاعات العولمة.
فعلى مستوى ثورة الاتصالات والمعلومات: لن يتعب المراقب كثيرا في وضع يديه على مؤشرات أكثر من أن تحصى في مقال؛ وكلها تؤكد على أن الإسلاميين بشرائحهم المختلفة كانوا الأكثر تفاعلا مع ثورة المعلومات والاتصالات واستفادة منها. فالمواقع الإسلامية أو التابعة للإسلاميين - باختلاف توجهاتهم- هي الأكثر عددا وزوارا ونشاطا، والإسلاميون كانوا أولى القوى في مجتمعاتهم التي سعت إلى الإفادة من هذه الثورة؛ فكان لهم السبق التاريخي حين كانوا أول من وظفها في الانتخابات البرلمانية (2000)، وكانوا الأكثر توظيفا لها في انتخابات برلمان 2005، وكانت أول إذاعة على شبكة الإنترنت هي التي بثها تنظيم "الإخوان" في الإسكندرية، والتي كانت تعمل على فترات طويلة يوميا، ثم تم تطويرها لتبث على مدار الساعة.
وسيرصد الباحث كيف سعت جماعة الإخوان إلى توجيه قواعدها بضرورة التوسع في التعامل مع الإنترنت واقتناء وسائل التواصل الحديثة بما فيها أطباق الستالايت التي تعد قواعد الإخوان الأكثر توسعا في التعامل معها من بين فئات الشارع المصري، وجاءت جنازة المرشد الخامس محمد المأمون الهضيبي لتكشف عن تطور طريقة التواصل والتبليغ بين قيادة الجماعة وقواعدها حيث حدثت الوفاة صبيحة يوم الجمعة وتم تعميم خبر الوفاة والدعوة للمشاركة في الجنازة عبر رسائل الهواتف النقالة والإنترنت فحضر عشرات الآلاف من جميع أنحاء مصر في صلاة الجمعة بجامع رابعة العدوية بالقاهرة (بعد نحو خمس ساعات فقط)، ولم تعد الجماعة تقف عند حدود التبليغ التقليدية. وهو ما يجري حاليا في اللقاءات العاجلة أو الفاعليات التي تقرر من دون سابق علم.
أدى ذلك إلى ضرب النظرية المعرفية الإسلامية والتقليد الإسلامي في أخذ العلم الشرعي. وكسر هيمنة المراجع والمؤسسات الدينية التقليدية، وكان من أهم أسباب ظهور الدعاة الجدد الخارجين عن المؤسسات وأصحاب التكوين الديني العصامي. كما كسر فكرة النقاء الديني التي شاعت من قبل ودخول طرق في الدعوة الإيمان تبدو غريبة على التدين التقليدي، وكان من جملة ذلك انتشار طريقة الوعظ التلفزيونية التي تشبه طريقة التبشير المسيحية في أميركا (الدعاة التلفزيونيين)، كما أدى إلى تعزيز "الفردنة" في نمط التدين على حساب الجماعية؛ لقد صار المتدين الجديد يتعامل مع الدين ويتعرف عليه ويمارسه بطريقة فردانية.
أما على مستوى التوجه نحو السوق: فتدلنا المتابعة المتفحصة على اتجاه الإسلاميين إلى اقتصاد السوق ومنطقه من دون أي ممانعة إلا ربطه بالأحكام والأخلاق الإسلامية. وكانت أبرز ملامح هذا التوجه نمو نزعة نيوليبرالية في عموم الحالة الإسلامية، مثل الدعوة أو الموافقة على انسحاب الدولة من نشاط السوق، عدم معارضة إجراءات الخصخصة وإعادة الهيكلة إن لم يكن تحبيذها، التأكيد على مبدأ المنافسة الاقتصادية مع ربطها بالأحكام والأخلاق فقط، تنامي اتجاهات تدعو إلى خصخصة الأوقاف نفسها وإدارتها بطريقة السوق، وتعزز ذلك بتنامي شريحة من رجال الأعمال والمستثمرين المنتمين للحركة وصعودهم وتأثيرهم القوي في قيادة الحركة ورسم سياساتها (يحتل رجل الأعمال المصري البارز خيرت الشاطر منصب نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين).
كما سنرى ملمحا آخر يتصل بالمصالحة التي جرت بين الدين والثروة تجاوزا لما بدأت عليه الحركة الإسلامية في السبعينيات، فصار هناك ما يشبه "البروتستانتية الإسلامية" التي تعلي من الغني وتمجد الثروة باعتبارها الطريق إلى الله أو الدليل على محبته واصطفائه بعدما كان خطابها السابق في حقبة السبعينيات أقرب إلى الإدانة وأكثر حفاوة بالفقراء والمستضعفين.
سنجد كذلك ما جرى من دخول للدعوة نفسها في منطق السوق بعدما نشأت عليها استثمارات وتكونت أنشطة اقتصادية (تجارة وإنتاج الكاسيت والبرامج الدينية)، البنوك الإسلامية، محلات الأزياء والتجميل الخاصة بالمحجبات، شركات الحج والعمرة والسياحة الإسلامية،. كما ظهر سوق عرض وطلب ديني نتيجة لتنزع الطبقات الاجتماعية التي طالتها الاسلمة، ما أفرز تنوعا في الخطاب الديني.
ويلتقي مع هذا ما نراه من دخول لأفكار ونظم التطوير الإداري الغربية في مناهج التكوين والتثقيف وتعاظم تيار أسلمة النتاج الاداري الغربي، ما عزز لدى الجماعة رؤية تنظر للعالم وتتصوره على طريقة الشركات. بالإجمال لا يكاد يختلف الموقف الإسلامي كثيرا في قضية السوق عن النموذج الليبرالي، وربما النيوليبرالي الغربي.
أما على المستوى الثالث، من ديناميات العولمة، والمتعلق بظهور أنماط جديدة للمجتمع وتراجع فكرة الدولة كمحور للتغيير يتعلق به الرهان. فلم يتخلف عنه الإسلاميون. إذ انتقلوا في السنوات الأخيرة – تدريجيا- إلى صف المطالبين بتقليص سلطات الدولة إلى أقصى حد وإطلاق طاقات ما صار يعرف بالمجتمع المدني.
لقد تصاعد حديث "الإسلاميين" عن أهمية المجتمع المدني وظهرت منهم محاولات جادة لتوطين المفهوم في البيئة العربية، كما هو الحال في حقل حقوق الإنسان الذي جرت أسلمته وشهدنا تأسيس مراكز إسلامية له مثلما هو الحال في مركز سواسية التابع للإخوان في مصر.
وتزايد الارتباط الإسلامي بالمنظمات العابرة للاوطان خاصة في الجانب الحقوقي وتطورت النظرة اليها من انها اختراق غربي الى انها منظومة انسانية مشتركة، مما يعول عليه في نصرة الحق الاسلامي؛ كما ظهرت مؤسسات دولية إسلامية عابرة للأقطار مثل المنتدى العالمي لرجال الأعمال المسلمين في تركيا "الموصياد".
بشكل عام يبدو المشهد مغايرا لما استقر عن الاسلامييين وعندهم أيضا؛ فالاسلاميون الآن هم البوابة الاثيرة للعولمة، التي من دونهم لا يمكن ان تستقر اقدامها، او تلقى الترحيب في المنطقة