في ندوة حول جدله الثقافي والديني..لماذا تفشل فتاوى تحريم عيد الحب؟!
على الرغم من أن الاحتفال بعيد الحب لا يعتبر بالظاهرة الجديدة على المجتمع المصري فإنه يثير الجدل سنويا حول تأثيره الثقافي والديني ومدى شرعية الاحتفال به كطقس غربي يمارس في بلد عربي، بل امتد الأمر إلى إجراء الدراسات والأبحاث حول تأثيره في السلوك الاستهلاكي لدى المواطنين في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.
وحول جدلية الاحتفال بعيد الحب نظم مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية (سيداج) أمس الثلاثاء 23 / 2 /2010 ندوة تحت عنوان "عيد الحب قراءة في الجدل الثقافي والديني في مصر" تحدث خلال الندوة كل من الباحث "إيمون كرايل" الباحث في مجال العلوم الاجتماعية والباحث الصحفي حسام تمام الخبير في شئون الحركات الإسلامية. حيث تناولت الندوة العديد من المحاور حول جدلية الاحتفال بعيد الحب في مصر والمنطقة العربية وتأثيره الثقافي والديني والاقتصادي.
أكثر من أوروبا
استهل الباحث الفرنسي "إيمون كرايل" كلمته بأن ظاهرة الاحتفال بعيد الحب انتشرت في مصر بشكل أكبر خلال السنوات العشر الأخيرة وأصبح محتفلا به في مدنها أكثر من أوروبا حيث يعتبره العديد من الرجال أمرا إجباريا وفقا لمتطلبات النساء خاصة في فترة الخطوبة.
ولما حققه هذا العيد من انتشار كبير وصل الأمر إلى الاحتفال به مرتين بالعام الواحد الأولى تحت مسمى عيد الحب القومي في 4 نوفمبر والثانية هي الفالانتين يوم 14 فبراير إلا أن الاثنين يتم الاحتفال بهما بنفس الطريقة ونفس الهدايا والتي أصبح معظمها صينية الصنع مشيرا إلى أن هذا العيد قادر على التأقلم مع الظروف الخاصة للمجتمع الذي يصل إليه.
ومن المثير للانتباه وفقا لما يراه "كرايل" أن هذا العيد يمارس بنجاح كبير في مجتمع كان يعتبر فيه التعبير عن العواطف عيبا كبيرا عند فئات كثيرة منه، إلا أنه يعتبر الآن فرصة سنوية للاقتراب من الجنس الآخر على الرغم من اعتراضات الرقابة على شكل العلاقة بين الشاب والفتاة.
كما استعرض كرايل الخطاب النقدي الموجه للاحتفال بعيد الحب مقسما إياه إلى ثلاثة أطراف مرجعية الأول يستخدم خطاب ديني يصف عيد الحب بالبدعة السيئة التي تدعوا للإباحية؛ وطرف قومي يرفض استيراد عيد غربي؛ وطرف ثالث ينتقد الاستهلاكية المرتبطة بهذا الاحتفال مما دفع بعض الشباب -المنتمين للإخوان المسلمين- لتغيير معنى هذا الاحتفال وإطلاق معنى جديد له مثل الاحتفال بعيد الحب في الله ويكون في نفس تاريخ عيد الحب أي في الرابع عشر من فبراير.
ذو أصل مصري!!
وقد أعرب "كرايل" عن دهشته خلال الندوة عندما استعرض الأجوبة التي اتسمت بالسذاجة عندما طرح بعض الأسئلة حول بداية الاحتفال بعيد الحب على بعض الشباب الذين يحتفلون بهذا العيد حيث جاءت الإجابات تقريبا بلا استثناء تقول إن هذا العيد ذو أصل مصري قديم وكان الأجداد يحتفلون به قديما وهو ما يعكس جهل الكثيرين بتاريخ وأصل هذا العيد على الرغم من تأييدهم له وممارسته فعليا كل عام، كما أرجع الاهتمام الكبير بعيد الحب في الفترات الأخيرة تحديدا إلى احتياج الشباب إلى الحب والزواج وبحثهم عن فرص للتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم خاصة مع تضاعف عدد الفضائيات وكثرة مستخدمين الإنترنت وما يتعرض له الشباب من عوامل إثارة وتأجيج للمشاعر.
وفي ختام كلمته تساءل "كرايل" عن الأمنيات التي ينشئها عيد الحب قبل وبعد الزواج لدى شريكي الحياة قائلا: "هل تستطيع الأجيال القادمة التي تحتفل بعيد الحب الآن بناء علاقات أسرية قائمة على الرومانسية والحب بشكل حقيقي وتتجاوز الفروق الكبيرة بين الأحلام المأمولة والهموم التي تواجه الحياة الأسرية يوميا؟".
سياق العولمة
أما الباحث في شئون الحركات الإسلامية حسام تمام فقد تناول في ورقته البحثية سؤالين عن تحول عيد الحب لظاهرة اجتماعية بعد أن أصبح عيدا سنويا هاما في مصر والعالم العربي، والآخر عن مقاومة هذا العيد لفتاوى التحريم والمنع المتصاعد سواء من قبل المؤسسات الدينية أو التيارات السلفية التي تحرمه لأسباب كثيرة ككونه بدعة وليس له أساس في الدين الإسلامي، وأيضا لمرجعيته العقائدية حيث إنه عيد ذو نشأة مسيحية ومظهر من مظاهر التشبه بالكفار فهو يدعو إلى تأجيج العواطف والمشاعر.
وأشار تمام إلى أن عيد الحب أصبح يرتبط بسياق العولمة الاتصالية وما تتيحه من تنميط ثقافي كالاحتفال بأعياد أخرى كعيد الكريسماس؛ بالإضافة إلى الاستهلاكية وتحويل كل شيء لسلعة وربط الحب بشراء الزهور والتحف على شكل قلوب وتحويل نغمات الهواتف إلى نغمات رومانسية وإقامة الحفلات الغنائية مما يؤثر على الاقتصاد بنسبة كبيرة.
كما ربط تمام بين تأثيرات الحداثة من حيث ربط الرومانسية والحاجة إليها بأشياء كثيرة لم تكن الرومانسية تتدخل فيها من قبل مقارنا بين الحياة الزوجية والأسرة التي كانت تقوم في السابق على أساس الترابط والتفاهم والتمسك بالاعتناء بالأبناء وبين الحياة الزوجية الآن التي من السهل جدا فضها لعدم وجود رومانسية وحب بين شريكي الحياة.
أكثر من معنى
وعن أسباب فشل الفتاوى الدينية الكثيرة التي تحرم عيد الحب يرى تمام أن هناك عاملين أساسيين وراء هذا الفشل يتمثل الأول في فقدان الثقة في تلك المؤسسات الدينية التي تصدر تلك الفتاوى وضعف وتلاشي تأثيرها في إقناع الناس بأي شيء سواء كان حلالا أم حراما، والعامل الآخر يتمثل في كون قضية الاحتفال بعيد الحب قضية يسهل تأويلها بأكثر من معنى قد يختلط فيه الثقافي بالديني فهي بذلك يمكن أن تعتبر ظاهرة ثقافية بعيدة عن الدين والمساس به.
كما ربط بين ظاهرة الاحتفال بعيد الحب وسياق التحولات الدينية التي يشهدها المجتمع المصري حيث أصبح هناك تغيرات جذرية في الإسلام الحركي ضاربا المثل بشباب الإخوان المسلمين في جامعة القاهرة الذين يحتفلون بعيد الحب باسم (محمد داي).
وقارن تمام بين الالتزام الديني سابقا الذي كان جزءا من رؤية كبرى كلية للحياة وتحوله الآن إلى الرغبة في التطبيع مع العالم والتمتع به بدلا من تغييره والميل إلى المتعة والتصالح مع الحياة والاستمتاع بها، بل اتجه أيضا إلى المزج بين المراجع الثقافية المختلفة واللجوء إلى المراجع الغربية منها، فبذلك أصبح الالتزام الديني الآن يبتعد عن السياسة وانتقل من الإسلام المكافح الثوري التغييري إلى ذلك الرحيم المقبل على الحياة والراغب في الاستمتاع بها وليس تغييرها.
إسلام أون لاين